بنفسج

سنابل تروى على مهل: كيف تُبنى العادات؟

الأربعاء 02 نوفمبر

لا أكون مُبالِغةً لو قلت بأن الإنسان ما هو إلا نِتاج عاداته، وحياته ما هي إلا حصيلة تلك الأفعال المُتكرِّرة والمتراكمة يوميًّا، نجاحك أو فشلك، صحتك أو مرضك، غناك أو فقرك، كل ذلك وأكثر مرهون بعاداتك ووعيك بها ومراقبتك إيّاها. إذًا ما المقصود بالعادات؟ العادات هي مجموعة من الأفعال والسلوكيات المُتكرِّرة، والتي، بسبب تكررها، يصبح الإنسان يقوم بها تلقائيًا دون الحاجة لأخذ قرار بشأنها، ودون أي جهدٍ أو تفكير، وهذا ما يجعل العادات سلاح ذو حدين، فالعادات تكون لصالحنا في حال كانت عادات إيجابية، والعكس صحيح، فهناك الكثير من العادات السلبية تسيطر على الإنسان، ولا يستطيع التغلّب عليها رغم أنها قد تدمّر العديد من جوانب حياته؛ كالجانب الصحي أو المادي أو الاجتماعي.

| مراحل عملية تكون العادات

IMG_20220926_123819_452.jpg
أربع خطوات لصنع عادة جديدة

ولنفهم الموضوع أكثر دعوني أوضح لكم كيف تتكون العادات؟ إن عملية تكون العادات، سواء كانت إيجابية أو سلبية تمر في أربعة مراحل: أولها: الإشارة والرغبة والاستجابة والمكافأة، وسنوضح هذه المراحل عبر المثال الآتي: تشاجر أحدهم مع زوجته، وبدأ يشعر بغضبٍ شديد "شعور الغضب هو الإشارة"، ومع ازدياد الغضب أصبح كل ما يريده هو إشعال سيجارة وتدخينها "وهنا مرحلة الرغبة". وبالفعل يُنهي النقاش مع زوجته ويغادر المكان غاضبًا، ويجلس في البلكونة مشرعًا سيجارته "وهنا حدثت الاستجابة"، بعد ثاني وثالث سيجارة يبدأ يشعر بالراحة –المؤقتة- وهدوء أعصابه نتيجة لسريان النيكوتين في الدم "وهنا تحصل المكافئة".

لكن دعونا نفهم كيف وصل الحال بهذا الشخص إلى إدمان عادة التدخين؟ بإمكاننا اعتبار ما حصل على أنه رابط ذهني بين الحدث واستجابة الإنسان، فمثلًا، يحدث موقف ما في بيئتك المحيطة، أو تُثَار مشاعر ما في داخلك، فتكون استجابتك هي القيام بفعل معيّن نتيجة لذلك الموقف أو تلك المشاعر، وهكذا بتكرار نفس الموقف في الحياة اليومية، وتكرار نفس الاستجابة عليه، ينشأ رابط بين الفعل والموقف، ويتحول هذا الفعل من مجرد سلوك إلى عادة ثابتة يَصعُب التخلص منها. والسؤال الآن كيف نجعل العادات تعمل لصالحنا؟ "أنت تجني ثمار ما تواظب على تكراره"، حكمة آمنت بها ورأيت حقائقها في حياتي، لذلك لكي تكون العادات سببًا في تقدمنا وتحسين حياتنا لا بد لنا من أمرين:

| أولًا: خطوات للتخلص من العادات السلبية

عادة.png
للتخلص من العادات السلبية يجب التدرج في التنفيذ حيث لا يمكنك رميها من النافذة مباشرة تدرج في الخطوات

| الوعي بخطورة العادة وأثرها السلبي: غيّر قناعاتك تتغير أفكارك ومن ثم تتغير أفعالك، لذلك للتخلّص من أي عادة سلبية لديك، لا بد في البداية أن تُقِرَّ بكونها سلبية، ومن ثم ترفع الوعي لديك حول سبب سلبيتها بالبحث والقراءة عن أضرارها وأخطارها، وتأثيرها عليك، والبحث حول تجارب الآخرين مِمَن كانوا ضحايا لهذه العادة وأخذ العبرة منهم.

| تغيير البيئة المحيطة والبُعد عن المحفّزات: إذا كنت تسعى للتخلّص من عادة التدخين، فليس من المنطقي قضاء وقت فراغك مع أصدقائك المدخنين، وإذا كنت تسعى لنزول وزنك والحفاظ على رشاقتك، فمن غير المعقول أن تستمر بالاشتراك بتطبيقات طلب الطعام أونلاين ومتابعة صفحات وعروض المطاعم، ابتعد عن كل من وكل ما يحفّزك للقيام بالعادات التي تريد التخلص منها.

