بنفسج

من معاني السعادة: استمتع باللحظات كما هي

السبت 22 اغسطس

ربما نبحث عن السعادة فيما تتمناه أنفسنا، في تفاصيل أفكارنا ومشاعرنا الخجولة، ونبقى على هذا الحال، نتمنى ونعافر الدنيا حتى تتحقق اللحظات التي رسمناها في دواخلنا، بينما قد تكون السعادة الحقة في أن نستمتع بما ستقدمه الدنيا لنا، أن نعتبر أنفسنا أمام كرة الحظ تعطينا ما لم نتوقعه، فنتحمس للفكرة، ثم نسعد بها، لأنها حملت لنا ما هو جديد عن نطاق تفكيرنا المحدود، نشوة التشوق لما هو مجهول وحدها تشكل سعادة كبيرة للإنسان.

كنت أظن أن سعادتي كلما جلست في البيت مدة أطول، لكنني اكتشفت أن السعادة في ما أصنعه داخل البيت، طريقة تعاملي مع وقتي داخل البيت هي التي تشكل الفرق، فوقت ثمين وهادىء مليء بالسكينة، حتى وإن كان ساعة واحدة.
ساعة واحدة، تأكل فيها ما تحب، وتشاهد، أو تقرأ ما تحب مع فنجان، أو كأس مما تفضل، تجالس من تحب، تشعرهم بحبك ويشعرونك، كل ذلك بدفء منزلي، وما أجمل قوله عليه السلام: (من بات آمنًا في سربه مُعافى في بدنه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدُنيا بحذافيرها).

أحب الهدوء، وأكره أن يكون لدي التزام بوقت محدد كما يحصل لنا أيام الدوام، أريد أن أفعل، لا لشيء، وكل شيء، وقتما أرغب، أشاهد ما أريد دون حساب الزمن، أقرأ وأقرر السهر على القراءة، فأفعل، فلا يوجد ما يخرجني من المنزل غدًا، أحب أن أكون في بوتقتي هذه.

كنت ما أن أخرج من البيت حتى أبدأ العد التنازلي للعودة إليه، وأشعر كأنني سمكة خارج الماء شارفت على توديع الحياة، ولكنني بدأت أفكر، لماذا أفعل ذلك؟ ما هي السعادة التي تنتظرني في المنزل؟ صحيح أنني شخصية تحب العزلة، والبيت لدي أفضل مكان ولا أمله وإن ملني، ولكنني قررت أن أستمتع باللحظات كما هي، أن أعوّد نفسي الاستمتاع خارج المنزل كداخله تمامًا، لا لشي سوى أنني أصبحت كمن يستنفر للحرب أجمع كل خروجاتي الضرورية يومًا واحدًا أسبوعيًا.

أخرج في حرب وأعود في حرب، وإن هاتفني من يدعوني لوليمة كان كمن يعاقبني، كل ذلك لأنه سيخرجني من البيت، ما هذا السر في الجلوس في المنزل الذي يدفعني لهذا الجنون، ربما لأنني أحب الرتابة، أحب الهدوء، وأكره أن يكون لدي التزام بوقت محدد كما يحصل لنا أيام الدوام، أريد أن أفعل، لا لشيء، وكل شيء، وقتما أرغب.

أشاهد ما أريد دون حساب الزمن، أقرأ وأقرر السهر على القراءة، فأفعل، فلا يوجد ما يخرجني من المنزل غدًا، أحب أن أكون في بوتقتي هذه، فأنتقي أفكاري، أقطرها، أغربلها، أصفيها، فأخرج بما يجعلني أنسانًا أفضل كما حصل معي يوم قررت كتابة هذه الكلمات، مع وضوح الحب للبيت في سطوري الأخيرة، ودفاعي المستميت عن وجة نظري البيتوتية، إلا أنني قررت أن أكون أقل عنفًا تجاه نظريتي البيتية، وأن أسمح لنفسي بأن أستمتع بالأيام التي يكتب لي أن أكون خارج البيت فيها، وأن أقول لنفسي، وأظنها ستقتنع، ماذا يوجد في المنزل؟

أنا أحب الحياة، أحب الله أحب الناس، وكل ما حولي، ولا زالت لدي طاقة للسعادة، بالرغم من كل ما مررت به، فوجد أن ما أمر به ما هو إلا مؤقت، وهو أفضل من واقع الكثير من مساكين هذه الأرض.

