مقالُنا اليوم عن تاريخ وحاضر ومُستقبل، عن المكان المقدّس الذي بُنيَ قبل الميلاد بأكثر من ألفَي سنة، اُسري إليه النبي عليه الصلاة والسلام، أولى القُبلتين في ديننا الإسلامي الحنيف، وثالث المساجد التي يشدّ المسلمون إليها الرّحال بعد المسجد الحرام في مكة والمسجد النبوي في المدينة المنوّرة، إنّه المَسجد الأقصى، أو ما يُعرف بـ الحرم القدسي الشريف، أو بيت المقدس، الذي عُرف بكونه أيضًا مركزًا دينيًا مهمًا، وأساسًا للاحتفالات الدينية، ولتدريس معارف الحضارة الإسلامية العريقة.
يقع المسجد الأقصى المُبارَك بين أحضان مدينة القدس، في الجهة الجنوبية الشرقية من المنطقة، تحديدًا على هضبة المريّا، ويشغل مساحة 14 دونمًا تقريبًا، أي حولي سُدس مساحة القدس المسوّرة، ويأخذ بيت المقدس شكل المضلّع غير المنتظم. يتألف من رواق أوسط قائم على أعمدة من الرّخام، ويمتد من الشمال بجملون مصفح بألوان الرصاص، ثم يصل إلى الجنوب لينتهي بقبّة كروية الشكل عظيمة، تتكون من طبقة داخلية مزينة بالفسيفساء، وأخرى خارجية. يحيط بالرواق الأوسط 3 أروقة من الجانبين الشرقي والغربي، موازية للأول ولكنها أقل ارتفاعًا. يحتوي الأقصى العديد من المعالم الأثرية والدينية التي تعني الكثير للمسلمين، ونحاول استيفاءها في هذا المقال.
معالم المسجد الأقصى "ألأبواب"
يدخل المسلمون المصلون والزائرون إلى بيت المقدس من أحد أبوابه العشرة، والتي كانت في فترة ما سبعة أبواب، ولكن أُضيفت الثلاثة الباقية في فترات متأخرة، وهذه الأبواب المفتوحة، أما الأبواب المغلقة فهي أربعة. والأبواب بأسمائها هي؛ الأبواب المفتوحة: باب الأسباط أو يُسمى ستي مريم، باب حطة، باب الملك فيصل، ويُدعى أيضًا باب العتمة وباب الداوودية وباب شرف الأنبياء، باب الغوانمة ويُدعى أيضًا باب الخليل. باب الناظر، ويُعرف بأسماء أخرى: باب المجلس، وباب علاء الدين البصيري، وباب الرباط المنصوري، وباب ميكائيل، وباب الحبس. باب الحديد. باب القطانين. باب المطهرة، ويُدعى أيضًا باب المتوضأ. باب السلسلة، ويُدعى أيضًا باب الملك داوود أو باب داوود اختصارًا. باب المغاربة، ويُعرف أيضًا باسم باب النبي وباب حارة المغاربة.أما الأبواب المغلقة: باب التوبة. باب الرحمة. باب السكينة. باب البراق.
معالم المسجد الأقصى "القباب"
يوجد في المسجد الأقصى عدة قِباب، بُنيت جميعها في الفترات الإسلاميّة، وكانت مراكزًا للعبادة، والتدريس، وبعضها كان مجرّدُه تخليدٍ لذكرى حدثٍ معيّن، وأهمها:
| قبّة الصخرة: وتقع في مركز الحرم القدسي، تمامًا في الجهة الشّمالية قبالة الأقصى المبارك، وتكون من قبّة بقطر 20 متر تقريبًا، تتكئ على أسطوانة مؤلفة من 16 نافذة، وتتّخذ شكلًا ثُمانيًا. زُينت جدران القبة بزخارف ونقشات حملت فنون الهندسة العربية الإسلامية ممتزجةً بالفارسية والرومانية. بداخل القبة، هناك الصخرة، ترتفع أعلى نقطة فيها حوالي متر ونصف عن الأرض، ويحيط بها درابزين خشبي، وتوجد تحت الصخرة المغارة.
