بنفسج

سير ذاتية نسائية: الأكاديمية رفاء الرمحي

الإثنين 19 ديسمبر

هي الأولى في كل شيء منذ طفولتها، لا تذكر قط أنها خسرت درجة في إحدى المواد الدراسية، ذات شخصية جذابة، لها صوت شجي صدح صداه في باحات المدرسة، فتميزها بالإلقاء كان السبب الأقوى ليتم اختيارها دومًا لتكون "عرافة الحفل" في جميع الاحتفالات والمهرجانات المدرسية، حتى أطلقن المعلمات عليها ب "المُلقية المتميزة"، وجدت شغفها بين الحسابات والأرقام والمعاملات الرياضية حتى أبدعت في مهنتها، فحجزت لها اسمًا في الصفوف الأولى.

عميدة كلية التربية في جامعة بيرزيت- الدكتورة رفاء الرمحي (45 عامًا)، فلسطينية الأصل والمنشأ، ولدت في مدينة سلفيت، هي سليلة عائلة اتخذت من التدريس مهنة لها، فوالدها كان يعمل مدير مدرسة، أما أمها فكانت معلمة لغة عربية، لذلك عشقت منذ صغرها هذه المهنة، وتشبثت بها حتى تفوقت في جميع مراحلها الدراسية، فمن معلمة إلى مُدرسة جامعية إلى عميدة كلية، وبين الثلاث رحلة علم حافلة وعناء.

 عميدة كلية التربية "رفاء الرمحي"

عميدة كلية التربية
منذ صغري كنت متفوقة، والأولى على صفي دائمًا، أذكر أنني في الصف الخامس الابتدائي نسخت خارطة العالم العربي، لكنني أخطأت في تعيين بعض الدول، فوضعت لي المعلمة بعض الملاحظات، وعندما عُدت للبيت، قمت بنسخها ثلاث مرات.
 
 وفي اليوم التالي ذهبت لمعلمتي لأُريها أنني قمت بالتعديل حتى لا تأخذ فكرة خاطئة عني، فكنت دومًا أسعى لتكون علاماتي كاملة، وصورة أنني الطالبة المتفوقة والمتميزة لامعة بين معلماتي، ليس على مستوى فصلي فحسب، بل على مستوى المدرسة بأكملها.

التحقت عميدة كلية التربية في مراحلها الابتدائية والإعدادية  بمدرسة بنات سلفيت، وكانت الطالبة المتفوقة والنشيطة في عيون معلماتها، لها خط جميل فكانت كتاباتها دومًا لافتة للنظر، منذ مرحلة الروضة أخذ والدها يُعلمها كيف تكتب بخط الرقعة، وفي كل محاولة يصفق لها فرحًا بإنجازها الكبير في نظره، فهذه التفصيلة الصغيرة أحدثت فارقًا كبيرًا في حياة رفاء.

تقول رفاء مستذكرة: "منذ صغري كنت متفوقة، والأولى على صفي دائمًا، أذكر أنني في الصف الخامس الابتدائي نسخت خارطة العالم العربي، لكنني أخطأت في تعيين بعض الدول، فوضعت لي المعلمة بعض الملاحظات، وعندما عُدت للبيت، قمت بنسخها ثلاث مرات، وفي اليوم التالي ذهبت لمعلمتي لأُريها أنني قمت بالتعديل حتى لا تأخذ فكرة خاطئة عني، فكنت دومًا أسعى لتكون علاماتي كاملة، وأن أبقى بصورة الطالبة المتفوقة والمتميزة، ليس على مستوى فصلي فحسب، بل على مستوى المدرسة بأكملها".


اقرأ أيضًا: أسيل أشهب: عندما "رُفِعتْ الجلسة" وصدَح صوتُ العود


لم يقتصر تفوقها على صعيد التحصيل الدارسي فحسب، بل كانت متفوقة أيضًا في لعبة التنس، حيث شاركت وهي في الصف السابع وأختها في مسابقة نظمتها وزارة التربية والتعليم، لعبت فيها مباراة لتنس الطاولة، وفازت بالمرتبة الأولى على مستوى المديرية. تفوقت بالثانوية العامة بمعدل 95,8% من مدرسة ذكور سلفيت الثانوية، وحصلت على ترتيب العاشرة على مستوى الضفة الغربية بين الإناث بالفرع العلمي، فماذا عن شعورك حين تلقيتِ النتيجة؟

تُجيب: "بكيت كثيرًا، كنت أتوقع وأهلي أن أكون من أوائل الضفة الغربية المحتلة ولم أستطع تحصيل ذلك، بفعل فارق الدرجات بين الفصل الأول والثاني الدراسي، فأشعلوا أهلي أجواء البيت بالزغاريد والأناشيد والحلويات وعمت الفرحة بين جميع الأحباب، فتقبلت النتيجة واحتفلنا معًا".

