بنفسج

ثلث الثلاثة يا بني

السبت 11 مارس

ما طعم الحياة إذا لم يشارك المرء فرحته مع الآخرين، وينقل تفاصيل البهجة من حيّز ضيّق إلى آخر أكثر اتساعًا وامتدادًا؟ أليست ستكون هذه الفرحة أجدى وأشمل نفعًا، وأكثر عمقًا يا بنيّ؟ في ديننا الإسلاميّ الحنيف، لا يمكن للمرء أن يفرح وحده وأن يختصّ تفاصيل البهجة لنفسه؛ فأساسه البنيويّ قائم على الخلق السويّ الحسن الذي يصدّر العطاء والتشارك والتراحم كقيمٍ نبيلة مفروضةِ الوجود في المجتمع الإنسانيّ، مرتبطةٍ بالثواب والعقاب، تنتقل بالإنسان من جحيم الأنا والفردانية والتمحور حول الذّات، إلى رحابة الغير، والجماعة والمصالح المشتركة. 

ما طعم الحياة إذا لم يشارك المرء فرحته مع الآخرين، وينقل تفاصيل البهجة من حيّز ضيّق إلى آخر أكثر اتساعًا وامتدادًا؟ أليست ستكون هذه الفرحة أجدى وأشمل نفعًا، وأكثر عمقًا يا بنيّ؟ 

في ديننا الإسلاميّ الحنيف، لا يمكن للمرء أن يفرح وحده وأن يختصّ تفاصيل البهجة لنفسه؛ فأساسه البنيويّ قائم على الخلق السويّ الحسن الذي يصدّر العطاء والتشارك والتراحم كقيمٍ نبيلة مفروضةِ الوجود في المجتمع الإنسانيّ، مرتبطةٍ بالثواب والعقاب، تنتقل بالإنسان من جحيم الأنا والفردانية والتمحور حول الذّات، إلى رحابة الغير، والجماعة والمصالح المشتركة. 

والأضحية يا بنيّ قربةٌ من الله، وامتثال لمراده وهي لذاتها لا معنًى لها، فالله تعالى غنيّ عن العالمين، ولن يناله لحومها ولا دماؤها، لكنّها الخيط الفاصل بين البارّ والعاصي، وبين الشاكر والجاحد، وبين من يستكمل الإيمان فيحب الخير لغيره كما يحب لنفسه وأهله، ومن يفتقده فيظلّ محصورًا في غياهب الأنانية، ومسالك الجشع. 

والعيدُ بدوره مسمّى للبهجة وأساسٌ لها، يأتي بمثابة الجزاء على مشقّة العباداتِ، والتهوين من تعب السّالكين، ويطلّ عليهم في خاتمة الطريق ليقول: أما آن لكم أن تقرّ أعينكم؟ لكنّه كذلك يجعل لهذه الفرحة معنًى إن هي رُبطت بالغير؛ فكانت زكاة الفطر "طهرةً للصائم من الرفث"، وكانت زكاة الأضحى طعمةً للمساكين، وكان الذي يبيت شبعانًا وجاره جوعان مستفقدًا لمعالم الإيمان.

والأضحية يا بنيّ قربةٌ من الله، وامتثال لمراده وهي لذاتها لا معنًى لها، فالله تعالى غنيّ عن العالمين، ولن يناله لحومها ولا دماؤها، لكنّها الخيط الفاصل بين البارّ والعاصي، وبين الشاكر والجاحد، وبين من يستكمل الإيمان فيحب الخير لغيره كما يحب لنفسه وأهله، ومن يفتقده فيظلّ محصورًا في غياهب الأنانية، ومسالك الجشع. 


اقرأ أيضًا: أقبلت خير أيام الدهر


 ولأنّ الزكاة في اللغة خير وزيادة ونماء، ترتقي بها النفس في مدارج طويلة؛ فتمرّسَ على الأثرة، وتعوّد على البذل، وتألف العطاء؛ وتلقي بظلال الخير على المعدم والمقتدر، والمحتاج والمغتني، كأنّما الناس سواسية كأسنان المشط حتّى في مواسم الفرح. 

وتقسيم هذه الأضحية يحوز على رونقٍ وبهاء وأصولٍ في المعاملات، ويؤكّد على جمالية هذا الدّين ورقيّه، واستيفائه للحقوق كلّها. يقول ابن عمر رضي الله عنهما: "الضحايا والهدايا؛ ثلثٌ لك، وثلث لأهلك، وثلث للمساكين"، لكل واحد منهم الثلث يا بنيّ، لا فضل لطرف على آخر، ولا فرحة لمسلمٍ دون مسلم، ولا قائمةَ تقوم للمنفردين، إنّما هو بنيان مرصوص. 

الأضحى يا بنيّ نداء سماويّ للانتباه إلى تفاصيل الأمور، ومستثنايتها: طعامك الذي تأكله ويتمناه غيرك، ولباسك الذي تظنّه باليًا ويكتفي به غيرك، ونقودك التي تبذلها في سبيل أشياء ضرورةٌ لك، وكمالية لغيرك، وما تعتقده أنت بديهيًّا، قد يكون للآخرين همًّا كبيرًا، وما تضحي به أنت لله، قد لا يجده البعض ليجعلوه قربانًا؛ فلا تلتفت عن تزكية نفسك، وإيّاكَ أن تحيد عن مقاصد هذا العيد. 

 واعلم أنّما نبذله في سبيل المحتاجين إنما هو بذرة تغرسها اليوم، وتأتيك ثمارها في الغد، ومن يزرع عطاء لن يجد إلا عطاء، والأيامُ تداول وتناوب، وحقّ النعمة عليك شكرها ومشاركتها، ولأنّ الإسلام يا ولدي يريد رجلًا "جياش العاطفة بالعطاء، صادق الحسّ بآلام الغير، ينطلق كالسهم في تفريجها ولو كان يتعامل مع غير أبناء دينه؛ فالنبع السّيال لا يحبس برّه عن محتاج". 

ولأنّ الإحسان يا ولدي مراتب، وأفضلها أن تتقن فن العطيّة، فلا تبدي منًّا ولا سلوى ولا شفقة لمن ستزكّي عليه؛ لأنّ حفظ الكرامة من حفظ الأنفس، والفقر ليس عيبًا، والدّنيا حظوظ، وحالنا كحاله، لكلّ منا في نعمة الله ثلث؛ فافهم رعاك الله.