بنفسج

"لو لم أكن هناك": حكاية شعب بريشة مجدل نتيل

الخميس 11 يونيو

"يكفي أن تجتهد وتعمل بصدق، ليأتيك كل شيء لاحقًا"، هذا شعارها في الحياة، ونصيحتها لكل الراغبين في الدخول إلى عالم الفن. تعتبر الألوان وسيلة فقط، ولا تفضل أي لون في لوحاتها. كبرت عمرًا بمرور كل معرض فني لها، فكل معرض أعطاها ما لم تعطه لها الحياة. أمسكت قلمها في عمر مبكرة وبدأت بشق خطوط عشوائية هنا وهناك فما كانت هذه "الخربشات" إلا ولادة لرسامة طفلة اسمها مجدل نتيل.

 ملهمها الأول

مجدل نتيل، خريجة قسم الفنون الجميلة من جامعة الأقصى لغزة، لم تحتر كثيرًا في اختيار تخصصها الجامعي، كونها أرادت أن تدمج بين هوايتها ودراستها، فوالدها بالأصل رسّام موهوب، استطاع بسهولة أن يفهم أن الخطوط التي تصنعها طفلته على كل ورقة تقابلها ما كانت إلا فنًا.
 
بدايتها الفعلية بالدخول لعالم الفن التشكيلي كانت بعد التحاقها بالجامعة، حيث شاركت في عدد من المعارض الفنية وعرضت أولى لوحاتها بعد العدوان "الإسرائيلي" على غزة عام 2008.

مجدل، خريجة قسم الفنون الجميلة من جامعة الأقصى لغزة، لم تحتر كثيرًا في اختيار تخصصها الجامعي، كونها أرادت أن تدمج بين هوايتها ودراستها، تقول: "بدأت الرسم وأنا صغيرة جدًا، لا أتذكر ماذا رسمت لأول مرة، ولكن كلما مر الزمن عليّ، أرسم بوعي أكبر وعن دراية وعلم".

ألا يقولون "هذا الشبل من ذاك الأسد"، انطبق هذا المثل على مجدل بحذافيره، فوالدها بالأصل رسّام موهوب، استطاع بسهولة أن يفهم أن الخطوط التي تصنعها طفلته على كل ورقة تقابلها ما كانت إلا فنًا.مجدل أطلق عليها ملهمها وفنانها الأول، اسمها نسبة إلى مدينة المجدل المحتلة التي هُجّر منها في 1948، لعل طفلته الصغيرة ترسم له المجدل يومًا ما عن قرب.

غ40.png
لوحات فنية بريشة مجدل نتيل

تقول لـ "بنفسج": " بدايتي الفعلية بالدخول لعالم الفن التشكيلي كانت بعد التحاقي بالجامعة، حيث شاركت في عدد من المعارض الفنية وعرضت أولى لوحاتي بعد العدوان "الإسرائيلي" على غزة عام2008".

في مساحات الفراغ البيضاء على لوحاتها نقشت خطوط الموت والدمار والدموع، لتعبر عن حكاية شعب في بضعة لوحات فنية. ضيفة بنفسج ترسم على القماش بالإكريلك غالبًا، ولكنها ليست من أولئك الذين يقتصرون على خامة أو مادة معينة عند الرسم تحب تجربة كل الأدوات، تقول: "الألوان والأدوات وسيلة فقط يكفي أن تعطي الإحساس المرغوب، لذلك لا أفضل خامة على أخرى".

فنانو غزة لهم وضعهم الخاص، فهم يعملون في أقل الإمكانات دائمًا، ولكن مجدل تحاول التغلب على كل التحديات. تذكر أنها أثناء تحضيرها لوحة "لو لم أكن هناك" بعد العدوان "الإسرائيلي" على غزة كانت تعمل على الشمع، وبالرغم من الإرهاق إلا أن النتيجة كانت مرضية.

  لو لم أكن هناك

20190626_070528.png
لوحة مجدل "لو لم أكن هناك"

"لو لم أكن هناك"، نقطة تحول في حياة مجدل الفنانة، كما نفذ المعرض بعد العدوان الإسرائيلي على غزة عام 2014، تقول: " هو عبارة عن لوحة تشمل 400 رسمة بأقلام الشمع التي يستخدمها الأطفال، كُتب على كل قصاصة في اللوحة أحلام وأماني الأطفال التي قضى العدوان عليها".

