بنفسج

عملية تهريب نفسية... فمن يكون المهرب؟

الإثنين 23 يناير

طرق التخلص من الضغوط النفسية
طرق التخلص من الضغوط النفسية

أظنّ أننا كلّنا متفقات على أن الغناء والدندنة تطيب لنا أثناء غسلِ كومٍ مُرعِب من المواعين، أهو مزاج رائق؟ أم أن غسل المواعين هواية مُسلية تمارسها النسوةُ كرياضة لليدين؟ ماذا عن استغراقنا المفاجئ في القهقهة  في ظل الضغوط النفسية التي تحيطنا؟ ماذا عن طرق التخلص من الضغوط النفسية في ظل الواقع الذي نعيشه؟

أنفعل ذلك لأننا مُفتقِرات للحسّ السليم، أو لأن قلوبنا متحجِّرة؟ سأعطيكِ مثالًا آخر، أتذكرين كم مرة سرحتِ أثناء الدراسة أو الامتحان، فتركت ورقة الإجابة والأسئلة المُعقّدة وتخيلتِ لحظة التكريم والتخرج؟ وهل تتذكرين حين كان ذهنك يشطّ تمامًا عن موضوع الامتحان ويرسم لك خيالات عن رحلة إلى جزيرة معزولة ترين نفسك تخيّمين فيها، وتشوين الذرة الصفراء وتتناولينها مع صديقاتك؟

الضغوط النفسية إلي أين؟

طرق التخلص من الضغوط النفسية

 

لا بد لنا من التعريف بمهرِّبنا الأول من اللحظات السلبية أو السيئة، وهو الخيال؛ وهو نشاط عقلي نتخيل من خلاله أفكارًا وصورًا معينة غير موجودة في الواقع، نستطيع بفضله التجول بمرونة في عالمنا الخاص، وفيه تتحد الذكريات والخبرات والصور التي كُوِّنَت سابقًا، وتُوَظَف داخل بنية جديدة.

غريمُك هو خيالك إذن، هو الذي يدغدغكِ عندما تمثلين أمام مديرتك الصارمة التي توبخك على تقصيرك في العمل، فيذكرك بأكثر ذكرياتك طرافةً وإضحاكًا ويُحرِجك، إذ يهرِّبك بهذا الأسلوب من هيئة مديرتك المُتوعدَة بتخفيض الراتب أو حجب الترية، غريمك هو خيالك، رغم أنه لم يشأ سوى حمايتك.

لمَ نفعلُ ذلك؟ هل التقطتِ طرفَ الخيط؟ ليس مزاجًا رائقًا، ولا هواية مسلية، وافتقارًا للحس السليم أو التعاطف، الرابط المشترك بين هذه المواقف هو أنّها كلها من أبسطها حتى أعقدِها وأصعبها تُعتَبر مواقف ضاغطة، وبمصطلح أدقّ نُطلِق عليها: الضغوط النفسية، ونقصد بها؛ تلك المواقف غير المرغوبة التي تشعِر الفردَ بالضيق والعجز والتهديد وعدم القدرة على مواجهتها. حسنًا، مجددًا، ما علاقة تصرفاتنا غير المنطقية واستجاباتنا الغريبة بالضغوط النفسية المذكورة؟

تعالي نبحث في طرق التخلص من الضغوط النفسية، ونُحلّل ردات فعلنا على هذه المواقف، ستجدين أننا في كل حدثٍ منها كنّا نحاول تخفيف وطأة الضغط، أو تحويله إلى موقف نستطيع احتمالَه وإطاقتَه، مُعيننا الرئيس في هذا والمتآمر الرسمي معنا ضد الصعوبات لم يكن سوى خيالنا السارح، الذي جعلَنا نرى كوم المواعين المتراكمة على أنه مُكبِر صوتٍ يدعونا لنغني ونطرَب.

والخيال ذاته هرَّبنا مرة أخرى من الحدث الحزين، فأخرج لنا الضحك من قبعته السحرية حتى خُيِل إلينا أننا نسمع نكتةً وانخرطنا في القهقهة، هذا المُهرِّب الوفي ذاته يُلهينا عن الأحداث الجادّة، كالدراسة وضغوطها، يسلينا وقت الامتحان، ولعله المسؤول الأول عن إجاباتنا الخارجةِ عن المنهاج المُفاجِِئة للمصححين والدّافعة إياهم ليتساءلوا: من أين أتيتم بالإجابة الفلانية؟ أهذا ما تعلمتوه خلال الدروس؟


اقرأ أيضًا: تفريغ الضغط النفسي: من يطرق باب الخزان؟


أيعقل لحظتها أن نجيبهم بأننا أبرياء وأننا كنا نتعرض لعملية تهريبٍ نفسية؟ أجل، تهريب، ما زال قول أحد أساتذتي في الجامعة يَحضُرني وهو يؤكد: "لا بد للدماغ أن يجدَ مهربًا ليفرِغَ الضغط"، فذهننا يهرب بنا، ونفسياتنا تحمينا عبر ابتكار مواقف مُتخيَّلة من شأنها التسرية عنا، وأحيانًا فصلنا عن واقعنا الحالي.