| الصبر والتخلّص منها تدريجيًا: هناك حكمة جميلة تقول: "لا يمكن التخلّص من العادة برميها من النافذة، يجب أن تجعلها تنزل من الدرج خطوة بخطوة". وهذا بالفعل ما عليك فعله، فأنت لن تستطيع الالتزام بنمط حياة صحي من غذاء ورياضة ونوم مبكر. هكذا بين عشيّة وضحاها، الأمر يحتاج منك البدء بخطوات صغيرة والاستمرار عليها ومضاعفتها شيئًا فشيئًا، وهكذا إلى أن تحصل على التغيير المطلوب، وفي عادة التدخين مثلًا، لن تستطيع الإقلاع عنه فور أخذك القرار بذلك، بل لا بد من إنقاص الكمية المُستَهلكة من السجائر تدريجيًا إلى أن تصبح سيجارة واحدة في اليوم، ومن ثم إلى مرحلة الإقلاع والشفاء من الإدمان بشكل نهائي.


اقرأ أيضًا: أول الطريق "خطة".. عن مواسم الهجرة إلى الذات


| البحث عن بدائل: ممّا يساعد على التخلص من عادة سلبية لديك، أن يحلّ محلّها عادة إيجابية، تعطيك نفس الشعور أو نتيجة مقاربة لما تقدمه لك العادة السلبية، فمثلًا بإمكانك استبدال عادة تصفّح الموبايل في السرير قبل النوم ليلًا بقراءة الكتب الخفيفة ذات المحتوى اللطيف، كما بإمكانك بدلًا من تفريغ غضبك بإحراق السجائر أن تفرّغه بممارسة التمارين الرياضية؛ كالجري السريع أو رفع الأثقال مثلًا أو ممارسة اليوجا وتمارين التنفس.

| تقبل لحظات الضعف والإخفاق: قد يحصل لك انتكاسة بلحظة ما فتضعف وتعود إلى عادتك التي نويت التخلص منها، يجب عليك أن تعرف أنه أمر طبيعي ووارد جدًا، كل ما عليك فعله هو الاستمرار بقرارك وتقدمك، وأن لا تجعل هذه الانتكاسة فخًا للعودة لما كنت عليه.

| ثانيًا: خطوات لبناء عادات إيجابية جديدة

عليك معرفة آلية بناء العادات حتى تفهم نفسك ومشاعرك في كل مرحلة، فعندما تحاول الالتزام بعادة جديدة، فإن عقلك سيمر بثلاث مراحل: في البداية ستشعر بمقاومة شديدة وصعوبة بالقيام بهذه العادة والاستمرار عليها.
 
 وفي المرحلة التالية، سيصبح القيام بها أسهل من السابق، لكن لا يزال هناك شيء من الصعوبة وشعور بالمقاومة، ثم أخيرًا، وشيئًا فشيئًا بمرور الأيام، يصبح قيامك بالأمر سهلًا، وتكون العادة قد ترسّخت لديك، وأصبحت سلوكًا تلقائيًا وروتينًا ثابتًا في يومك.


| معرفة الهدف والدافع: ممّا يحفزك على البدء بالعادة، ويشجعك للمحافظة عليها هو أن تعرف لماذا تريد اكتساب هذه العادة؟ وتخيّل الفوائد والثمار التي سوف تجنيها منها، مثلًا أن تصبح لديك ممارسة الرياضة عادة، وما لهذا الأمر من أثر إيجابي على صحتك ورشاقتك ونفسيتك.

| فهم طبيعة بناء العادة: هذه الخطوة مهمة جدًا عليك معرفة آلية بناء العادات حتى تفهم نفسك ومشاعرك في كل مرحلة، فعندما تحاول الالتزام بعادة جديدة، فإن عقلك سيمر بثلاث مراحل: في البداية ستشعر بمقاومة شديدة وصعوبة بالقيام بهذه العادة والاستمرار عليها، وفي المرحلة التالية، سيصبح القيام بها أسهل من السابق، لكن لا يزال هناك شيء من الصعوبة وشعور بالمقاومة، ثم أخيرًا، وشيئًا فشيئًا بمرور الأيام، يصبح قيامك بالأمر سهلًا، وتكون العادة قد ترسّخت لديك، وأصبحت سلوكًا تلقائيًا وروتينًا ثابتًا في يومك.

