بنفسج

كثير من التشابه.. قليل من الاختلاف

الأحد 14 يونيو

يخبرني زميلي جايكوب الذي تحدثت عنه في مدونة سابقة، الشاب الضخم ذو القلب الطيب كالأطفال، بالكثير من القصص في أوقات الانتظار ما بين التفاعلات التي نبدأها في المختبر.

الأسبوع الماضي، أخبرني بقصة لها علاقة بعلاج أحد معارفه من إدمان الكحول، وكيف تاب وعاد إلى إيمانه، قصة وردت في الإنجيل كما قال لي. القصة تروي قصة لرجل يهودي ثري، يملك المزارع والماشية الكثيرة، وله بيت وأموال، كمان أن له من الأبناء اثنان. أحدهما ملتزم دينيًا، مطيع جدًا لوالده، مجتهد يعمل في الحقل لا يعصي لوالده أمرًا، والآخر متمرد يعمل مع والده ولكنه يجادل كثيرًا ويناقش كثيرًا، ويلتف على بعض أوامر أبيه، أي بمعنى آخر يعصي أباه في بعض الأوقات.

في يوم من الأيام، سهر الولد المتمرد مفكرًا؛ كيف ستكون شكل حياته لو أنه يعيشها كما يريد دون أي قيد يربطه بأبيه؟ كيف سيكون شكل سعادته لو أنه يغادر مزرعة أبيه ويذهب إلى عوالم أخرى يستكشفها ولا يعلم عنها شيئًا؟ بقي ساهرًا طوال الليل يفكر ويفكر حتى طلع عليه الصباح! ثم قرر أن يذهب إلى أبيه، ويقدم على تلك الخطوة التي شغلته.

وقال له: لك ما تريد. فرح الولد وابتهج، ولكن صدم الابن المطيع! وانتابه الغضب، ونهر على أخيه: كيف لك من القوة أن تعصي أبانا الذي كان دومًا سندًا لنا وعونًا؟

وبالفعل، ذهب الولد ووقف أمام أبيه، وأطلعه على ما يريد، كما طلب منه حصته من ماله الذي كان سيرثه بعد أن يموت الأب. صدم الأب في البداية، وجلس قليلًا ليفكر، ثم نظر إلى الابن وقال له: لك ما تريد. فرح الولد وابتهج، ولكن صدم الابن المطيع! وانتابه الغضب، ونهر على أخيه: كيف لك من القوة أن تعصي أبانا الذي كان دومًا سندًا لنا وعونًا؟

أخذ الابن المتمرد ميراثه وقرر أن يترك المزرعة بلا عودة، ودون أن ينظر الى الوراء. وبالفعل، بدأ الولد مسيرته التي فكر فيها كثيرًا، وتمتع بكل ما لذّ وطاب، وصرف الأموال في كل ما يخطر على بال بشر! وبقي على هذا الحال شهورًا طويلة حتى بدد أمواله، ولم يجد مكانًا يؤويه إلا مزرعة للحيوانات والخنازير. بقي على هذا الحال أيامًا، وسهر ليالي يتفكر: هل أرتكب خطأ؟ هل بدأت أشتاق لوالدي؟ هل يجب أن أعود إلى الأمان الذي كنت فيه عندما كنت بجوار أبي؟ وبالفعل قرر أن يعود.

وفي يوم من الأيام، كان الأب واقفًا على باب بيت مزرعته، رأى ولده يأتي من بعيد مرهقًا ومتعبًا ومتسخًا، قفز الأب يهرول نحو ولده، خالعًا عباءته ليغطي بها ابنه القادم نحوه، وحين وصله احتضنه وقال له: أهلًا بك في بيتنا، أهلًا بك في أحضاني!

