بنفسج

2023: تحرري من منطقة الراحة

الأحد 08 يناير

الزمان مفهوم يكاد يكون عصيًا على الفهم، معقدًا، متسربًا، كساعة رملية تؤطر لما حدث في زمن معين ليس علينا تجاوزه، ومقاييس النجاح فيه ليست معيارية، أحدهم يراها مالًا وآخر راحة بال وأحدهم صحة. إنه مفهوم يتجاوز الفهم إلى الوجود وحقيقته وعلاقته بالله، وبنا في هذه الدنيا؛ فماذا نفعل وما هي غاية وجودنا، ولماذا يصيبنا الشر ونحن في عهدة الله وزمانه.

إن وعينا بماهية الزمن ربما تكون متأخرة أحيانًا، فتدرك أن أمورًا كان عليك إنجازها في العشرينيات ولكنك لم تكن تعيها، مثل علاقاتنا بالأشخاص مثلًا، أو علاقتنا اتجاه أجسادنا وضرورة رعايتها، تدرك متأخرًا أنه كان عليك ممارسة الرياضة والعناية بأسنانك أكثر على سبيل المثال. أو ربما الاعتناء بتربية أبنائك، أو الاتجاه عكس كل ذلك؛ الانفلات من عقلة الوقت، والاستمتاع، أو حتى إدراك وعي المتعة في الانعتاق من كل المسؤوليات، وهذا أمر شاق جدًا ويكاد يكون مستحيلًا للذين اعتادوا على الالتزام بمسؤولياتهم والانضباط فيها. حتى أن محاولة الخروج من وعن دائرتها يكون مرهقًا ومعذبًا، بل ويؤدي إلى التوتر في أحيان كثيرة ويخرج أمرها عن السيطرة!

إن التنازل عن بعض المقاييس أو بعض الصرامة قد يريح أحيانًا، الحياة تمضي، ومعايير النجاح كثيرة، من الجيد أن يختار المرء ما يناسبه فيها! وهذا لا يعني التمسك بدوائر الراحة فيها، فأقول هذه وظيفة سهلة من الجيد التمسك بها. أو راتب هذه الوظيفة ثابت وسأتمسك بها مع أنه غير مجز، لدوافع الراحة والشعور بالأمان فقط.

وكذلك، وعلى أعتاب أعوام جديدة، نتخذ قرارات نتمنى لو نلتزم بها، قد لا تكون ضخمة أو صعبة، ولكنها تحتاج التزامًا، وبها نحقق أمانًا روحيًا، كالالتزام بصلاة الفجر، أو حفظ ورد أسبوعيًا، الالتزام بالاستغفار وأداء الصدقات، ممارسة رياضة المشي أو غيرها من الرياضات، وقراءة كتاب شهريًا، إصلاح العلاقات الاجتماعية وإعادة التواصل ببعض الصداقات القديمة. كل هذه القرارات نتمنى لو نحققها بالتزام، فندرك أن العام قد انقضى ولم نحقق إلا اليسير منها، أو لا شيء!

والسبب في ذلك انشغالات يومية مرهقة تستنزف وقتنا وأرواحنا، وليس السبب الحصري في ذلك تكاسلنا وإهمالنا، ولكنه بالفعل انفلات للزمان من بين أيدينا، ندرك أنها نهاية العام، ونهاية فترة العشرينيات، أو الثلاثينيات، فنقول: أنجزت جامعتي، تزوجت، أنجبت، أحقق نجاحًا في عملي، في تربية أبنائي، وهكذا!

ولكن هذا لا ينطبق بالتأكيد على الشخصيات الأكثر توترًا، أو اللوامين أنفسهم، فهؤلاء لا يفهمون انفلات الوقت، بل يخططون دومًا للحظة الإمساك به وتطويعه للإنجاز، يحاسبون أنفسهم يوميًا، في ماذا قضيت يومي وهل أرضى عنه! وهذه الصرامة تحقق لهم الإنجازات وراحة نفسية لقاءها، ولكن ليس دائمًا! يتحول المرء فيها إلى شخص توتري anxiety person حيال كل ما يقوم به وما لا يقوم به. وهذا ينطبق على جميع الأعمال اليومية كعناق طفلي واللهو معه! تصبح هذه الأفعال العفوية مهمة محسوبة ولها وقت بدء ووقت انتهاء!


اقرأ أيضًا: لماذا عليك تدوين جملة واحدة يوميًا؟


إن التنازل عن بعض المقاييس أو بعض الصرامة قد يريح أحيانًا، الحياة تمضي، ومعايير النجاح كثيرة، من الجيد أن يختار المرء ما يناسبه فيها! وهذا لا يعني التمسك بدوائر الراحة فيها، فأقول هذه وظيفة سهلة من الجيد التمسك بها. أو راتب هذه الوظيفة ثابت وسأتمسك بها مع أنه غير مجز، لدوافع الراحة والشعور بالأمان فقط، وهما شعوران مزيفان، نميل لهما لأننا لا نريد سبر أغوار الحياة والصعوبات فيها، أو مواجهة تحديدات لا بد منها. والحقيقة ذات الأبعاد المغايرة أن الخروج من منطقة الراحة وكسر خوف من تخطي حدودها يأخذنا إلى حقل التجارب الجديدة، وخوض غمار الحياة، وبالتالي تحقيق متعة الانتصار وبلوغ الهدف.

وفي تجاربنا الحياتية نتأكد أن علينا تخطي الحد وأخذ زمام المبادرة، ولكن هناك عدة أمور تساعدنا في المسير نحو حدود الدائرة؛ أولها الخطوة الأولى الصغيرة وهي تشبه خطوة الطفل، متأرجحة غير متوازنة، ولكن لا بأس ستتلوها خطوات ثابتة. وثانيهما مصادقة صاحب مغامرة، لا يهول الأمور، وجريء صاحب مبادرة، يقول لك: وماذا إن جربت، ألا يجب عليك أن تنهض من وراء مكتبك الذي جلست خلفه سنوات، لأن هذا يريحك فحسب!


اقرأ أيضًا: سنابل تروى على مهل: كيف تُبنى العادات؟


لماذا لا تجرب فعل شيء جديد في يومك بدلًا من الجلوس قرب المدفأة يوميًا، شيء يخرجك عن روتينك وإن كان يتعبك، انهض لأن النهايات ستكون مجزية. إن الله هو  الذي خلق الزمان، وهذا الوقت جزء منه، ونحن مسؤولون عنه، وهو يستحق خوض مجالات جديدة، والسفر، وبدء المشاريع، رسم الأفكار، الخروج عن المألوف وتخطي الدائرة والتوقف عن الخوف.

هذه اقتراحات لا تستثي الضحك والمرح والمتعة في أي جزء منها، بل إن خوض التجربة، وعيش المغامرة لا ينفصل عن الاستمتاع. وأمر آخر كذلك، وهو اكتساب الأصداقاء الذي يدفعوننا إلى الأمام بمتعة كبيرة، لا تتخلى عن الأصدقاء المرحين، من يبسطون الأمور ويستثمرون دقائق الحياة، ممن لا يتفاجؤون بنهاية العام، ونهاية عقد من أعمارهم، لأنهم بكل بساطة قد أعدوا لبداية جديدة في كل نهاية.