لذا لا بد لنا من التعريف بمهرِّبنا الأول من اللحظات السلبية أو السيئة، وهو الخيال؛ وهو نشاط عقلي نتخيل من خلاله أفكارًا وصورًا معينة غير موجودة في الواقع، نستطيع بفضله التجول بمرونة في عالمنا الخاص، وفيه تتحد الذكريات والخبرات والصور التي كُوِّنَت سابقًا، وتُوَظَف داخل بنية جديدة.

غريمُك هو خيالك إذن، هو الذي يدغدغكِ عندما تمثلين أمام مديرتك الصارمة التي توبخك على تقصيرك في العمل، فيذكرك بأكثر ذكرياتك طرافةً وإضحاكًا ويُحرِجك، إذ يهرِّبك بهذا الأسلوب من هيئة مديرتك المُتوعدَة بتخفيض الراتب أو حجب التريقة، غريمك هو خيالك، رغم أنه لم يشأ سوى حمايتك، بنيّة حسنة يأخذ بيدكِ، ويجري بك مهرِبًا إياكِ من حريق، حريق لا نيران فيه، إنما يشتعل داخلك بفعلٍ ضغطٍ تظنين أنك أصغر من حلّه وأقلّ قدرةً على تبسيطه.

طرق التخلص من الضغوط النفسية: الهروب عبر الخيال

طرق التخلص من الضغوط النفسية
الخيال يكون سلبيًا عندما يدفعك للتملص من واجباتك وإيجابيًا حين يقربك من الهدف

مقولة عاطف نصر: "يبقى الخيال تحقُقًا لحرية الإنسان، وإرادته وحوارًا خلّاقًا بين العالم والإنسان عندما ينفخ من روحه في الأشياء". ولكي لا نبخسَ الخيال حقَه فليس كل ما يفعله هو إحراجك، لكنه أيضًا وأثناء الهروب بك إلى عوالمَ جميلة حالمة، يولّد لديكِ أفكارًا مُبتكَرة يمكنكِ مصالحة مديرتك الصارمة بها، وتصحيح موقفك المُحرِج السابق بمشاريع إبداعية تفيد عملك لم تكن لتولد بدون الخيال. وبناءً على المثالين المتناقضين السابقين سينفيدنا أن نُلخِصهما ونكثفهما موضحين:

| إيجابيات الخيال وسلبياته: كما لمستِ بنفسك، يكون الخيال إيجابيًا عندما يقرِبك من الهدف، ويساعدك على حل المشكلة عبرَ آفاقه غير المحدودة والقادرة على إلهامك. ويكون الخيال سلبيًا عندما يدفعكِ للتملص من واجباتك، ويرفع حاجزًا بينك وبين هدفكِ ويكثِر تهريبَك من المواقف التي لا بد من مواجهتها للوصول إلى النضج.

وهنا قد يُثار في ذهنك سؤال: هل نهرب من ضغوطنا النفسية عبر الخيال فقط؟ هل ينفع دومًا؟ ها هو يحرجنا أحيانًا، فهل يمكننا التعاقد مع مُهرِب آخر؟ الخيال أو التخيل ينتمي في الحقيقة إلى قائمة أكبر منه، تحتوي خيارات عدة بوسعها حمايتنا من المصاعب والضغوط والمشكلات، وإليك لمحة بسيطة عنها:

| الآليات الدفاعية: وهي إجراءات لا إرادية، يلجأ إليه الفرد لحماية نفسه من شعور مرتبط بموقف كريه ووظيفتها حماية الذات. أي إن نفسياتنا متعاقدة بالفعل مع ثلة مهربين، لا مهرب واحد فقط!

لماذا نلجأ للآليات الدفاعية؟

طرق التخلص من الضغوط النفسية
من الأفضل كي نصل إلى تكيف إيجابي أن نواجه الأمور بشكل مباشر، وبسبب تعذِر ذلك أحيانًا، فلا بأس من اللجوء لبعض الآليات الدفاعية سابقة الذكر، لا بأس، أو ربما لا بد، لكن المهم ألّأ نعتمد عليها اعتمادًا كليًا وألا نسرِف في الانغماس فيها، علمًا أنها ليست بذات الدرجة من الإيجابية أو السلبية، فالكبت ضار والتسامي غالبًا محمود وإيجابي.
 
وبالمحصلة، قد يكون أحد هؤلاء المهربين مُفضَلًا لديك دون الآخر، ولكل منا انتقاءاته (وقد لا تكون انتقاءات مدروسة)، حسب بيئته وشخصيته وحسب طبيعة وشدة الظرف الضاغط الذي تعرض له.

