بنفسج

في رحلة البحث عن المثالية... سعي وكمال

الأحد 19 مارس

كنت عند مشاهدتي أو استماعي لقصة حياة أحد المناضلين، أو قراءتي لإحدى السير الذاتية لشخصية بارزة في مجال معين، كاتبًا كان أو عالمًا أو حتى لاعب كرة، تتسلل إلى ذهني أفكار الكمال والمثالية، كنت مولعًا بالتفكير في هذا الأمر إلى حد كبير للدرجة التي تجعلني ألصق المثالية لأي شخص أرى فيه صفة النجاح.

وللمثالية تفسيرات عديدة تباينت من مجتمع إلى مجتمع ومن لب إلى لب، فأنا مثلًا أرى أنها تكمن في تضحيات الشعب الفلسطيني من أجـل حريته، وقد بلغت رؤيتي ذروتها عندما تخيلت ذات ليلة أننا نمتطي الخيول الأدهمية، ونعبر بوابة القدس فـرحين بانتصارٍ لطالما انتظرناه.

لم تنعم بعهد الطفولة تظن أيضًا إنها قد بلغت قمة المثالية، والمعلم الذي فقد حب طلابه بسبب اعتقاده أن الوصول إلى المثالية يكمن في كونه غليظًا، وغير ذلك من الأمثلة التي تؤكد على أننا نخطئ في فهم المثالية.

ويبقى مصطلح المثالية طليقًا وليس حكرًا على أحد بعينه، وقد عبث البعض في مجتمعنا بهذا المصطلح وظنوا أنْ لا بديل عن المثالية في أعمالهم باعتبارها امتدادًا للكمال، حتى تولدت ورطة ناجمة عن هذا الظن، حينما أصبح لزامًا على المرء أن يكون الأمثل في كل شيء وتوارث أبناؤه الأمرَ ذاته في كافة شئون حياتهم، فالفتاة التي ظلت حريصة على التفوق ومكثت في التعلم إلى الدرجة التي جعلتها تفقد قدرًا كبيرًا من رشاقتها وبراءتها بل إنها لم تنخرط في شقاوة الأطفال.

لم تنعم بعهد الطفولة تظن أيضًا إنها قد بلغت قمة المثالية، والمعلم الذي فقد حب طلابه بسبب اعتقاده أن الوصول إلى المثالية يكمن في كونه غليظًا، وغير ذلك من الأمثلة التي تؤكد على أننا نخطئ في فهم المثالية، حتى إنني ألاحظ أن البعض يضع لها طقوسًا معينه كالحزم والصرامة والشدة، تلك الطقوس التي تؤدي إلى الانحدار تجاه طريق مظلم مقيت لا نعلم بدايته من نهايته.


اقرأ أيضًا: "إذا فُقِدت عُرِفت": كي لا نعتاد النعم


ولو فتشنا في كل مدينة أو قرية أو حتى زقاق، سنجد أن الجميع يبحث عن المثالية بالطريقة التي توجهه ناحية الكمال في جزء معين دون النظر إلى باقي الأجزاء، وثمة نماذج كثيرة توضح أن الركض والسعي وراء المثالية شيء مكلف إلى حد كبير، فكلما بلغ الإنسان هدفًا طمح إلى هدف أكبر وفقد التلذذ والاستمتاع بالهدف الأول، ويعتقد أحدهم أن الطموح جزءٌ من الكمال فيسير في طريق هدفه وهو خائف من نتيجة الوصول.

فإذا كانت النتيجة متناسقة مع مطالبه تهلل وانشرح وإذا اختلفت اغتم واكتأب، لأنه رسم في عقله صورة نموذجية لتلك النتيجة ومزجها بشخصه وقدره وحدد قيمة نفسه من خلالها، ومستقبلًا سيصبح أسيرًا للخوف من الفشل لأنه يعتقد أنه لا بديل عن النجاح، ومما لا شك فيه إنه لن يستمتع بحياته إلا إذا رضي الناس عن أدائه وأفعاله، فبقدر تفاعل الأشخاص على منشوراته تتحدد نسبة سعادته وللأسف يقع أبناؤه وزوجته ضحية هذا السخف المتوارث، بل ويتفاقم الأمر إلى العبث بإيمانه عندما يظن نفسه معصومًا من الوقوع في الخطأ، مما يؤدي إلى عدم الإيمان بما يصنعه القدر!


اقرأ أيضًا: مطلوب عَين مُحِبٍّ


ويجب أن نتطرق إلى حلول لتلك الأزمة والتي تكمن في الأسرة؛ الأم والأب اللذان لطالما يعقدان المقارنات بين طفلهما وبين زميلته ابنة الجيران التي تفوقت عليه في مسابقة أو امتحان ما يجعله غير راض عن نفسه، بل ويصاب بالاكتئاب بالرغم من صغر سنه!

والخلاصة، ينبغي أن نترك أنفسنا إلى الطبيعة لتتفاعل معنا ونتفاعل معها في حدود قدراتنا وأن نعطي للخطوة الأولى حقها، وأن نؤمن أن الكمال لله وحده، وأن نكف عن إخفاء الأخطاء التي نرتكبها لأنها خارجة على إرادتنا، ببساطة، اسعَ لتتميز لا لتسيطر.