بنفسج

في عامي التاسع والعشرين أستأنف الكتابة

الثلاثاء 20 سبتمبر

مضت ذكرتان أو ثلاث، بدوت ساكنة، وعلى سعة من الوجوم تجاه مخرجات كل عام أقضيه. كان لابد لي أن أستقبل عامي الجديد بنص يصف ما مضى، ويروي ما يواريه حس الوعي بي. لكن في امتناعي عن سرد السقطات النفسية، والمساعي التي فشلت، والرفاق الذين تطايروا إثر عاصفة مرعدة،  أو حتى الحديث عن مرارة الفقد الأبدي "لأبي" أو حتى عن التمني والطموحات التي أرتجيها بكل شغف أليم، أو عن تجربتي في الوقوف دون أن يمسك بيدي أحدهم، والكثير من المفردات التي تجني محصولي السنوي.

على غرار التفكر في الانتقال العمري لرقم؛ كان يبدو لي أنه يبالغ في تقديري كإنسان جديد في عالم الوعي والتجربة. حين أني لم أصل بعد لفلسفة الذات التي تعبر عن الاسم والعمر، كنت أرى أن التقويم الميلادي يتسارع في زمني، كالثور في مارثون يرتاده محبي الإثارة والعنف، وأنا لا أفضل هذا العالم. في ماضي الزمان القريب، كنت أتخذ الكتابة وسيلة لتفكيك بعض الأفكار التي تشغل الرصين، أقدمها بكل رحب للعامة كنوع من المشاركة لما استجد من فكرة، ملحوظة، أو استنتاج، أو فرضيات تفسر فلسفة ما في جانب جوانب هذه الحياة.

هنا أستهل مفرداتي في تعظيم الذات والثناء عليها، لقد اعتقدت أن الإنجاز والنجاح مرهونان بكم الإنجازات المهنية والعلمية. رغم أني في طريق تحقيقها على هوادة، كالشمس من بعد مغيب تطل على استحياء. وفي غمار تلك الحياة أجزم أني في طريقي للنجاح الذي أرتجي برغم العثرات.

منذ عامين رحلا، بدت أفكاري ثملة، أو متجمدة، وبتعبير أصدق، منزوية في ركن ما، وأيًا كانت هي، المهم أنه بات من المثير للسخرية طرحها. بتُ أثرثر للذات في هذيان الجسد أو صحوته مع إفلاق الصباح. كانت النظرية غير محكية، تفسيرها لا يقبل التداول. كل فلسفة تعنون ب "سخافة"، ليس هذا فحسب لقد وظفت أحد الشخصيات التي أحملها، لنتفاوض على مدى منطقية الفلسفة الجديدة، أو بكل أنانية أجبرتها أن تسمعني دون البت بنقيض النتيجة التي أجزمت بصدقها. عليك الربت على كتفي، وأن تعقدي الصلح مع الفكرة التي أنجبتها التجربة لدي.

لا أدري ما يمكن أن أخبر هذا الجمع عنه، عل بعضهم غير مكترث، مثلما كنت غير مهتمة لنقل حصادي لهذا العالم، بالقول "ليس بالأمر الجدير ذكره"، "لقد نضجت".. وبعضهم الكثير الذي افتقد نص يوم ميلادي، أو حتى نصوصي الهوجاء التائهة. ويخذل مني حين لا يلقاها مع دخول الساعة الثانية عشر من تاريخ ٣/أيلول.


اقرأ أيضًا: تسألني طفلة تسكنني: من أفسد كل ذلك؟


أعتقد أن هذا النص سيتحرر من جلد الذات وتعنيفها، بما كان يلخصه المقال الماضي: "ماذا فعلتِ، فاشلة. لم أصل أول درجة بعد، الصفر الذي أبحث عنه في غياهب المجهول. عقدة الإنجاز، محصورة في رقم، وقهر المرحلة التي راحت رغم عني". هنا أستهل مفرداتي في تعظيم الذات والثناء عليها، لقد اعتقدت أن الإنجاز والنجاح مرهونان بكم الإنجازات المهنية والعلمية. رغم أني في طريق تحقيقها على هوادة، كالشمس من بعد مغيب تطل على استحياء. وفي غمار تلك الحياة أجزم أني في طريقي للنجاح الذي أرتجي برغم العثرات.

وعل أعظم إنجاز، هو إنجاز إنساني بحت، تمثل بملاطفة طفل على الطريق بابتسامة، وسلوكيات طريفة، فيضحى باسمًا على استحياء، وهنا أحرز انتصارًا. وعل أوفى إنجاز حفظ الودّ مهما أنكرني الرفيق، والترفع عن الأذى وتبرير الذات، وطوي الصفحات لا تمزيقها، كي تبقى درسًا للمراجعة. وأسماها جبر الخواطر للعابرين، ومسح دموع المكسورين. وأكثرها خلقًا رفع قطعة زجاج أو خبز عن الطريق. استدركت أن الخُلق تاج محبة تحظى به، في وقت كنت تلعن الحظ مرارًا بعد تنصل صديق، وتخلي رفيق، وبعد خسارة مهنية، وحظ لم يكن وافرًا علميًا، لكن أجزم أن الاستثناء الإيجابي كان حليفي في كل مراحلي، وأعظمها أني لم أتعرض بالأذى لعصفور حتى.

في أطماع وعجلة دائمًا نحو ما نبتغي، لكن الحقيقة التي أدركتها، أن الأشياء بالصبر والمسعى تأتي مهما تأخرت، لم تعد عقدة الرقم العمري تعني لي مثلما سابقًا، أمارس الإغفال نحوها، فتلك الفتاة ليست رقمًا، وأنا التي كنت دومًا أرفض أن أكون مجرد رقمًا أو مرحلة، أحارب لأجل أن أكون "اسمًا"، فكيف أتحت فرصة أن يرهقني ويبكيني تقدم العمر دون أن يكون الهدف والطموح المسمى في رزنامتي خارج نصي وعمري.