وأما عن سبب بناء قبة الصخرة، فكان إثر زيارة الخليفة عبد الملك بن مروان لمدينة القدس، وخطر له أن يبني القبة فوق الصخرة التي عرج منها الرسول محمد عليه الصلاة والسلام، إلى السماوات العُلى، كي تقي المسلمين حرّ الصّيف، وبرد الشتاء، وتُعتبر من أجمل القِباب في العالم الإسلامي.
| قبة الأرواح: سُميت قبة الأرواح بهذا الاسم لقُربها من مغارة الأرواح، وتقع إلى شمال قبة الصخرة، والقبة عبارة عن بناء من 8 أعمدة رخامية.
اقرأ أيضًا: خريطة طريق: كيف يتعلق طفلك بالمسجد الأقصى؟ [1]
| قبة موسى: غرفة مربّعة الشكل، تعلوها قبّة، وتتكون من عددٍ من المحاريب داخلها وخارجها، وهناك مدخل شمالي.
| قبة الخضر: تقع القبة إلى جهة قريبة من الرواق الذي يؤدي إلى صحن قبة الصخرة، وهذه القبة صغيرة، وتتكون من 6 أعمدة من الرخام، وفيها زاوية مميزة هي زاوية الخضر.
| قبة السلسلة: تقع في ساحة حرم بيت المقدس، وقيل إن مَن بناها كان الخليفة عبد الملك بن مروان، وغرضه كان بناء بيتٍ للمال.
| قبة المعراج: تقبع قبة المعراج في شمال غرب قبة الصخرة، وتقوم على 30 عمود، الجدران مغطاة بألواح رخامية بيضاء، والقبّة بصفائحٍ من الرصاص، ويُذكر أن بناء قبة المعراج كان تذكارًا لعروج النبي عليه أفضل الصلاة والسلام، إلى السّماء.
| قبة سليمان: بناء مثمّن يوجد داخله صخرة ثابتة، ويقع بقرب باب الملك فيصل.
| قبة يوسف: عبارة عن مَصلى صغير مربع الشكل، تعلوه قبة محمولة من الجهة الأمامية، ويتميز بأنه بناء مفتوح من جميع الجهات باستثناء الجهة الجنوبية. تقع هذه القبة جنوبي الصخرة المشرّفة.
| قبة النبي: في شمال غرب قبة الصخرة، في المسافة بيها وبين قبّة المعراج، وتُسمى قبة النبي أيضًا بـ محراب النبي، مُثبتة على 8 أعمدة رخامية، وتعلوها 8 عقود مدبّبة.
| القبة النحوية: تقع في جنوب غرب صحن قبّة الصخرة، وكان لإنشاء القبة النحوية شيئًا من اسمها، حيث اتُخذت مقرًا لتدريس علوم اللغة العربية.
اقرأ أيضًا: هل تتحقق نصرة الأقصى "بالحب" فقط؟
| قبة الشيخ الخليلي: بُنيت لتكون مقرًا للشيخ الخليل ليقرأ فيها الأدعية الصوفية والاعتكاف، أي دارًا للعبادة، وتقع إلى شمال غرب صحن قبة الصخرة، وهي عبارة عن بناء مستطيل، يقع مدخلها في الناحية الشرقية، ومن الداخل، يوجد فيها كهف فيه محراب.
| قبة العشاق: وسُميت بهذا الاسم لأنها كانت مُلتقى الصوفيين الذين عشقوا النبي صلى الله عليه وسلم، وتقع إلى الجهة الشمالية من ساحة الحرم، كما يسميها البعض يـ إيوان العشاق كما كان اسمها في بداية إنشائها.
| قبة يوسف آغا: تقع هذه القبة بين المسجد الأقصى والمتحف الإسلامي، في الجهة الجنوبية الغربية، ويعود بناؤها إلى الفترة العثمانية، بناها والي القدس يوسف آغا.
مآذن المسجد الأقصى
هناك 4 مآذن في الأقصى:
| مئذنة باب المغاربة: وموجودة في جنوب غرب الحرم، وتُسمى أيضًا المئذنة الفخرية، وذلك على شرف بنائها من قِبل القاضي شرف الدين عبد الرحمن بن الصاحب الوزير فخر الدين الخليلي.
| مئذنة باب السلسلة: وتقع في الجهة الغربية من الحرم، ووفق ما جاء في النقش التذكاري الموجود على قاعدة المئذنة في الجهة الشرقية، فقد بناها الأمير سيف الدين تنكر الناصري.
| مئذنة باب الغوانمة: تقع شمال غرب حرم المسجد، وبُنيت أيضًا على يد القاضي شرف الدين عبد الرحمن بن الصاحب، ولكن تمت إعادة تجديدها في عهد السلطان محمد بن قلاوون، وهو ما جعل البعض يعرفونها باسم منارة قلاوون.
| مئذنة باب الأسباط: تقع شمال الحرم، والمميز في هذه المئذنة هو شكل قاعدتها، حيث تختلف عن المآذن الباقية، فبينما المآذن الأخرى مربعة، تتميز مئذنة باب الأسباط بكونها ثمانية الأضلاع.
