يتعرض الكثير من الأشخاص خلال حياتهم لأنواع مختلفة من النكسات والضغوط والصدمات، ويتباين تأثيرها عليهم من شخص لآخر؛ هناك من يتجاوزها دون صعوبات تذكر، وهناك من يصاب بالصدمة النفسية. والصدمة هي استثارة كبيرة لا يستطيع الدماغ تقبلها بصورة طبيعية ، فيفرز هرمون الكورتيزون بصورة كبيرة جدًا لعجزه من التعامل مع هذا الحدث الضاغط، وتأتي الصدمة النفسية مصاحبة لعدة أعراض تؤثر على حياة الشخص وعلاقاته وتواصله مع ما حوله.
في البداية يكون الشعور بالصدمة لدى المصابين شيئًا طبيعيًا نتيجة لما تعرضوا له، ولكن تكمن المشكلة في استمراريتها ومنعها من عودتهم لحياتهم الطبيع، وهذا يتطلب طلب المساعدة النفسية لاجتياز تلك المرحلة، وحتى لا يبدأ بالإصابة باضطرابات نفسية أشد تعقيدًا كاضطراب ما بعد الصدمة PTSD.
اضطراب ما بعد الصدمة
اضطراب ما بعد الصدمة PTSD هو تجربة مخيفة قريبة من الموت،وتشكل تهديدًا للحياة، أو لشخص آخر قريب منه ، وذلك الإيذاء نتيجة لكوارث طبيعية، أو كوارث من صنع الإنسان، أو فقدان أهله جميعًا أمام عينيه، ويصنف المصابين به عندما تستمر الأعراض لأكثر من شهر بعد وقوع الحدث الصادم. وللبعض الآخر بعد سنة كاملة، بما يسمى البداية المتأخرة.
ومن رحمة الله سبحانه وتعالى أن جعل المصابين باضطراب ما بعد الصدمة بسبب الكوارث الطبيعية هي أقل نسبة من المصابين 2.3%، بعكس من تعرض للخطف 53.8%.
اضطراب ما بعد الصدمة PTSD هو تجربة مخيفة قريبة من الموت،وتشكل تهديدًا للحياة، أو لشخص آخر قريب منه ، وذلك الإيذاء نتيجة لكوارث طبيعية، أو كوارث من صنع الإنسان، أو فقدان أهله جميعًا أمام عينيه، ويصنف المصابين به عندما تستمر الأعراض لأكثر من شهر بعد وقوع الحدث الصادم. وللبعض الآخر بعد سنة كاملة، بما يسمى البداية المتأخرة.
ومن رحمة الله سبحانه وتعالى أن جعل المصابين باضطراب ما بعد الصدمة بسبب الكوارث الطبيعية هي أقل نسبة من المصابين 2.3%، بعكس من تعرض للخطف 53.8%، على سبيل المثال. تتساءلون وكيف هذا؟ أجيبكم، لأن الكارثة الطبيعية تحصل لجميع الناس بنفس الطريقة في وقت واحد، فيعلم الجميع أنهم كلهم منكوبين ويتشاركون بنفس الفقد والطريقة، ويردد كل واحد بلسانه أن مصيبته مثل مصيبة غيره. فيحدث نوع من التعاون والتلاحم والترابط بين الناس لسد احتياجات بعض ومساندة بعضهم.
اقرأ أيضًا: الأعراض والمسببات وبرتوكول العلاج
ونصيحة لكل من يعمل بالمجال النفسي لا تنتظر حتى تأتيك الحالة وتطلب العلاج بنفسها، بل عليك إن علمت بطريقة غير مباشرة عن إصابة: قريب أو متطوع أو منقذ ، قدم يد العون بسرعة، فالتدخل المبكر قد يمنع الناس من الإصابة بالـ ptsd عليك بالتدخل الفوري ما أن ترى تلك الأعراض كنوبات الهلع، وكوابيس، واضطرابات النوم، والفلاش باك،والصور الاقتحامية لمشاهد قديمة لا يستطيع النوم بسببها، فبالتدخل السريع يمكن أن تقل الأعراض وتتحسن حياة هؤلاء المنكوبين ويقويهم.
