كيف ستكون التجربة التالية بعد النجاة؟ بعد أن هنأك العالم باستمرارية حياتك؟ بعد أن شهدت على مدافن الأحياء وخرجت منها؟ اليمامة، دون أن ننسى "أل" التعريف كما تُحب، عشتُ معها تفاصيل اعتقالها الأول، يوم جاءت إلى سجن الدامون برفقة أسيرتين أخريين، فأقبلت علينا بابتسامة مشرقة، لم تستطع بها أن تحجب تلألؤ عينيها، إذ كادتا تفيضان بالدمع.
أنا التي أعرف من تكون اليمامة؛ برقتها التي تخفي صلابة نادرة، وبعنفوانها الذي جابهت به السجّان في أصعب اللحظات وأحلكها ظلمةً. نجونا معًا من قسوة التجربة الأولى يا حبيبتي، ويراودني سؤال الآن: هل تحملين اليوم ذات العنفوان؟ ذات الصبر والتصبّر أمام اعتقالٍ جديد؟
حبيبتي اليمامة، هذه ليست حكايتكِ وحدكِ، بل حكاية كل من عرفكِ وعاش معكِ تفاصيل الأسر والحرية. أخواتك اللواتي عشن معك في ذات الزنزانة، تشاركنا دقائق الزنزانة وأهديناها لبعضنا بحسب حاجة كل منا..! تقاسمنا معاك فتات الطعام، لحظات الاشتياق، ساعات القلق، أصوات الألم..!
نحن من تنفسنا معكِ أولى لحظات الفرج، ما زلنا نحمل من تجربتكِ ما لا يمحى. قصتكِ امتزجت بقصصنا، وصارت جزءًا أصيلًا من ذاكرتنا. وهنا لك بعض من أصوات أخواتك عنكِ ورسائلهن إليكِ، من قلوب ما زالت على العهد معكِ، آلمها خبر اعتقالكِ كما لو أن القيد قد طوّق أيديهن قبل أن يكبل يديكِ.
حبيبتي اليمامة، هذه ليست حكايتكِ وحدكِ، بل حكاية كل من عرفكِ وعاش معكِ تفاصيل الأسر والحرية. أخواتك اللواتي عشن معك في ذات الزنزانة، تشاركنا دقائق الزنزانة وأهديناها لبعضنا بحسب حاجة كل منا، تقاسمنا معاك فتات الطعام، لحظات الاشتياق، ساعات القلق، أصوات الألم..!
تقول الأسيرة المحررة رغد مبارك عن اليمامة: "كانت كل يوم بمجرد ما تعتم ويضووا أضوية الساحة إلها صفنة، نص ساعة تقريبًا بتفاصيل الساحة وبوابات الغرف، تستحلي المنظر وتمدحه، يمكن هي الوحيدة اللي تشوفه هيك، وهاد طبع عندها مش بس بهاد الموقف "استحسان واقتناص الجميل من كل تجربة" كانت تنادينا نحفظ معها التفاصيل، عشان بس تطلع تصمم السجن بمشروع تخرجها، وفعلا مجرد ما طلعت بلشت تحول حلمها لحقيقة، وتشتغل ع فيديو 3D ، عشان تستكمل متطلبات التخرج من تخصص الجرافيكس.
بس التنغيص ماكان بس بفترة الاعتقال، ضل تضييقهم وراها على مدار الفترة اللي بين الاعتقالين، في 20 مايو اقتحمو بيتها، وما طلبوا غير اللابتوب، صادروه وكأنهم مستقصدين تنغيص فرحة تخرجها ودفنها، قبل مناقشة وتسليم المشروع بفترة صغيرة.ما استسلمت ورجعت من الصفر اشتغلت عالمشروع، وكانت مناقشتها مفروض تكون بعد ١٠ أيام، بس كعادة إيد الغدر، خطفتها من نص حام التخرج وحضن أهلها من يومين.على يقين إنها قوية وإيمانها حديد وعزيمتها رح تطلعها من هاي التجربة أصلب وأقوى،وترجع تكمل حلمها وتبدع فيه".
وتقول الأسيرة المحررة براءة فقها من طولكرم عن رفيقتها: "اليمامة محبوبة من الجميع ومتفق على قربها من البنات ولو ما جمعها معهم إشي شخصي، كانت دائمًا تعطي تفاؤل وجو إيجابي للأسيرات في وقت كانوا بحاجة ملحة لهذا الشيء". وبعد رفقتها معها تقول الأسيرة المحررة وفاء نمر: "عشت مع اليمامة في غرفة رقم 10، أول ما دخلت الغرفة غيرت جو الغرفة بطريقة غريبة بنت قوية للحق، فاهمة الدين صح مثقفة بطريقة راقية مرحة والكل كان قريب منها، أثرت فيا بطريقة كثير إيجابية".
