بنفسج

كفراشة مثقلة.. كي لا تفقدي شغفك

الخميس 16 فبراير

قيامك في الصباح وأنت متلهفة ومستمتعة بصباحك، وكأنك فيك كل طاقة الصباح، هو ذلك الشغف، الاستمتاع بيومك، شغفك بتحضير فنجان القهوة الصباحية، شغفك بوظيفتك وبالحديث مع أطفالك، الخروج مع صديقاتك، شغفك بالإبداع والإنتاجية، كلها محفزات تدفعنا للاستيقاظ نشيطين بكامل حيويتنا وطاقتنا، وتجعل أيامنا مميزة.

عندما يذوي هذا الشغف وينصهر تحت نيران الضغوطات، وتسارع الأوقات وازدحامها، تصبح الأيام متشابهة ويصبح النوم أفضل ملاذ للهروب من نفاذ بطارية الشغف، ترى لماذا نودع شغفنا؟ عندما يزدحم يومك بالضغوطات الاقتصادية أو الصحية أو المعنوية. ويصبح قيامك بالأشياء روتينيًا، وتضيع المحفزات ولا يوجد من يشاركك شغفك ولا يوجد تنافسية، تنخرط المرأة في تلك الضغوطات، أضف إلى ذلك ضغوطات الوظيفة وتربية الأبناء وأعباء المنزل.

وأحيانًا يرتبط الشغف بالوظيفة أو الحالة الاجتماعية، فيصبح مصدرًا للرزق مثلاً، فنعتاده للدرجة التي يفقد فيها قيمته. بما يدره عليك من الأموال، أو الوضع الاجتماعي والمنصب، ذات يوم كنت شغوفة بقراءة كتب التاريخ والسياسة، وربط ذلك بتقدمي العلمي والثقافي؛ فجلب لي المشاكل أكثر من راحة البال، فابتعدت كل البعد عن تلك الكتب، ولكن بعد فترة من الانقطاع عدت لقراءتها وربطها بالمتعة والشغف والثقافة الشخصية، فكان لها أثر  إيجابي كبير على حياتي.

تقول إحدى الصديقات، كانت عندي هواية الرسم، ولكن غياب الحافز والاستهانة بالموهبة وضغوطات الحياة جعلتني أفقد الموهبة، أما عن صديقة أخرى ارتبط شغفها بالطبخ بما يدره عليها من دخل، فأصبح وظيفة تشكل مصدر رزق، تقول: "لم أعد أمارسه من باب الشغف وإنما كوظيفة مجبرة عليها".


اقرأ أيضًا: كيف يجعلنا اللطف أكثر سعادة؟


كانت تعلمنا معلمة لغة عربية وأنا في الثانوي، وكانت دائمًا تسألني إلى أي مدى ستستمرين في الكتابة، فأخبرتني أنها كانت تكتب قبل الزواج، لكن بعد ذلك قوبلت موهبتها بالسخرية، فخبأت أوراقها ومزقت كثيرًا منها. خذ مثلًا قيادتك للسيارة، فإذا كنت محبًا للقيادة، ستحرص على ممارستها بشكل يومي، وربما أكثر من ذلك خلال اليوم، ولكن إن كان الموضوع عاديًا، فلن يكون ذلك بالأمر الممتع.

عندما أسأل أحدًا عن موهبته وشغفه، يتوضح أن الكثيرين لا يعرفون ذلك، وبالنسبة للمرأة تحديدًا تتنفس بعمق وإجابة المعظم: "من أين لي بالوقت؟". تنظيم الوقت سيترك لنا ساعة أو أكثر للإبداع، هناك عامل آخر في ظل انتشار وسائل التواصل الاجتماعي وتقييم المواهب بمدى اكتساحها لهذه المواقع، وما تدره من أموال نتيجة هذا الانتشار، لذلك نجد أن المواهب الحقيقية نادرة، وقد تكون نادرة الانتشار وضعيفة التقييم، أما السخافات والمشاهد التي لا تمت للمواهب والشغف بصلة منتشرة كالنار في الهشيم، فأصبح صاحب الموهبة يتردد قبل نشر هوايته.

