بنفسج

مروة أوغلو.. أول مهندسة طيران فلسطينية الأصل

الخميس 11 يونيو

بروح طفلة لم تتجاوز العاشرة من عمرها تقف وقلبها يقفز حماسًا وفرحًا في حفل تخرجها، بروب التخرج الذي يكسوه الأزرق وبالقبعة التي تخفي قليلًا من شعرها المتناثر، تطير كفراشة يدق قلبها بقوة وتوزع الضحكات على الحضور لتلتقط الصور التذكارية مع عائلتها وأصدقائها، بكت في أحضان والدها في هذا اليوم كأنها لم تبكِ من قبل، دموع فرحتها غلبتها ودموع فخر أبيها بابنته الكبرى المدللة غلبته.

مروة أوغلو أول مهندسة طيران فلسطينية تخرجت من جامعة المؤسسة التركية للطيران في أنقرة، يغريها منظر الطائرات التي تجوب في سماء الله بين الغيوم، اختارت الهندسة عن اقتناع تام وشغف وحب. مروة تحب اقتناء مجسمات الزينة على شكل طائرة وتزين غرفتها بها، ولكن أخيها الأصغر منافسها الدائم في حب الطائرات والذي يطمح أن يطير بين الغيوم الملبدة ليرى السماء عن قرب، يخطف كل ما تراه عيناه في غرفة شقيقته من طائرات بحجم اليد، لتفاجأ مروة كل مرة بفعلته وتبدأ المشاكسة.

   | لغة عربية ركيكة

غ43.png

المهندسة فلسطينية المولد لم تستقر في طفولتها في دولة واحدة، تنقلت بين تركيا وفلسطين مما أسهم في ضعف لغتها العربية، تقول لنا بلغة عربية ركيكة، "لقد تسبب تنقلي المتواصل بين غزة وتركيا في عدم إجادتي للغة العربية بشكل كامل، لم أستطع تعلم أكثر من لغة في ذات الوقت، كنت طفلة صغيرة جدًا وقتها، كنت آتي إلى فلسطين فأبدأ بتعلم الحروف العربية ثم بعد فترة وجيزة أنتقل للعيش بتركيا فأنسى ما تعلمت".

والدة مروة، تركية الأصل، كانت حلقة الوصل بيني وبين مروة لتترجم لها بعضًا من أسئلتي التي يصعب على مروة فهمها، في حديثنا الذي كانت تستخدم فيه مهندستنا بعض الكلمات التركية حين تعجز عن التعبير بالعربية تحدثت لنا عن الفجوة التي حدثت في بداية دراستها بالمدارس التركية.

مروة التي تتقن الإنجليزية تضيف، "كثيرًا ما كنت أتعرض للتوبيخ من المدرسين حين يسأل أحدهم سؤالًا باللغة التركية فلا أستطيع فهم ما يقولون، ولا أجيب، فكنت في كل مرة أشعر بالرهبة حين يأتيني سؤال مفاجئ بلغة لا أفهمها".

بالرغم من كل ما حدث لمروة الطفلة من صعوبات دراسية وتوبيخ من المدرسين، وعدم قدرة على الاندماج في المجتمع التركي في البداية، إلا أنها بعد كل ما مرت به استطاعت بدعم العائلة تخطي كل الصعاب، وتلقت تعليمها باللغة الإنجليزية فتمكنت من اجتياز الجامعة بنجاح والتخرج منها كأول مهندسة طيران فلسطينية.

ندوب القلب

 

 

 
 "لم أنس أبدًا هذه الحرب، أذكر حين كانت والدتي تضع فوقي أنا وأخي الأصغر الكثير من الأغطية لعلها تحمينا، والخوف يسيطر عليها وعلينا، وبعد بداية الحرب بقليل تواصلت والدتي مع وزارة الخارجية التركية كونها مواطنة تركية، ليتم إخراجنا من غزة بأمان، وبالفعل عدنا إلى تركيا من جديد، وكانت تلك آخر زيارة لغزة".