النفس تكره الضغط، تتجنب الموقفَ الصعب، تتحاشى الألم، ولذا وُجدت طرق التخلص من الضغوط النفسية والآليات الدفاعية، حماية لأنفسنا وهروبًا من الضغوط أو المواقف التي تضعنا في بيئة مُهدِدة، فهؤلاء المهربون جميعهم موظفون في خدمة نفسياتنا وتجميل البشاعة في عينيها، ونفيِ السوء، وتأميلها بالخيرن والفوز، وتخطي الشرور بسلام. ومن هذه الآليات الدفاعية على سبيل المثال (إضافة للخيال/التخيل).

| الإنكار: ويعني التغاضي أو التجاهل لموقف التهديد الذي يواجه الشخص ومحاولة التعامل معه على أنه غير مُهدِد. ومثال ذلك أن ينكِر الفقيرُ فقرَه أو يتصرف المريض الموشك على الموت، وكأنه بخير وينهض لممارسة نشاطات بدنية في محاولة منه لغضّ الطرف عن حقيقة صحته المتدهورة.

| التبرير: هو تفسير السلوك الخاطئ بأساليب منطقية معقولة؛ فالظالم يجد مبررات ومسوغات لظلم الآخرين، وربما يقنِع البعض بمشروعية فعلته عبر لسان معسول أو مفوَه يجيد حِرفةَ جعل الحق في صفه.


اقرأ أيضًا: عندما يجعلكِ الخريف حزينة: خمسة طرق مثبتة للتغلب على الاكتئاب الموسمي


| الكبت: منع ظهور العواطف والأفكار، فلا تظهر إلا بصورة رمزية في الأحلام، ويحدث عندما نكبت رغبة خاطئة غير مرغوبة اجتماعيًا أو أخلاقيًا.

| الإسقاط: وسيلة دفاعية تحمي الفرد من ألم الاعتراف بعيوبه بحيث يسقِط أخطاءه على الآخرين، ويعتبر أن فردًا آخر غيره يقوم بالأخطاء والعيوب؛ فيعتبِر الخائن أن كل الناس خائنون ويتهم المقصر غيره بالتقصير ليتلافى الاعتراف بأنه متقاعس.

| النكوص: وفيه يعود الفرد إلى مرحلة عمرية سابقة لمرحلته العمرية الفعلية؛ فنرى مُسنّة تتصرف وكأنها صبية، أو رجلًا يأتي يحاكي أفعال الأطفال وسلوكياتهم.

الضغوط النفسية
حافظي على صحتك النفسية ومشاعرك حولي ضعفك إلى قوة باكتشاف نقاط القوة الكامنة ومارسي تمارين التأمل بكثرة

| التسامي: يعيد الفردُ صياغة دوافعه ومشاعره الخطرة أو الضارة، ويحولها إلى نشاطات وفعاليات مقبولة من البيئة المحيطة به، بحيث لا يؤذي بها فردًا آخر.

وفي هذه الآلية يظهر الإبداع وتتفجّر الطاقات الكامنة لتظهر على هيئة مواهب خلّاقة، ومن أمثلته الشائعة أن يحوِّل الشخص العنيف طاقته البدنية إلى احترافٍ لرياضةٍ ما، أو ينتصر المحزون على معاناته بتوثيقها في نتاج إبداعي كالأدب أو الفن. ربما ما كنا لننجو لولا جهود مهربينا الأوفياء، فهل تُعَد جهودهم حسنةً دومًا؟


اقرأ أيضًا: كآبة أم اكتئاب: مستويات للاضطرابات المزاجية


من الأفضل كي نصل إلى تكيف إيجابي أن نواجه الأمور بشكل مباشر، وبسبب تعذِر ذلك أحيانًا، فلا بأس من اللجوء لبعض الآليات الدفاعية سابقة الذكر، لا بأس، أو ربما لا بد، لكن المهم ألّأ نعتمد عليها اعتمادًا كليًا وألا نسرِف في الانغماس فيها، علمًا أنها ليست بذات الدرجة من الإيجابية أو السلبية، فالكبت ضار والتسامي غالبًا محمود وإيجابي.

وبالمحصلة، قد يكون أحد هؤلاء المهربين مُفضَلًا لديك دون الآخر، ولكل منا انتقاءاته (وقد لا تكون انتقاءات مدروسة)، حسب بيئته وشخصيته وحسب طبيعة وشدة الظرف الضاغط الذي تعرض له.

راقبي نفسك، بأيّ هذه الوسائل تحتمين من الضغوط النفسية؟ اقرأي عن طرق التخلص من الضغوط النفسية وطبقيها؟ وهل يُحرِجك خيالك كثيرًا؟ أم أنه يتمتع بالذوق ويصطحبك سرًا إلى جزيرتكما المعزولة الخاصة بكما دون لفت نظر أحد؟ إن كان لك خيال كهذا فأنت محظوظة ولا شكّ، لكن انتبهي، لا تخطئي بكتابة اسم جزيرتك المعزولة بدلًا من اسمك على ورقة الامتحان، أو في سيرتك الذاتية عند التقدُم لعمل!