بعد تفوقها الباهر، حدث ما لا تتمناه وكأنها تُصدق حتمية العبارة "تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن"، ففور دخولها الجامعة التحقت بكلية الهندسة الكهربائية بما يتناسب مع رغبة جميع من حولها، "معدلك عالي وعليك دراسة الهندسة لا أن تصبحي معلمة"، ورغم تفوقها بالفصل الأول بمعدل 92%، إلا أنها لم تُكمل حلم الجميع وقررت أن تُسلك الطريق الذي تُحب.

الطريق نحو العلم

عميدة كلية التربية
عميدة كلية التربية في جامعة بيرزيت د. رفاء الرمحي

التحقت بتخصص الرياضيات، هذا العلم الذي وُلد في قلب العميدة رفاء الرمحي، التي وجدت نفسها بين الأرقام والحسابات، فكانت البداية الأولى، عندما التحقت بكلية العلوم "قسم الرياضيات" في جامعة النجاح الوطنية بمدينة نابلس، وما أن لبثت حتى تخرجت بثلاث سنوات فقط، وبمعدل امتياز الأولى على دفعتها، ليُسجل هذا النجاح رصيدًا جديدًا في حقل إنجازاتها.

تستذكر وصوتها يعلو فخرًا: "عندما تخرجت من مرحلة البكالوريوس بثلاث سنوات وبالمرتبة الأولى، كانت أختي قد تخرجت هي أيضًا الأولى على الجامعة بتخصص الصيدلة، وشاركنا في حفل التخرج ذاته، وألقت أختي كلمة الخريجين في الجامعة نظرًا لأنها الأولى، كان والدي "رحمه الله" فخورًا جدًا بهذا الإنجاز العظيم".

في السنة الثانية خلال دراستها البكالوريوس بالجامعة، تزوجت رفاء وهي بعمر العشرين، فماذا كان اختيارك؟ تُجيب: "تزوجت من مهند أبو شمة من مدينة رام الله، ويعمل حاليًا مدير عام المشاريع في وزارة التربية والتعليم، أما عن الاختيار فوجدت فيه ما أطمح إليه، فهو السند الداعم لي في مشواري، يفتخر بي وأجده في كل لحظات حياتي، فثمرة حبنا 4 أبناء".

بماذا تصفين تجربتك كمعلمة: "إنها من أجمل التجارب، استفدت منها خبرة تربوية كبيرة، فكنت أسعى لأن تحبني الطالبات حتى يستطعن فهم الرياضيات، لأنها من المواد المعقدة، وكنت أراعي جوانبهن العاطفية والانفعالية، وأعلمهن بقلبي وبمحبتي أكثر من الكتاب، وهذا ما جعلني أسمع منهن أنهن يُحببن حصة الرياضيات، وكلماتهن لي "أحببنا الرياضيات بسببك".

في عام 2003 دفعها شغفها وعشقها للرياضيات، لتُكمل حلمها بدراسة الماجستير في تربية تعليم الرياضيات في جامعة بيرزيت برام الله، اختارت رفاء عنوان رسالتها "مستويات التفكير الهندسي بالإطار النظري لدى المعلمين في كتب الرياضيات المدرسية في فلسطين"، تقول: "كان لدي ثلاثة أبناء أصغرهم يبلغ من العمر سنة، وبالرغم من ذلك كنت أذهب للمحاضرات وأستيقظ على الثالثة فجرًا لأكمل دراستي، أنهيت مرحلة الماجستير في عام 2006 بامتياز وكنت الأولى أيضًا على دفعتي، نجاح جديد أسطره في قائمة إنجازاتي".

وخلال مرحلة الماجستير كانت رفاء تعمل كمعلمة للرياضيات في إحدى المدارس الحكومية منذ العام 1999، وخلال ذلك اندلعت الانتفاضة الثانية عام 2000 في الضفة الغربية المحتلة، فاضطرت إلى ترك عملها نظرًا لإغلاق الطرق وعدم قدرتها للوصول إلى المدرسة، ثم عملت في بعض المدارس الخاصة لمدة ثلاث سنوات، لتبدأ رحلتها في التدريس الجامعي بعد انتهاء مرحلة الماجستير .