 وقد ينعكس ذلك سلبًا عليه عندما ينشر، ولا يجد من يدعمه، أو يجد كل شيء يقيم بالمال والانتشار الواسع، والمرأة أصبحت حتى تشتهر موهبتها وشغفها في كثير من الأحيان تدخل في خصوصيات حياتها، وتتصرف البعض من النساء كسلعة تسوق نفسها بطريقة مبتذلة لتحصل على أكبر دعم وأكبر عدد من المتابعين، ماذا تفعلين وأنت التي تبحثين عن داعم لموهبتك بطريقة تناسبك؟

كوني على ثقة أن التميز أولًا، يجب أن تكتشفيه بنفسك أولًا، ثم معارفك الحقيقين، وليس على مواقع التواصل الاجتماعي عند أشخاص قد تختلف ثقافاتهم ومرجعياتهم عنك، إذًا ضعي لنفسك معيارًا هو رضاك عن نفسك أولًا، ورضا وإعجاب من يعنون لك بالفعل فهم الداعم الأول والأخير لك، إذا قررت إظهار موهبتك للعلن، فعليك الاطلاع كثيرًا وتعلم الأساليب المناسبة، وأن تكوني قوية واثقة من نفسك، تستطعين   تقبل مختلف الآراء، وتحسنين التصرف في حال التعرض للإساءة، والصبر ثم الصبر، فقد تأخذين وقتك الكامل حتى تصلين إلى هدفك، في حال كنتي شغوفة بشيء وتسعين للوصول من ورائه لهدف ما.


اقرأ أيضًا: نظرة عن قرب: كيف تبدو حياتنا نحن الكبار؟


أعرف سيدات لديهن هوايات يكتفين بهن في بيوتهن بعيدًا عن العالم الافتراض، ولا نسمع بإنجازاتهن إلا إذا تعرفت إليها شخصيًا، أو من خلال تعاملاتها؛ فالجارة (أ.م) قارئة من الطراز الرفيع وكاتبة موهوبة، ولا تملك أي حساب على مواقع التواصل الاجتماعي، ولكنها تمارس شغفها من خلال الدورات والمناسبات الاجتماعية التي تشترك بها، وبنظرها أن هذا هو الواقع الذي تعبر به عن معرفتها وسعة اطلاعها.

 وهناك من ترسم وتقتصر رسوماتها على منزلها ومنازل معارفها، ترسم أجمل اللوحات، ولكن لا تسعى للنشر والشهرة، وبالنسبة لها هي هواية تفرغ بها طاقاتها وتزين بيتها وبيوت من تحب ويقدرون موهبتها، ومنهن من تحيك الملابس وتطرز، ولا أحد يعرف عنهن شيئًا، ومنهن من يتخذنها وسيلة للرزق وما إلى ذلك.

المهم من ذلك كله أن تكون المرأة راضية عن نفسها تشعر بتميزها، وبما حباها الله من موهبة تترك أثرها الخاص، أن يكون شغفها هو فترة استراحة المحارب خلال يومها من الضغوطات ورتابة الأيام وروتينها، فبغير الشغف لن نعبر عما يختلج صدورنا من مشاعر وتراكمات، اتركي لنفسك مساحتك الخاصة.


اقرأ أيضًا: صنائع المعروف: صوتك الذي لن يندثر


عندما نفقد شغفنا علينا معرفة ذلك، ومن ثم البحث عن أسباب تجعلنا نستعيده، فهو الطاقة التي توقظنا في الصباح بسعادة، وهو فوهة بركان يثور كلما امتلأ في صدورنا ليشع بالنور، ولا تبرري لنفسك الضغوطات، فهناك من شغفهن بمواهبهن وحياتهن ساهم في تخفيف وتلطيف أثر الحروب والمجاعات، وساهم في إيصال أصواتهن لأبعد مدى شغفك هو صوتك الداخلي الذي يصنع أثرك، فلا تتركيه ضائعًا لا يعرف طريقه.