بنفسج

قراءة في كتاب: مئة من عظماء الإسلام غيّروا مجرى التاريخ

الثلاثاء 11 أكتوبر

سأَستعرض هنا قراءَتي الخاصة للكتاب الأكثر شهرةً والأوسعِ مبيعًا بين جمهور القرّاء العرب في المجال التاريخيّ، هذا الكتاب الذي احتلّ جزءًا كبيرًا من قلبي من حيث؛ أسباب كتابته، عناوينه الفرعية، بعض الأحداث المهمة التي ذُكرِت فيه وأخيرًا رأيي فيه. يمكن تلخيصُ أسباب كتابة هذا الكتاب الرائع في سببيْن رئيسين: الأول قد ذكره الكاتب في المقدمة، وهو أنّه جاء ردًّا على الكتاب الشهير "المئةُ الأكثرُ تأثيرًا في التاريخ" لكاتبه "مايكل هارت"، على الرغم من أنّ هارت قد صنفَ النبيّ محمد -صلى الله عليه وسلم - بالشخصية الأكثرِ تأثيرًا في التاريخ إلّا أنّ الكتاب كان يحتوي على بعض المُغالطات التاريخية وأخطاءٍ في الترجمة التي يُستوْجَبُ الردّ عليها.

أمّا السبب الثاني فَيتراءَى للقارئ بعد تعمقه بين أسطر الكتاب؛ وهو إظهار مدى عظمةِ التاريخِ الإسلاميّ المُشرّف الذي كان حديث الأمم لأجيال عديدة وما زال، فدبّت الحماسةُ في قلب الكاتب الفلسطينيّ "جهاد الترباني" لينجزَ هذا العمل الأدبيّ في أقل من عام. يستعرضُ التربانيّ بين طيّات التاريخ مئةً من عظماء الإسلام الذين كان لهم فضلٌ عظيمٌ في نُصرة الإسلام وأمته في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بل والطبية والعمرانية والعسكرية وغيرها، سواءً كان ذاك البطلُ مجهولًا أو معروفًا، رجلًا أو امرأة، عربيًا أو أعجميًا، قائدًا أو جنديًا، شاعرًا أو عالمًا؛  فكل عظيم من هؤلاء المئة قد نصر الإسلام بالصورة التي بَرَعَ   فيها، إلا أنّ عظماء أمة الإسلام قد اشتركوا في ثلاث صفات مهمة وهي: تنوع العنصر، وحدانية العقيدة، سمو الهدف.

| مئة عظماء  من الإسلام

أمّا عن أسلوب الكاتب فلم يعتمدْ على مقدار عظمةِ كل واحدٍ منهم حسب رؤيته الشخصية، كما فعل هارت في كتابه، ولكنّ راعى تارةً الترابط المكانيّ فمثلًا عندما ذكر البطل محمد بن عبد الكريم الخطابيّ الذي خرج من رَحْم مصر الكنانة مهّد للبطلة التالية التي كانت من مصر أيضًا، وهي السيدة هاجر رغم تباعد الوقت بينهم.

وتارةً أخرى راعى الترابط الزمانيّ فعندما ذكر الشيخ عبد الله بن ياسين الذي عَمِل على توحيد قبائلَ يُقَدَرُ عددها بالآلاف وردّها إلى المنهاج النبوي الصافي، حتى مَهّد للبطل أبي بكر بن عمر اللنتوتيّ الذي ظهر في نفس فترته وأكمل عمله في الدعوة إلى الله. 

أمّا عن أسلوب الكاتب في ذكر العظماء المئة، فلم يعتمدْ على مقدار عظمةِ كل واحدٍ منهم حسب رؤيته الشخصية، كما فعل هارت في كتابه، ولكنّ راعى تارةً الترابط المكانيّ فمثلًا عندما ذكر البطل محمد بن عبد الكريم الخطابيّ الذي خرج من رَحْم مصر الكنانة مهّد للبطلة التالية التي كانت من مصر أيضًا، وهي السيدة هاجر رغم تباعد الوقت بينهم.

وتارةً أخرى راعى الترابط الزمانيّ فعندما ذكر الشيخ عبد الله بن ياسين الذي عَمِل على توحيد قبائلَ يُقَدَرُ عددها بالآلاف وردّها إلى المنهاج النبوي الصافي، حتى مَهّد للبطل أبي بكر بن عمر اللنتوتيّ الذي ظهر في نفس فترته وأكمل عمله في الدعوة إلى الله. وتارةً أخرى راعى اشتراك هؤلاء العظماء خَوْضَ ذاتِ الغمار؛ فَذَكرَ الكاتب السيدة عائشة والسيدة خديجة والسيدة مريم وأم موسى وآسيا بنت مزاحم تباعًا، لبيان دَوْر المرأة الأساسيّ في بناء الأمم وصناعة الرجال. وقد استخدم هذا التنويع الجماليّ بذكرِ فقرةٍ في نهاية سيرة كل عظيم تمهد للعظيم الذي بعده؛ حتى لا يكون أسلوبًا تاريخيًا بحتًا فيتسلل الملل لروح القارئ.