نفذّت اللوحة على ورق الإسمنت، وتلونت بألوان الأطفال، تشرح مجدل لبنفسج سبب اختيارها للإسمنت تحديدًا، " الإسمنت مادة للإعمار، وسُيبنى بها ما هُدم من منازل، لكن من سيُبني من جديد ما هُدم في قلوب الأطفال؟!"."لو لم أكن هناك" افتراضات وضعتها مجدل على لسان الأطفال مثلًا "لو لم أكن هناك كانت أمي ستجدل لي شعري، أو سألعب بالكرة مع أخي"، كلها أحلام أبسط من البساطة لكن الاحتلال دمرها بغارة جوية دمر فيها ما بقي من أحلامهم.

عُرض "لو لم أكن هناك" أمام مجلس النواب البريطاني ليوصل آمال أطفال غزة، حيث حاولت مجدل مرارًا إيصال أعمالها خارج البلاد، ولكن في كل مرة كان الاحتلال يمنع خروجها من داخل أسوار غزة، إلى أن تطوع الصحفي البريطاني جون سنو بأخذ عمل "لو لم أكن هناك" في حقيبته الشخصية بالتهريب.

الصحفي سنو أجرى مقابلة صحفية مع مجدل، وبعدها تطوع لنقل عدد من لوحاتها معه إلى لندن لعرضها في معرض "غزة في غزة"، وبذلك تم عرض اللوحات لوحدها بدون صاحبتها نظرًا لعدم تمكنها من السفر بسبب تضييق الخناق "الإسرائيلي" على فنانين غزة.

في غزة تم عرض "لو لم أكن هناك" بميناء الصيادين، تضيف "من بين عدة اختيارات، انتهى بي المطاف إلى الميناء، لعل أمواج البحر تجرف رسالة أطفالنا للعالم".الفنانة التشكيلية لها عدة مشاركات فنية في عدة معارض، ولكن أبرز معارضها الخاصة، معرض ملح الذاكرة عام2011، وأثر الضوء والزجاج عام 2014. تنوعت مجدل في لوحاتها، فعبّرت عن الوطن والمرأة الفلسطينية والطفل والأسرى.

عائلة فنية

أما عن طقوسها المعتادة عند البدء برسم لوحة معينة، تنوه إلى أنه يكفي أن تكون جاهزة للرسم فقط لتبدأ بالغوص في لوحاتها على أنغام الموسيقى الهادئة وسكون الليل.لا يوجد لمجدل فنان تتأثر به، ولكنها تتابع جميع الفنانين وتقتدي بالكثير، وتستفيد منهم مع الحفاظ على خصوصية تجربتها والاختلاف، تقول " من الممكن أن أختلف مع أحد الفنانين بالجانب الشخصي لكن في فنه لا اختلاف أحكم عليه مما أرى من لوحاته".

يسعدها دعم أصدقاءها لها، فصديقات المدرسة يذكرونها دومًا بأنها كانت رسامة موهوبة منذ الطفولة، وتذكر جيدًا حين كان يطلبن منها رسمهن، لم تكن المدرسة بالنسبة لها للدراسة فقط بل لممارسة شغفها الأبدي.عائلة مجدل تستحق لقب "العائلة الفنية" بجدارة، فزوجها فنان بصري يشاركها مرسمها الخاص في بيتهم، إضافة إلى طفلتيها المغرمتين بالألوان والرسم.

تخصص ضيفة بنفسج لطفلتيها زاوية في غرفتهن للرسم، يوجد بها كل الأدوات المطلوبة، تشير إلى أن ابنتيها لديهن الموهبة، ولكن ستترك لهن الخيار حين يكبرن إن أردن أن يسلكن نفس طريقها أو لا.

ترى مجدل أن كل طفل رسام بالفطرة مع قليل من الموهبة، إضافة للتدريب المكثف، يمكن أن يصبح له شأن في عالم الفن. تقول مجدل، لكل فنان جديد في عالم الفن التشكيلي: "عبّر عن نفسك جيدًا وأبدع بأفكارك، كن أنت".لا يهمها أين تكون مستقبًلا، ولكن ما يعنيها أن تستمر بالعمل بنفس الوتيرة لتنجح، وتأمل أن تكمل دارستها العليا في الفنون الجميلة.