"خفيفة الظل، الرقيقة، الابتسامة مرافقة دائمة لوجهها. دائمًا ما تملك تعليقًا ساخرًا يحول أي موقف مزعج إلى غرفة ممتلئة بالقهقهات.. أذكرها في الساحة وهي تتنقل لتحيي الأسيرات، سرعتها خاطفة وكأنها تطير.. (كل ما أشوفها بحسها طولت بزيادة) حضرنا أحد محاكمتنا الشكلية في الإداري سويًا وتمددنا نحن الاثنتين، وعدنا إلى الأسيرات نضحك، متأكدين يومها أن الصفقة باتت قريبة"، هذا ما قالته الأسيرة المحررة هديل شطارة من رام الله.
أما الأسيرة المحررة شيماء رواجبة فتقول: "اليمامة اسمها لحاله بيفتح جوّا القلب دفا وحنين، كانت الأقرب إلنا، الأحنّ علينا، واللي دايمًا تسبق الكل بالمساعدة عنجد ما في كلمات توصفها. بالسجن، كانت مثل شعاع نور يبدّد عتمة الغرفة بكلامها البسيط وضحكتها الحلوة كانت تغيّر الجو الكئيب حوالينا كانت تلاحظ بسرعة مين زعلان أو متضايق و تخفف عنه وتدعم الكل بكل محبة..
تجربتي معها إلها طعم ثاني بأصعب أوقاتي وأنا مريضة وتعبانة كانت تدور على أي طريقة تخليني أرتاح عمرها ما خلّتني أحسّ إني ضعيفة بالعكس أسلوبها كان مريح بطريقة مختلفة عن الكل كانت دايمًا تحاول تسهّل عليّ وتخفف من وجعي. عمرها ما كانت تبين زعلها مهما تعبت أو ضاقت كانت تحاول تبين قوية قدّام الكل عشان تعطينا طاقة وصبر كانت مثال حقيقي للقوة والصلابة.. اليمامة كانت مش بس رفيقة سجن كانت أخت، كانت قلب وروح بحنيتها، بضحكتها، وبأفكارها الغريبة والمجنونة اللي كانت تغيّر علينا جو الأيام المملة.
والروتينية وبفضلها عرفت إنه القوة والحنان ممكن يجتمعوا بشخص واحد. أنتِ حاضرة دايمًا بدعائنا، دائما بالبال شو بتعملي هسا؟ لحالك ولا مع حد؟ كيف عم تعيدي تجربة الاعتقال مرة ثانية؟! بتمنالك تطلعي من هالمكان المظلم والظالم، وتضلي متل ما كنت ِحرّة، قوية، وضحكتك منوّرة متل الشمس".
وتقول علا جودة: "اليمامة من أقوى البنات يلي تعرفت عليهم بالسجن وأجدعهم، شخصية جدًا ذكية ونادرة من نوعها، ومع هيك فكاهية وخفيفة ظِلّ لدرجة لطيفة جدًا.. كان وجودها معي بالغرفة أحد الأسباب يلي هوّنت علي مرارة السجن ونسّتني آلامي، يمامة حدا جدًا قوي وصلب وبيخفي آلامه لدرجة إني عمري ما شفتها بتبكي، كانت شخص مواسي للي حواليه ومخفف عنهم دائمًا..".
"وتقول سجى معدي وهي أسيرة محررة من رام الله: "اليمامة الغالية كثير على قلوبنا من لما دخلت عنا على الغرفة صارت صديقتي الصدوقة ألطف وأحن قلب، أكثر إشي كانت تحبه الأشعار وحافظة كثير أبيات، أكثر إشي كان بضحكنا وإحنا بنصلي، بمجرد ما سلمنا على طول اليمامة تبلش تقول ببيت شعر تكون تذكرته جديد وبدون أي مقدمات، هاي التفاصيل كانت تخفف عنا كثير. "
وقالت الأسيرة المحررة حليمة عمارة: "اليمامة التي لها من اسمها نصيب، خفة حضور وأثر باقٍ كأثر الفراشة الذي لا يزول خمسة أشهر عشتها مع اليمامة في نفس القسم وأحلك الظروف غدت أخف بوجودها".

