بنفسج

" غسيل الأدمغة": كيف نعيد قراءة ما تبثه الشاشات؟

الأربعاء 09 ديسمبر

سمراءٌ مستطيلة، تختلف في أحجامها وأنواعها وأشكالها، تُوصف بأنها نافذتنا الصغيرة على العالم، وتُجمّل بشعارات رنّانة فهي "العالم كله بين يديك"، هي التي تجلب لك "الحقائق في دقائق"، وهي حاملة لواء الرأي والرأي الآخر، وهي المسلية التي لا تحلو بدونها الأوقات، قاتلة الملل والروتين، وهي.. يمكنكم أن تضيفوا ما تشاؤون من الأوصاف البراقة، فكله ينطبق على تلك الشاشات!

لعقود طويلة، احتلت وسائل الإعلام بأنواعها المختلفة منبرًا تربع وسط مجالسنا، واقتحمت خصوصياتنا، وساهمت بشكل كبير في ضخ أفكار ومعتقدات مُررت إلينا بطرق مباشرة وغير مباشرة؛ عبر المسلسلات والأفلام، أو عبر التركيز على أحداث حقيقية وأخبار واقعية، مقابل تجاهل غيرها أو عبر الإعلانات المختلفة وطرائقها المنوعة في إيصال الأفكار والترويج للمنتجات، صُنعت بعناية فائقة لتصنع وعيًا معلبًا يساهم في غسل عقولنا وذواتنا، وصقل خبراتنا وتجاربنا، فالصور المتكررة، والمشاهد المتنوعة، وطرق التأثير والإثارة كان لها بالغ الأثر في عملية غسيل الأدمغة.

ماذا أعني بغسيل الأدمغة وكيف له أن يؤثر في رؤيتنا حول الامور كلها وفي نشأة أطفالنا؟ يُعرف غسيل الدماغ على أنه تحويل الفرد عن اتجاهاته وقيمه وأنماطه السلوكية وقناعاته، وتبنيه أفكارًا وقيمًا جديدة، تفرض عليه من قبل جهات مختلفة، قد تكون حكومات أو أفراد أو جماعات أو أحزاب.

يُعرف غسيل الدماغ على أنه تحويل الفرد عن اتجاهاته وقيمه وأنماطه السلوكية وقناعاته، وتبنيه أفكارًا وقيمًا جديدة، تفرض عليه من قبل جهات مختلفة، قد تكون حكومات أو أفراد أو جماعات أو أحزاب.

كيف أثر الإعلام وغير فينا؟ وكيف كان له عظيم الأثر عبر عقود في بلورة مفاهيمنا حول المقبول وغير المقبول؟ يرى علماء النفس بأن ما يتكرر من مشاهد، سواء كانت هذه المشاهد مشاهد عنف أو عري أو غير ذلك، تجعل الإنسان يتقبل الفكرة من المشهد بعقله اللاواعي، ويستسيغها ويألفها حسب مبدأ (ما تكرر تقرر). فلو رأى الإنسان الذي عاش في زمن الصحابة، رضوان الله عليهم، إنسانًا متحولًا جنسيًا أو امرأة بملابس شبه عارية لما تقبلوا هذه الفكرة، ولوجدوا فيها اندهاشًا عميقًا وحتى نكرانًا، أما نحن، فأصبحنا نرى مشاهد العلاقة الحميمة والعري مشاهد عادية، ونمر عنها وكأننا لم نرها، وكأن عقولنا تقبلتها لشدة تكرارها.