اللحظات المريرة والموجعة لا تُنسى أبدًا، تظل عالقة في القلب مهما تخطينا من سنوات تبقى الذكرى تراودك، لا تنسى شعور الخوف الذي غزا قلبك حينها، الأصوات والرائحة والصور التي تحفظها الذاكرة، كله يظل عالقًا بك حتى وإن حاولت أن تتخطاه؛  فحين حصل العدوان "الإسرائيلي" على غزة عام 2008 كانت مروة ابنة الثامنة في زيارة عائلية لعائلة والدها. تقول: "لم أنس أبدًا هذه الحرب، أذكر حين كانت والدتي تضع فوقي أنا وأخي الأصغر الكثير من الأغطية لعلها تحمينا، والخوف يسيطر عليها وعلينا، وبعد بداية الحرب بقليل تواصلت والدتي مع وزارة الخارجية التركية كونها مواطنة تركية، ليتم إخراجنا من غزة بأمان، وبالفعل عدنا إلى تركيا من جديد، وكانت تلك آخر زيارة لغزة".

نعم، غادرت مروة وأخوها الأصغر من البلاد بعد لحظات مروعة، لكن ظل تأثير ما بعد الصدمة يحيط بهم، فحين سمعوا صوت الطائرات لأول مرة في تركيا، انتفض الصغار وهبطت قلوبهم، تقول مروة لـ "بنفسج": "أنا وأخي الصغير فجأة سمعنا صوت الطائرات بصوت عالٍ جدًا، فقال لي عبد الله لقد جاء اليهود هيا لنختبئ، فاختبأنا تحت سيارة وعيوننا مغلقة من شدة خوفنا، وعلى الرغم من محاولات جدتنا إقناعنا أن هذا عيد للأطفال والطائرات تحلق هكذا، لتدب البهجة في قلوب الصغار، لم نقتنع ولم نخرج من مكان الاختباء حتى جاءت والدتي وأخرجتنا".

حلمها كان طب الأسنان، لكنها أصبحت تخاف الدم، ولكنها اختارت الطائرات على الرغم من حادثة طفولتها تلك، لم تختر مروة وحدها أن تدخل عالم الطائرات، كان أخوها الأصغر عبدالله يشاركها هذا الشغف، فقرر أن يدرس الطيران بالتزامن مع دراسته للحقوق.

تعرفت على الطائرات عن قرب خلال فترة دراستها، نظرت لكل جزء فيها بشغف، تلاشى خوفها من أزيز الطائرات، لمست الأجنحة والمحرك والعجلات والقلاب والذيل، تفحصت جيدًا كل شيء، وأضحت الطائرة مسكنها وملجأها.

 | حب العائلة

y5.png

جيشها وقوتها وأملها يكمن في العائلة، تقدس عائلتها       للغاية، والدتها لم تنفك يومًا عن دعمها، كلما ترنحت في  الدنيا سندتها، تذكر يوم أن قالت لوالدها أثناء دراستها الجامعية: "لا أستطيع المواصلة"، دعمها بكل ما أوتي من حبٍ فواصلت لأجله ولأجل أن يفتخر بها بين الناس، ويقول "هذه ابنتي"، يكفيها أن ترى نظرات الفخر في عيون عائلتها لتحارب في معترك الحياة.

  حين سألتها هل تعرف الأكلات الفلسطينية؟ ضحكت بخفة وأجابت كأنها قضت عمرها كلها في المطابخ   الفلسطينية تطهو الأكلة الفلسطينية المعروفة "المقلوبة"،    تقول "والدتي مع أنها تركية إلا أنها تعرف جيدًا أن تطهو كل الأكلات الفلسطينية كالمقلوبة والفلافل، تطهوا بشكل يشعرك أنها من أصول فلسطينية فعلًا، كما أن والدي لديه مطعم في اسطنبول اسمه "غزة فلافل".

الفلسطينية التركية لا حدود لطموحها وتنوي خوض المزيد من التجارب في الحقل الدراسي وسط علم الطيران من جديد، حيث تأمل أن تكمل الماجستير قريبًا، وأن تصبح ناشطة لها وزنها  في مجال حقوق الإنسان والحيوان، لتترك بصمة لها في الحياة بمد يد العون لكل المحتاجين على هذه الأرض.