بنفسج

الأكاديمية انتصار العواودة: صوت المعرفة خلف القضبان

الأحد 14 سبتمبر

الأسيرة انتصار العواودة
الأسيرة انتصار العواودة

منذ السابع من أكتوبر عام 2023، صعّد الاحتلال الإسرائيلي من سياساته القمعية بحق أبناء الشعب الفلسطيني، ومنها الاعتقالات الهوجاء بحق الجميع، ولم تُستثنَ النساء من ذلك، بل طالت هذه الحملة طالبات جامعيات وأكاديميات وأمهات وناشطات مجتمعيات. جاء اعتقال النساء بصورة قمعية وهمجية، كما عمدت إدارة سجون الاحتلال عبره إلى حرمانهن من حقوقهن الأساسية، فعرّى ذلك الاحتلال ومن يدعمه أمام زيف ادعاءاتهم بالديمقراطية وحرية الرأي وحقوق الإنسان والمرأة! إن غالبية الأسرى والأسيرات يُحاكمون بناءً على آرائهم الشخصية التي نشروها عبر منصاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، ما يعكس منهجيةَ الاحتلال في استهداف الصوت الفلسطيني أينما كان وكيفما جاء.

الأسيرة انتصار طالب جبر عواودة مواليد 7 تشرين الأول/أكتوبر 1973، تبلغ من العمر (52 عامًا)، من قرية كرمة قضاء دورا جنوب الخليل. تحمل شهادة الدكتوراه في الإدارة التربوية من الجامعة الأردنية في عمّان، وتشغل منصب محاضِرة في جامعة الخليل. تُعد مرجعًا معرفيًا وثقافيًا لكل من حولها نظرًا لسعة اطلاعها وغزارة معرفتها في مختلف المجالات. اجتماعيًا، تتمتع بشعبية واسعة وتقدير كبير من المثقفين في المجتمع العربي عامة، بحسب عائلتها. وعلى المستوى العائلي، هي الابنة التي بقيت في بيت والديها، وكانت تؤدي دور الأم بعد رحيلها، إذ تجتمع العائلة من إخوة وأخوات وأحفاد في بيتها.

من محطة الاعتقال إلى محطة الجحيم: المسكوبية

الأسيرة عواودة تتعرض للضرب.jpg

يوم 13 أيار/مايو 2025، تلقت الدكتورة انتصار اتصالًا من ضابط الاحتلال للتأكد من وجودها في المنزل. وبعد لحظات، اقتحم الجنود المنزل. تعرضت للضرب خلال عملية الاعتقال، وصودرت منها الهوية وهاتفها المحمول والحاسوب الشخصي، إضافة إلى بعض المقتنيات الخاصة. كما لم يُسلّم لها ورقة "أمانات"، ما أدى إلى فقدان بعض متعلقاتها الشخصية.

أكدت عواودة أنها تعاني من مشاكل صحية في العمود الفقري والجهاز الهضمي والقلب، وتحتاج إلى متابعة طبية غير متوفرة داخل السجن، في وقت تتفاقم فيه الظروف المعيشية القاسية من انسداد في المجاري، تراكم النفايات، انتشار الحشرات، ورداءة الطعام. وأشارت إلى أنها فقدت أحد عشر كيلوغرامًا من وزنها منذ اعتقاله. 

نُقلت إلى سجن المسكوبية حيث خضعت لتحقيق استمر 22 يومًا في ظروف صعبة، ثم جرى احتجازها لثلاث ليالٍ في سجن الشارون خلال فترة العيد، قبل أن يتم تحويلها إلى سجن الدامون. وقد وجّهت لها سلطات الاحتلال تهمة "التحريض" عبر منشورات على موقع فيسبوك.
آخر جلسة محكمة لها كانت في شهر أيار/مايو، حيث رفضت النيابة طلب محاميها بإخلاء سبيلها، وجرى تأجيل المحاكمة حتى تاريخ 23 تشرين الأول/أكتوبر 2025.

شهادات الأسيرة من داخل الدامون

انصتار عواودة مع أمها.jpg

زارها المحامي حسن عبادي مرتين، إضافة إلى زيارة محامٍ آخر. ننقل من خلالها شهادات مفصلة عن معاناتها اليومية وظروف اعتقالها. تحدثت د. انتصار عواودة عن القمع المستمر الذي تتعرض له الأسيرات، حيث يُحرمن من "الفورة" لفترات طويلة ويقتصر الأمر على السماح لهن بالاستحمام في وقت محدود وسط صراخ وتهديدات متواصلة.

