بنفسج

عند الله تجتمع الخصوم

الإثنين 15 اغسطس

أحببت شراء عصفور فأخبرني البائع أنه لابد من شراء عصفور أخر يؤنس وحدته. كانا من أجمل العصافير التي رأيتها، والذكر يفوق أنثاه جمالًا، عنقه أزرق ورأسه رمادي وجسده أبيض. في الصباح الأول كانا هادئين جدًا، ثم أصبحت أتحدث إليهما وتآلفنا معًا. بعد شهرين وجدت العصفور الذكر ممدًا في أرض القفص. انتابتني قشعريرة ورعدة، كان قبل لحظات يأكل ويزقزق، كيف ارتمى في لحظة صريعًا!

بعد أيام مات زوجه، لم يلبث أن تمسك برفيقه وأبى إلا مغادرة الحياة معه. إن الموت دائمًا يجيء ليذكرنا أننا إلى زوال، وكل ما في هذه الحياة وهم والحقيقة الوحيدة فيها هي الموت، ولكن أستغرب من أين للإنسان كل هذا الجبروت، جبروت القتل والتعذيب، وأن يكون سببًا لمأساة إنسان آخر. كانت غزة تقصف والشهداء والجرحى ينهالون واحدًا تلو الأخر... أبهذه البساطة يقررون تدمير حياة الأبرياء وسلب حقوقهم بالعيش بسلام؟هل من حق "إسرائيل" الاعتداء على الإنسانية وتجاوز كل حقوق الإنسان في لحظة؟

يكلله التسجيل الأخير للشهيد إبراهيم النابلسي، ويقول بتعبير بسيط: "بحبك يا إمي"، وليس له إلا طلب من كل ذلك؛ أن يستعيد وطنه ممن سلبه، وممن يستبيحه ويضيق عليك الخناق لتعيش أسيرًا مقيدًا في وطنك. ما بال الإنسانية تصمت أمام معاناة أصحاب الحق وتبيح للغاصب مالا يستباح؟ لِمَ كل هذا العدوان، هناك مثل شعبي يقول: "لو دامت لغيرك ما وصلتلك".

لن تدوم الحياة لأحد، وما تعتقد أنك تصنعه من أجل هدف ما لا يبيح لك التعدي وتعذيب الناس وحرق أحلامهم، أن تكون مسؤولًا عن حياة بشر يعني أنك ستحاسب إن سرقت أعمارهم واختطفت أرواحهم. ما بال الإنسان أصبح يعيش وكأن الموت لن يأتي عليه، ولن يحاسب يومًا على ما جنته يداه، ويسلب حقوق الأبرياء دون أن يرمش له جفن، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء -التي بدون قرون - من الشاة القرناء". وعندما حبسَ هارون الرَّشيد أبا العتاهية ظلمًا، كتب له أبو العتاهية على جدار السجن: "إلى ديّان يوم الدين نمضي وعند الله تجتمعُ الخصومُ".


اقرأ أيضًا: وحش بقدم واحدة: حديث في الحرب والحياة


قد لا يفكر الظالم المعتدي بذلك، ويحسب نفسه قد علا في الأرض ويبطش بمن يشاء، ولكن الموت دائمًا يذكر الجميع بحقيقة واحدة: كل إلى زوال وعند الله تجتمع الخصوم.  سمعت في أحد التقارير على واحدة من القنوات العربية الإخبارية يقول الصحفي هذه ليست الحرب الأخيرة ولا المعركة الحاسمة؟ ترى متى ستكون الحرب الأخيرة وتنتهي معاناة الإنسان في غزة؟ متى ستنتهي الحرب؟ ويحرر الوطن، متى ستكتب الخاتمة في القضية الفلسطينية، ما فائدة التاريخ إن لم يكن فيه عظة للحاضر وعدة للمستقبل.

يختلف الناس ويخوضون معاركهم وقد يبذل أحدهم روحه في سبيل إثبات وجهة نظره، ولكن الحقيقة الواحدة والثابتة مهما طال عمرك أو قصر، تجبرت وتظلمت، شيدت من أعوانك وقوتك دولة على معاناة الأبرياء، وسلب حقوقهم وقتلهم وسجنهم، مهما بذلت لتدوم أبهة الحياة لأولادك وأولاد أولادك فالموت قادم والحساب حقيقة ثابتة، وعند الله تجتمع الخصوم.

قد لا يؤمن الظالم بهذه الحقيقة ومنهم من يستهزئ بها، المهم أنك تؤمن بها وتعرف أنها قادمة لا محالة. كل شخص يواجه معركته الخاصة به كل يوم، ويعرض عليه خيارات ليحدد وجهته، وقد تمر أوقات يتخذ فيها قرارات تغير حياته للأبد، ويظل يذكرها، كل يوم بيدك الاختيار أن تكون صالحًا أو فاسدًا، أبيض أو أسود ولا وجود للمبررات، فالقرار بيدك وحدك مهما اختلفت ظروفك ومبادؤك.