______.png
تطبيق "ملاحق العادة أو متعقب العادات

| الوضوح والتحديد: لو كنت تنوي بناء عادة القراءة، فلا يكفي أن تقول لنفسك سأبدأ بعادة القراءة من الغد، لا بد أن تحدّد متى وكم وأين وماذا، فتقول: "غدًا قبل النوم سأقرأ عشر صفحات في سريري من كتاب لأنك الله".

| اجعل العادة أمام عينيك: لو كنت تنوي بناء عادة القراءة، فضع الكتاب دائمًا على مكتبك أو في الصالة، وإن كنت تريد اكتساب عادة ممارسة الرياضة، فعلّق ملابسك الرياضية خلف باب غرفتك، أو أبقي الميزان دائمًا بالقرب منك ليذكرك بهدفك في نزول الوزن والحصول على قوام رشيق.

| أدوات تعينك في طريقك لاكتساب عادة أو التخلص منها

ما يجهله الكثيرون مِمَن وقعوا أسرى لعاداتهم السلبية، أو مِمَن تكاسلوا وتراجعوا عن التزامهم بعادة إيجابية، أن العادات السلبية متعتها آنية سريعة زائلة، ومعاناتها مؤجّلة دائمة، والعادات الإيجابية معاناتها آنية زائلة وفائدتها مؤجّلة دائمة.
وعادة التمارين الرياضية معاناتها آنية في صعوبة الالتزام بها، وألم بسيط في العضلات في بدايتها والملل وضعف الإرادة، لكن على المدى البعيد ستحصل على جسم بنيته قوية وقوام رشيق.

| تابع تقدّمك: أهم أسرار الاستمرار على العادة هو شعورك بالنجاح والإنجاز والتمكّن من المداومة عليها، وهذا ما ستحصل عليه باستخدامك لمُتَتبّع العادات سواء مرسوم بشكل يدوي، أو المطبوع، ويكون عبارة عن جدول من ثلاثين خانة بعدد أيام الشهر، وكل يوم تلتزم به بالعادة تلون المربع الخاص به، وكما أنّه هناك العديد من التطبيقات الجميلة يمكن تحميلها على هاتفك مثل: تطبيق "ملاحق العادة أو متعقب العادات Habit 360.

| كافئ نفسك: من منّا لا يُحب الهدية والمكافئة! عند استمرارك على فعل أو ترك عادة ما لمدّة أسبوع، كافئ نفسك على هذا التقدّم بشراء شيء مفضّل بالنسبة لك، أو الخروج في نزهة لمكان جديد مثلًا.

|حول الأمر إلى تحدٍّ: عند محاولتك لبناء عادة جديدة، أو التخلص من عادة قديمة، فإن الأمر يبدو كما وأنه تحدٍّ مع النفس، لكن ماذا لو جعلناه تحدّي مع الآخرين؟ اختر مجموعة ثقة من الأصدقاء الجادين الملتزمين الذين يسعون بصدق للتغيير، وأشركهم معك في تحدي بناء عادة جديدة، وتواصلوا يوميًا للحديث حول الصعوبات التي واجهتكم والتقدم الذي حققتموه.

وفي النهايةـ، فإن ما يجهله الكثيرون مِمَن وقعوا أسرى لعاداتهم السلبية، أو مِمَن تكاسلوا وتراجعوا عن التزامهم بعادة إيجابية، أن العادات السلبية متعتها آنية سريعة زائلة، ومعاناتها مؤجّلة دائمة، والعادات الإيجابية معاناتها آنية زائلة وفائدتها مؤجّلة دائمة. فمثلًا عادة التدخين، المُدخن يشعر بالراحة والهدوء فور تدخينه للسيجارة، وهذه متعة آنية سريعة، لكن وعلى المدى البعيد باستمراره على هذه العادة، سوف يعاني من العديد من الأمراض المزمنة؛ كالسل الرئوي والسرطان وأمراض القلب والسكتات الدماغية.

وعادة التمارين الرياضية معاناتها آنية في صعوبة الالتزام بها، وألم بسيط في العضلات في بدايتها والملل وضعف الإرادة، لكن على المدى البعيد ستحصل على جسم بنيته قوية وقوام رشيق، وتحافظ على صحة القلب والدماغ وتحسين الحالة النفسية والمزاجية. ومن أجمل الحكم التي قرأتها وتلّخص هذا الموضوع أنه: "التخلّص من عادة سيئة يشبه اجتثاث شجرة بلوط قوية من داخلنا، بينما مهمّة بناء عادة حسنة تشبه غرس زهرة رقيقة ورعايتها يومًا تلو الآخر".