روت الأسيرة عواودة شهادتها حول حادثة وقعت بتاريخ الرابع والعشرين من حزيران/يونيو 2025، حين اقتحمت قوات السجن القسم برفقة كلاب بوليسية، وأُجبرت الأسيرات على التفتيش العاري وإبقائهن مكلبشات على الركب في ساحة السجن، فيما رُشّت غرفتان بالغاز المسيل للدموع، ونُقلت خمس أسيرات للتحقيق وتعرضن لتهديدات بالاعتداء الجنسي وإهانات لفظية بذيئة.

أكدت عواودة أنها تعاني من مشاكل صحية في العمود الفقري والجهاز الهضمي والقلب، وتحتاج إلى متابعة طبية غير متوفرة داخل السجن، في وقت تتفاقم فيه الظروف المعيشية القاسية من انسداد في المجاري، تراكم النفايات، انتشار الحشرات، ورداءة الطعام. وأشارت إلى أنها فقدت أحد عشر كيلوغرامًا من وزنها منذ اعتقالها، ووصفت الغذاء المقدم لهن بقولها إن "الأكل بنحّف"، في إشارة إلى رداءة الوجبات وتركيبتها غير المناسبة للحاجة البشرية.

إلى جانب ذلك، تحدثت عن النقص الحاد في الملابس والأغطية، مشيرة إلى أن الأسيرات يضطررن إلى ابتكار وسائل بدائية لترميم ملابسهن، إلا أن هذه المحاولات غالبًا ما تُصادر خلال عمليات القمع. كما لفتت إلى قلة عدد المصاحف في القسم، ومعاناة الأسيرات من ضيق الغرف وحرارة الألبسة التي تُجبرهن الإدارة على ارتدائها. رغم قسوة الظروف، شددت عواودة على قوة وعزيمة الأسيرات اللواتي وصفت قلوبهن بأنها “مفعمة بالحب والرضا رغم المعاناة”، وأضافت أنها تشتاق لعائلتها وتدعو لهم باستمرار في صلواتها.

العائلة في مجابهة الغياب القسري

انتصار عواودة في مقابلة .jpg

إن خبر اعتقالها كان بمثابة فاجعة لعائلة الدكتورة انتصار عواودة، وإن لم يكن الفعل في ذاته مستغربًا من قبل الاحتلال. تقول شقيقتها "نظمية" إن غيابها ترك أثرًا كبيرًا في البيت والعائلة، حيث لم يعد المنزل كما كان، حتى إن بعض الإخوة والأخوات لا يزورون البيت في غيابها. كما عبّرت العائلة عن قلقها الشديد على صحتها وحياتها في ظل هذه الظروف العصيبة.

في مراسلتنا للأستاذة والأسيرة المحررة لمى خاطر، لتحدثنا عن الأسيرة د. انتصار عواودة، قالت: "الأخت انتصار العواودة من الشخصيات المبدئية ذات التأثير في محيطها، وخطابها الفكري والسياسي دائمًا يناصر الحق وينحاز للثوابت، وتعبر عن أفكارها بلغة رصينة واضحة، لا تجامل أحدًا على حساب المبادئ.. ومواقفها الجريئة الثابتة كانت سببًا في استبعادها من التدريس في أكثر من جامعة بتوجيه من أجهزة السلطة، ثم ها هي اليوم تدفع ثمن مواقفها وجهرها بكلمة الحق باعتقال الاحتلال لها وتغييبها في زنازينه، بعدما صار هذا المحتل يرتعد من الكلمة ويخشى من أثره".

إن اعتقال الأسيرة الأكاديمية انتصار عواودة وما تتعرض له من ظروف قاسية وغير إنسانية برفقة أكثر من خمسين أسيرة أخرى، يمثل انتهاكًا صارخًا على مختلف الأصعدة، ويكشف مجددًا سياسة الاحتلال الإسرائيلي في استهداف المرأة الفلسطينية ودورها الريادي. كما أن شهادتها حول القمع والظروف المأساوية في سجون الاحتلال تفرض على المؤسسات الحقوقية والإنسانية تكثيف الجهود لمتابعة قضايا الأسرى والأسيرات في سجون الاحتلال الإسرائيلي.