اقرأ أيضًا: بيرزيت قلم على حجر: من مذكرات المربية ندى الجيوسي


بماذا تصفين تجربتك كمعلمة: "إنها من أجمل التجارب، استفدت منها خبرة تربوية كبيرة، فكنت أسعى لأن تحبني الطالبات حتى يستطعن فهم الرياضيات، لأنها من المواد المعقدة، وكنت أراعي جوانبهن العاطفية والانفعالية، وأعلمهن بقلبي ومحبتي  أكثر من الكتاب، وهذا ما جعلني أسمع منهن أنهن يُحببن حصة الرياضيات، وكلماتهن لي "أحببنا الرياضيات بسببك"، "أنت خير نموذج لنا"، كلمات دفعتني لأستمر بطرق تدريسي، وأيقنت أن المعلم المميز سيُخرج طلبة متميزين دائمًا".

عميدة كلية التربية تسلك مدارج العلم

عميدة كلية التربية
عمدية كلية التربية رفاء الرمحي مع زملائها في جامعة بيرزيت

بعد حصولها على المرتبة الأولى في الماجستير، عينت في جامعة بيرزيت عام 2006 برتبة مُدرس، فكيف كان شعورك حين تم تعيينك لأول مرة في حياتك؟ تُجيب: "أجمل شعور بالدنيا، أن أصبح مُدرسة جامعية بعد تعب، فكنت أقوم بالتحضير لساعات طويلة، لأُثبت نفسي وأكون مُدرسة متميزة، وأعلم طلبتي ما أؤمن به من أفكار تربوية هامة من أجل الارتقاء بالنواحي التربوية".

استمرت رفاء في عملها الجامعي حتى عام 2009، حيث حصلت على منحة من اليونسكو لإكمال  الدكتواره  في الجامعة الأردنية بعمان، فما كان عليها إلا أن تسافر وأبناؤها لتحقيق باقي الحلم، تقول: "سافرت وعائلتي إلى عمان، وسكنت بالقرب من الجامعة، وكان من الصعب أن أترك أبنائي وهم صغار  لوحدهم بالبيت، نظرًا لأن أباهم كان يعمل في رام الله ولم يستطع السفر معنا، فكان يأتي لزيارتنا كل أسبوعين مرة ليطمئن علينا، فكنت أذهب للمحاضرات وحين يحتاجون إليّ تتصل بي ابنتي الكبرى التي كانت حينها بالصف الرابع، وتساعدني دائمًا وتُدرك أننا يجب أن نتعاون مع بعضنا لنصل إلى ما نصبوا إليه".

أكملت رفاء على ما بدأت به في  الماجستير فاختارت عنوان رسالتها بالدكتواره "أثر البرنامج التدريبي في تطوير المعرفة المهنية في الهندسة لدى معلمي الرياضيات المرحلة الأساسية، وتحسين تحصيل طلبتهم في فلسطين"، وذلك لتُكمل بنفس الطريقة في تعريف معلمي الرياضيات كيفية تعليم الهندسة، إلى جانب قيامها بتطوير برنامج تدريبي للمعرفة المهنية المبنية على كيفية تعلمها، وكان أثر هذه الدورة واضحًا على المعلمين الذين تحسن تحصيل طلبتهم في وحدة الهندسة.


اقرأ أيضًا: حفيدة الطنطاوي: حكايات نسجت سيرة ذاتية ملهمة


كيف وازنتِ بين العائلة والعلم؟ تجيب: "ليس سهلاً أن نوازن بينهما، ولكن سر نجاحي يُكمن في تنظيم الوقت، وكتابة أولويات يومنا وأهدافنا على المدى القصير والبعيد، فكل يوم أبدأ بتنفيذ جميع أولوياتي المطلوبة، فسر النجاح أيضًا بالثقة والإيمان بالله ثم بنفسك".

أنهت رفاء مرحلة الدكتواره في عام 2011-2012 بمعدل امتياز مرتفع، وعادت لعملها في جامعة بيرزيت،  وفي تلك الفترة استطاعت أن تنشر أكثر من 21 بحثًا علميًا في مجال المعرفة بتعليم الرياضيات، منهم 10 في مجال التربية الخاصة، بعضها نشرته لوحدها والبعض الآخر نشرته بالتعاون مع طالباتها بالماجستير، ومن أبحاثها "الدورس المستفادة من تجربة كورونا وتجربة التعليم عن بعد".

إنجازات عميدة كلية التربية رفاء الرمحي

عميدة كلية التربية

 

لم يكن إبداع عميدة كلية التربية الدكتورة رفاء الرمحي مقتصرًا على مجال الرياضيات فحسب، بل كان المجال الإبداعي حاضرًا في سيرتها الذاتية، حيث تشارك في جميع المحاضرات والندوات والورشات، لتتحدث عن أهمية الرياضيات في حياتنا، وفي فترة كورونا استطاعت عمل تغيير من خلال إطلاق مجموعة بعنوان "خبراء من أجل التعليم"، كانت لها مشاركات واسعة النطاق.