تذكرت حديث الله تعالى: "يا ابن آدم، خلقتك بيدي وربيتك بنعمتي وأنت تخالفني وتعصاني، فإذا رجعت إليّ تبت عليك، فمن أين تجد إلها مثلي وأنا الغفور الرحيم؟


أوقد الأب النار وذبح الخراف ابتهاجًا بعودة ابنه، وحينما عاد الولد المطيع إلى البيت ليلًا بعد نهار طويل، صُدم مما رآه، ورفض الدخول إلى البيت قائلًا لأبيه: إنه عصاك، ولم يطعك وتمرد عليك، أتسمح لابنك أن يعود إلى هذا البيت بعد أن غادره؟ هذا ليس عدلًا، أنا فعلت كل شيء لأجلك، ماذا عساي أن أفعل أكثر".

إلى هنا تنتهي القصة كما أخبرني جايكوب. سرعان ما لمع في رأسي تشابه كبير في المغزى المبطن في القصة، وتذكرت حديث الله تعالى: "يا ابن آدم، خلقتك بيدي وربيتك بنعمتي وأنت تخالفني وتعصاني، فإذا رجعت إليّ تبت عليك، فمن أين تجد إلها مثلي وأنا الغفور الرحيم؟".

 وتذكرت أيضا: "أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه، إذا ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم، وإن تقرب إليّ بشبر تقربت إليه ذراعًا، وإن تقرب إلي ذراعًا تقربت إليه باعًا، وإن أتاني يمشي أتيته هروله"، مع فارق المكانة لله سبحانه وتعالى وعز جلاله. كما أن المغزى المبطن في رفض الابن البار عودة أخيه يذكرني بإبليس عندما كان من الملائكة الأخيار قبل أن يغريه التكبر في قلبه ويرى نفسه أفضل من آدم!

وولّد هذا التشابه في نفسي فضول معرفة نقاط تلاقي الأديان السماوية وليس الاختلاف بينها. كنت مذ ونحن صغارًا نتلقى معلومات كثيرة عن الفروق بين الأديان، ماذا لو كان الطريق إلى التعايش السلمي هو الاطلاع على نقاط التلاقي وليس على نقاط الاختلاف؟ في سنوات غربتي ومخالطتي لكثير من الناس من مختلف الطوائف والتوجهات والأديان، فإن أكثر ما يجذبني هو سماع قصصهم وحكاياتهم، وعبر القصص الكثير من نقاط التلاقي تكشف بسهولة دون الحاجة إلى التنقيب المرهق أحيانًا.

عندما نلتقي باشخاص جدد، نحن نسأل عن أسماءهم، يجب أن لا نعطيهم أسماء من وحي خيالنا بناء على الصورة النمطية التي نراها. لأننا بالواقع عندما نعرف أسماءهم الحقيقية، فإننا نصبح على علم بحياة كاملة التفاصيل خلف هذا الاسم. ما إسمك؟ هو سؤال يختصر مسافات طويلة للتعارف بين البشر في اقصر المسافات الممكنة.

وعندما تسألني عن إسمي سوف أخذك في رحلة من كوالالمبور الى برشلونة وبيروت، سوف أخذك في رحلة الى دمشق وسيدني، سأريك مكة، وسأطلعك على خزانتي التي تحوي سبعين حجابا لرأسي من مختلف الدول التي سافرت اليها. وعندما تسألني ما إسمك؟ سوف أطلعك على قبور الواحد والثلاثين شخصا من عائلتي الذين قتلو في سوريا، والمقهى الذي ارتاده لاشرب قهوتي. هكذا قالت أمل قصير، الشاعرة الأمريكية السورية في حديثها في تيديكس بتاريخ 14 كانون الأول 2016.

واذا سألتم ما الرابط بين ما كتبت أعلاه وما قالت أمل؟ أقول لكم أن الشجاعة في تجاوز عتبة الفضول في معرفة عوالم أخرى لا تشبهنا، يكون بسماع قصص اؤلئك الذين يعيشون فيها، الاستماع الى حياتهم وقصصهم الاجتماعية والدينية والإنسانية، كل ذلك يولد تعايشا سلميا إنسانيا رائعا وتقبل للاختلاف حتى لو كان يعارض صميم جوهر قناعاتك.