والجماليةُ الأخرى هي استخدام اللغة السلسة التي تزدهرُ عند الصورة الفنية المخبوءةِ داخلها معانٍ ملهمةٌ ومحفزةٌ لمتابعة القراءة بحماس. وعلى مستوى آخر، فهذه الشخصيات منها العربي القُح، ومنها الهندي والتركي والكردي والفارسي والحبشي والأمازيغي (والمغربي والجزائري والتونسي والليبي) والشامي والأندلسي (الإسباني) والفلبيني والأفريقي واليماني، وشخصية واحدة من الخليج وهي شخصية كويتية. وهذا التنوع الثري جعل من الكتاب مادة ممتعة شائقة خفيفة على نفس القارئ. وبعد أن استبعد الكاتب الأنبياء والرسل لأنهم أعظم الخلق، فقد جعل على رأس القائمة أبا بكر الصديق رضي الله عنه، وختم الكتاب بالداعية الكويتي الشهير عبد الرحمن السميط رحمه الله.


اقرأ أيضًا: المرأة ونقل المعرفة الدينية في الإسلام: قراءة في كتاب


يستكمل الكاتب بأسلوبه المشوّق  في عرض بعض الأحداث التاريخية المهمة: فَذكرَ قصة الفتوحات الإسلامية في أدغال إفريقيا والهند والأمريكيتيْن، واستعرض باستفاضةٍ قصة الأندلس على ثلاثة محاور، وهي فتحُ الأندلس مرورًا بنهضتها الجليلة وحتى سقوطها، وتعدُ دراسة هذه المحاور الثلاثة في قصة الأندلس تحديدًا، بكل تفاصيلها، خيرَ مثالٍ على كيفية صناعة المجد وريادة العالم، وكيف أنّ إهمال أسبابِ النصر والعزة يقودُ إلى هَتْك الأوطان وضياع مجد الإسلام.

ذِكْر قصص بعض الفئات الذين كان لهم أثرٌ مهمٌ في التاريخ الإسلامي: مثل قصة المسلمين المورسكيين، ويهود الدَونمة، وقصة المسيحيين الموحدين المعروفين باسم الآريسيين الذين وقفوا سدًّا منيعًا ضد فكرة الثالوث المقدس، فكان ذلك سببًا لإبادتهم بالملايين في مجازر يأنف العقل على تصوّرها. يسرد الكاتب أيضًا قصة بعض الغزوات الإسلامية المفصلية، ومنها معركة بروزة والقادسية والولجة واليرموك وغيرها.

يختمُ الكاتبُ بذكره العظيم المئة وهو أنتَ أو أنتِ أو حتى كلُ واحدٍ منّا؛ فأمةُ الإسلام أمةٌ وَلودة، لم تسقط لها رايةٌ منذ بعثةِ الإسلامِ حتى يومنا هذا، فما أَفَلَتْ شمسُ الإسلام في مكانٍ حتى أشرقتْ شمسٌ جديدة في مكان آخر، تبعثُ نورها في القلوب المتلهفة، وتحيي الأنفُس بعدما أرهقها طول البِعاد، فَكُنْ أنت ذلك العظيم الذي تنتظره الأمة.

وضمّ الإسلام تحت جناحه العديدَ من الثقافات والقوميات؛ فعددٌ من الأبطال المسلمين، مثل طارق بن زياد، الذي كان من القومية الأمازيغية الذين عُرِفوا تاريخيًا بقومية البربر العظماء، وهم من أروْع الشعوب في الوفاء والتضحية وحبِّ الإسلام. وتبحّر في ذِكْر بعض الشخصيات التاريخية التي كان لها بصمةٌ خالدةٌ: مثل قصة الفرسان المسلمين الثلاثة، وقصة العَبْد الأمير عبد الرحمن إبراهيم بن سوريّ، والقصة الرائعة للدكتور الداعية الكويتيّ عبد الرحمن سميط وزوجته في المجال الدَعويّ، وغيرها من القصص في ريادة الطبّ الإسلاميّ والبَراعة العُمرانية والرحلات الإسلامية الكَشفية، والكثير من القصص المُلهمة التي تَحثُّ الهمم وتُربي الأمل والتي زَخِر بها تاريخنا الإسلاميّ.

يختمُ الكاتبُ بذكره العظيم المئة وهو أنتَ أو أنتِ أو حتى كلُ واحدٍ منّا؛ فأمةُ الإسلام أمةٌ وَلودة، لم تسقط لها رايةٌ منذ بعثةِ الإسلامِ حتى يومنا هذا، فما أَفَلَتْ شمسُ الإسلام في مكانٍ حتى أشرقتْ شمسٌ جديدة في مكان آخر، تبعثُ نورها في القلوب المتلهفة، وتحيي الأنفُس بعدما أرهقها طول البِعاد، فَكُنْ أنت ذلك العظيم الذي تنتظره الأمة.