معالم المسجد الأقصى "الأسبلة والزوايا"
يتميز الأقصى بالعديد من أسبلة المياه التي يعود إنشاؤها إلى العصرين المملوكي والأيوبي، وقد كان سبب إنشائها توفير مياه الشرب والطهور في المسجد، ومنها: سبيل الكأس الذي يشبه بشكله شكل الكأس ويتوسط بركة، حيث تتدفق المياه من الكأس إلى البركة. وهناك سبيل البصيري أو يُسمى سبيل باب الناظر، وسبيل قايتباي وسبيل سليمان وسبيل منبر برهان الدين، وسبيل الرحمة، وسبيل الزيتونة الذي سُمي بهذا الاسم نسبةً إلى شجرة الزيتون التي تتوسط حنفياته السّبع، والعديد من الأسبلة الأخرى التي تتوزع داخل حرم المسجد.
كما يتميز بيت المقدس بالعديد من الزوايا المهمة، أكثر من 10 زوايا أهمها: الزاوية النقشبندية التي أُنشئت لإيواء الغرباء وإطعام الفقراء، وزاوية الهنود، والزاوية الأدهمية، وزاوية الشيخ جراح التي تقع في حي الشيخ جراح، والزاوية الرفاعية والزاوية اللؤلؤية والزاوية البسطامية، وغيرها.
اقرأ أيضًا: فن العمارة في استقراء التاريخ: قصر السيدة طنشق المظفرية في القدس
| الأقصى القديم
الموجود أسفل الأقصى الجديد الحالي، وقد بُني من عروق خشبية موضوعة بشكل مباشر على الجدران، ومن ميزات الأقصى القديم أنه كان يتّسع لحوالي 3000 مصلّي.
| المصلى المرواني
يقع المصلى المرواني في الجهة الجنوبيّة الشرقية من المسجد، واكتسب اسمه من كونه كان مدرسة فقهية في زمن عبد الملك بن مروان. يتكوّن من 16 رواق، بمساحة حوالي 4000 متر مربّع. أُطلق عليه اسم اسطبلات سليمان في فترة الاحتلال الصليبي للمسجد الأقصى، حيث استعمله الصليبيون اسطبلًا للخيول ومخزن ذخيرتهم، ولكن قام صلاح الدين الأيوبي بفتحه للصلاة بعد تحرير المسجد.
| حائط البراق
يحيط حائط البراق بالجهة الغربية من بيت المقدس، والسبب الرئيس لتسميته بهذا الاسم، حادثة الإسراء والمعراج، عندما ركب النبي عليه الصلاة والسلام، دابة البراق، وبعد وصوله المسجد، ربط البراق قُرب الحائط الغربي من الحرم. ويُسمي بعض اليهود حائط البراق بـ حائط المبكى، ذلك لأنهم كانوا يؤدون صلاتهم التي تتمثل بالبكاء والنواح بجانبه، ويربطونه بأساطيرهم.
| المتحف الإسلامي
يقع المتحف غرب قبة الصخرة، وهو عبارة عن مبنى صغير، ويحتوي على العديد من المعروضات الدينية الثمينة، مثل المصاحف المُهداة إلى الحرم على مر العصور، والمخطوطات القرآنية التي تعود إلى الحقب التاريخية المختلفة.
لعلّ تلك أهم معالم المسجد الأقصى، ولكن ليست جميعها بالتأكيد، فالأقصى أكبر وأشمخ من أن نقدر على ذِكر تفاصيله كاملة، لأنه لو حاولنا الشرح بالتفصيل، وأردنا أن نأتي على ذِكر كل مَعلم مهم في المسجد، نحتاج إلى كتاب واسع لنذكر فيه كل ما يجب ذكره.