كما واستطاعت تمثيل دولة فلسطين بالعديد من الندوات العالمية أو الإقليمية، وشاركت سابقًا كخبيرة تربوية ممثلة لقطاع التعليم العالي في فلسطين في ويبينار بتمويل من اليونسكو، استعرضت خلالها التحديات التي يتعرض لها قطاع التعليم.

لم يكن إبداع عميدة كلية التربية الدكتورة رفاء الرمحي مقتصرًا على مجال الرياضيات فحسب، بل كان المجال الإبداعي حاضرًا في سيرتها الذاتية، حيث تشارك في جميع المحاضرات والندوات والورشات، لتتحدث عن أهمية الرياضيات في حياتنا، وفي فترة كورونا استطاعت عمل تغيير من خلال التطوع في مجموعة بعنوان "خبراء من أجل التعليم".

كما واستطاعت تمثيل دولة فلسطين بالعديد من الندوات العالمية أو الإقليمية، وشاركت سابقًا كخبيرة تربوية ممثلة لقطاع التعليم العالي في فلسطين في ويبينار بتمويل من اليونسكو، استعرضت خلالها التحديات التي يتعرض لها قطاع التعليم، وشاركت في نهاية شهر نوفمبر المنصرم في ورشة حول برامج إعداد المعلمين بدولة تونس، سيتم خلالها استضافة خبراء من الدول العربية.

"أتواصل باستمرار مع الناس الذين يرغبون بالتبرع ودفع زكاء أموالهم للطلبة المحتاجين، وبعد الموافقة أقوم بوصلهم مع الجهات الرسمية بالجامعة ليدفعوا ما تيسر لديهم، فأحاول دائمًا الحصول على دعم للطلبة المحتاجين من خلال تواصلي مع شبكة علاقاتي التي أعرفها".

وكان للمجال الاجتماعي والخيري أيضًا النصيب الوافر من إنجازات هذه السيدة المُلهمة، فمنذ خمس سنوات وهي عضو فعّال في لجنة صندوق العطاء بجامعة بيرزيت، تقول: "أتواصل باستمرار مع الناس الذين يرغبون بالتبرع ودفع زكاة أموالهم للطلبة المحتاجين، وبعد الموافقة أقوم بوصلهم مع الجهات الرسمية بالجامعة ليدفعوا ما تيسر لديهم، فأحاول دائمًا الحصول على دعم للطلبة المحتاجين من خلال تواصلي مع شبكة علاقاتي التي أعرفها".

لم تكن لها أي نشاطات نقابية، لكنها داعمة للعمل النقابي وكانت تُشرف سابقًا في عام 2019 على انتخابات مجلس الطلبة، وتترأس إحدى القاعات التي يتم فيها اقتراع الطلبة. واستمرت بعملها هذا عدة سنوات قبل أن تكون عميدة كلية.


اقرأ أيضًا: د. مرفت الشرباتي: العلم طريق آخر لنصرة فلسطين


حصلت عميدة كلية التربية الدكتورة رفاء الرمحي في عام 2014 على جائزة المُدرس المتميز على مستوى جامعات بيرزيت، وفي العام الذي يليه أصبحت رئيسة قسم دائرة المناهج والتعليم في كلية التربية حتى عام 2017. أما في عام 2020 فكانت مديرة برنامج ماجستير التربية، ومديرة وحدة التطوير الأكاديمي التابعة لمكتب نائب رئيس الشؤون الأكاديمية بجامعات بيرزيت، حتى رست الآن لتستحوذ لقب أستاذ مشارك نتيجة لأبحاثها، وتُشغل منصب عميدة كلية التربية في جامعة بيرزيت.

شاركت في عام 2017 في مؤتمر تربوي بتركيا، وفي العام نفسه شاركت بورشة حول البحوث الإجرائية في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، كما وشاركت أيضَا في عام 2016 بمؤتمر حول التعليم الإلكتروني في جامعة بيرزيت، وبحثت مع القنصلية الفنلندية مخرجات مشروع زيتونة، ينفذ بالشراكة مع جامعات فنلندية، هذا بالإضافة إلى حصولها على العديد من الدورات في مجال التربية.

وبعد هذه الرحلة التعليمية الحافلة، إلى ماذا تطمحين؟ تُجيب: "أن تكون رسالتي المجتمعية والتربوية مميزة، وأن أوديها على أكمل وجه ويكون لدي بصمة لتغيير هذه الأجيال للأفضل، وأن يعم السلام بلادنا ويعيش أطفالنا بهدوء وقد تحررت أراضينا من المحتل الغاصب".