وهنا أحاول أن أُجمل عددًا من الطرق والاستراتيجيات المتبعة، والتي يركز عليها الإعلام، وأبين كيف أثرت في غسل أدمغتنا:

| مفاهيم مغلوطة: كربط الصحة والجمال بالسلع غير الصحية.إليكم هذا المشهد: الشمس في وسط السماء والحرارة في أوجها، لاعبٌ ممشوق القوام، مشدود العضلات يلعب بالكرة ويسدد ضربة في منتصف الهدف، ويجري نحو علبة المشروب الغازي المليئة بقطرات الندى التي تنساب عليها، فيشرب منها حتى يرتوي، ثم يرفعه ويقول مشروب " كذا" طاقة ونشاط.

| تشييء الإنسان: أي محاول تحويل الإنسان إلى سلعة شيئية، كمشهد حسناء ممشوقة، شعرها مسترسل وحريري وجهها جميل مليء بالألوان، تجلس بالقرب من تلك "السيارة الفارهة" بملابس شبه عارية، تسوق للسيارة وتفتحها وتغلقها وتلتف حولها مستعرضةً جسدها، وهنا، هي فقط مجرد شيء، مثلها مثل السيارة، تعتمد على جسدها لجذب الأنظار لتلك السيارة!

| تغريب المفاهيم: ويتكرر هذا المشهد في معظم الأفلام والمسلسلات حتى أضحى حلم كل فتاة تريد الارتباط بفارس الأحلام أن يركع على ركبتيه مقدمًا خاتمًا مرصعًا بالألماس، طالبًا الزواج، فتضع هي يدها على فمها وتنهمر الدموع، وتقبل الزواج منه بكل بساطة.

العقول.gif
صورة تعبيرية

| تزوير التاريخ: وتزييف الحقائق والشخصيات المؤثرة؛ إذ يعي القائمون على المؤسسات الإعلامية جيدًا أهمية التاريخ، فيقومون بعمل تاريخي ضخم، يضعون فيه الكثير من الأحداث والرسائل المبطنة والمحرفة، ويصورون الشخصية على غير حقيقتها، ويضيفون الكثير من الأحداث لأهداف عديدة.

| استغلال الأطفال والمشاهير : وذلك لتمرير رسائل مختلفة حول الصواب والخطأ، حول المثل والمفاهيم المختلفة؛ بعضها صحيح وأغلبها محرف وغير واقعي. 

| التركيز على حدث هامشي: وفي مقابله إخفاء أحداث هامة لا يريدون تسليط الضوء عليها ولا يفضلون انتشارها.

| التركيز على صورة نمطية واحدة للجمال: غيرت مفهومنا نحوه، فحصرت الجمال بالفتيات النحيلات صاحبات القامة الطويلة والشفاه الممتلئة والأنف المنحوت والحواجب المرفوعة والرموش الكثيفة. فترى ذاك النمط فقط لا غيره في مسابقات ملكات الجمال، وكذلك صور الممثلات والمغنيات والعارضات وصاحبات الإعلانات.

| تقبيح وظيفة الأمومة وحصرها بالإرهاق والتعب: وأنها تستنزف حياة الأنثى بلا إنتاج، وبدون أن تحقق ذاتها ما يساهم في هدم معقل الإنسان الأول (الأسرة).

التركيز على المظاهر لا الجواهر: من ملابس وساعات وماركات وحسابات البنوك.

| تعميق السخرية والتنمر من البدين: سواء من صاحب الإعاقة والمتسول والفقير.

| تحديد الخيارات لضمان مستقبلك: استثمر معنا برنامج كذا، طريقك الأوحد نحو النجومية، لسفر أسهل حمل تطبيق كذا فيقوموا بحصر خياراتك بمجموعة من الخيارات المحددة.

بالطبع، لم ولن أتمكن من حصر الطرق التي تغسل عبرها أدمغتنا، فهذا غيضٌ من فيض، ولكن علينا أن نعي جيدًا كيف يتم التلاعب بنا، وبأسرنا وشبابنا وشاباتنا. وأن نعي أن جهات مختلفة تحاول تجيشنا وتستخدمنا كأشياء لزيادة مبيعاتها؛ للترويج لأفكارها، لتحويلنا نحو قناعات وأنماط سلوكية مختلفة، علينا أن نقف أمام هذا التلقين القسري، وأن نتحرر ذهنيًا وفكريًا لننهض بذواتنا وبأسرنا ونسير وفق ما يخدم عوائلنا ومجتمعنا وأمتنا.