ما تفتقدينه من أجواء منزلية ستأتي له أيامه، وكما أن هناك أيامًا للخروج الكثير، هناك أيام سيطول فيها المكوث ويطول، رغم أنني مهما طال، لا أشبع منه، المهم أنني سأتغلب على هذا الطبع الذي لم أحب في نفسي وسأحب الخروج إذًا، أو التوازن بينهما، فالتوازن زينة الأمور كلها!

كنت أكثر الشكوى، عن حيثيات ومجريات أيامي، وأعتبر أن ما يحصل لي كثير، ثم أكتشف أنني لم أر شيئًا بعد، وهكذا حتى زارني أسبوع من أسابيع جهنم. منذ ذلك اليوم، شعرت أنني منذ سنوات أنتقل من السيء إلى الأسوء منه، ثم أعود من الأسوء للسيء على أحسن حال، ولا أنتقل أبدًا لحالة الرخاء بعد الشدة التي أنتظر، وكأنني في حلقة مفرغة، الحمد لله.

ذات يوم وسعت نطاق تفكيري في الأمر، ورأيت أن من يمر بمثل حالتي هذه، يقرر أن لا يحلم أبدًا، وتصبح الأحلام لديه والأمنيات كابوسًا يخشاه النائم، فهو كالذي يحمل ثقلًا، فلا يستطيع النظر أبعد من موطئ قدمه، لم أرغب أن أكون هذا النوع من البشر، فأنا أحب الحياة، أحب الله أحب الناس، وكل ما حولي، ولا زالت لدي طاقة للسعادة، بالرغم من كل ما مررت به، فوجد أن ما أمر به ما هو إلا مؤقت، وهو أفضل من واقع الكثير من مساكين هذه الأرض.

والأهم أن ذلك الأسبوع الجهنمي وغيره من الأيام السوداء السابقة التي مررت بها قد مضت، فشعرت أنني لكي أحيا بشكل سليم، والأهم بروح سليمة، علي أن أذكر في كل يوم أنني في سعادة كبيرة لمجرد أنني لست في تلك الأيام الجهنمية السوداء، وأستشعر كل لحظة سعادة في يومي مهما كانت بسيطة، لأنها على الأقل ليست تلك الأيام المرعبة.

وبعد جرعة التأمل تلك، أضع الأمنيات الصغيرة أمام ناظري، وأبتسم لها رغم بعد تحققها وصغرها، وكأنها طفل صغير أراه بعيني كبيرًا، قد تخرج وتزوج وأنجب واطمأننت عليه حقًا. أرى أن هذه الأمنيات البعيدة قادمة فأربت عليها وأضمها وأخفيها في صدري، إلى أن تتحقق في يوم ليس ببعيد، وحتى عندما يأتي يوم الفرج العظيم الذي ينهي جهنمية أيامي، سأبقى أذكر كل تلك التفاصيل الصغيرة التي تجعلني أستشعر كل سعادة صغيرة، وأحمد الله لأني لم أعد في الأيام العقيمة تلك.

للسعادة أشكال كثيرة، وجدت أن كلها يخرج من داخلنا، فدواخلنا هي التي تزين الواقع مهما كان صعبًا، وتزيد من جماله، وتزيد من استشعارنا قيمته إذا كان جميلًا بالفعل، على هامش خواطر السعادة هذه، نلاحظ أنه من الجميل بين الحين والآخر، أن نخاطب أنفسنا خطابًا لينًا، لنغير ما لم يعد يعجبنا فينا، أو حتى أن نقنع أنفسنا بطباع راقية أكثر من التي نمتلكها، فتغير الأفكار والأحوال، كأي تغيير في الحياة، يضفي لأيامنًا حماسًا جديدًا ويشعرنا أكثر وأكثر، بأننا لا زلنا على هذه الأرض بأرواحنا وأجسادنا لا بأجسادنا فقط.