وهناك مقاييس عربية متوفرة لقياس اضطراب ما بعد الصدمة PTSD وهو عبارة عن ثمانية عشر سؤالًا، خلال عشر دقائق تستطيع تحديد إن كان هذا الشخص مصابًا باضطراب ما بعد الصدمة أم لا، أو حتى إن كان سيعاني منه قريبًا.
من هم أولوية الأخصائي النفسي والأكثر احتياجاً لتدخله بالعلاج ؟
| أولًا: الشخص الذي يشعر بالحزن الشديد مما منعه من مواصلة حياته العامة، لا يستطيع العمل أو يخرج من بيته، لمدة أسبوعين، وهذا ينبغي التدخل لعلاجه.
| ثانيًا: الشخص الذي لا يستطيع نسيان ما مر به بعد مرور أكثر من أسبوعين، فيعاني دائمًامن فلاش باك، وتبقى موجودة في ذهنه،اضافة إلى الكوابيس، واضطرابات النوم.
| ثالثًا: الشخص الذي لا يستطيع إعطاء المشاعر الطبيعية تجاه الآخرين حوله ، وأن يعتني بأولاده وأهله كما يجي وينعزل بدلاً عن ذلك .
| رابعًا: الشخص الذي يكرر إنه لم يعد يهمه حياته ، وأنهيفضل الموت ، ولديه أفكار انتحارية وخاصة لمن فقد أهله، ويرغب بالتخلص من عذابه وألمه النفسي الذي يعانيه.
| خامسًا: الأشخاص الذين يلجأون للأدوية والمخدرات والكحول لتهدئتهم ليستطيعوا النوم.
علينا كمتخصصين في المجال النفسي تصحيح المعتقدات والأفكار الخاطئة التي يعتقدها بعض من تعرض لنكبات وأزمات في حياته، تجد الكثير منهم يأتي ويسألك هل ما تعرض له بسبب ذنب فعله؟ أو لأنه عاص وبعيد عن ربه وغير متدين، وهنا علينا أن نعطيه وصله إدراكية فقط.
فدورنا كمعالجين لا يعطينا الحق بالفتوى، فهذا ليس تخصصنا، ولا نعطي أيضًا رأيًا عاطفيًا ، فنقول له مثلًا: وأنت ماذا تعتقد هل تظن أن هذا الزلزال عقاب من الله؟ وهل تعتقد أن كل من تعرض لتلك الكارثة الطبيعة مذنبين حقًا أم فيهم الخيرين؟ هذه الأسئلة تجعل الشخص المنكوب يعيد ويفكر بمعتقداته ويغير من تفكيره السلبي وهذه هي الوصلات الإدراكية.
نحن لسنا فقهاء أو مشايخ أو محققين و قضاة، نحن موجودون فقط لمساعدتهم وتحسين أحوالهم النفسية ليعودوا لطبيعتهم، وتقويتهم ليستطيعوا اتخاذ قراراتهم بأنفسهم واجتياز الأزمة التي تعرضوا لها ،لذا إياكم أن تقعوا في الفخ حين يعودوا إليكم كمرجع لاتخاذ قرارات مصيرية تخص حياتهم وتقرروا بدلًا عنهم، نحن فقط علينا تقويتهم وتأهيلهم ليتخذوا قراراتهم بأنفسهم.
كيف تساعد المنكوبين؟
| إدراك الاختلاف في ردود الفعل: هناك منكوبون يشعرون بالغضب والحزن وهذه مشاعر من حقهم، بعكس البعض الآخر الصابر المحتسب، فليس كل الناس يتشابهون بمقدار الصبر والإيمان بنفس القوة، وأكبر فاجعة تعرض لها المسلمون حتى يومنا هذا هو موت النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ولنا في ردود أفعال صحابته العظة والتدبر لنعلم كيف يختلف كل منّا بالتعامل مع مصيبته.
فهذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه ثابت هادئ ويؤكد نبأ موت النبي للناس، على عكس من عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، الذي رفض عقله موت النبي وفقد صوابه بل، وأخذ يتوعد ويهدد كل من ينشر النبأ برغم معرفتنا قوة وبأس شخصية الفاروق، فما بالكم بالناس العادية قليلة الالتزام. لذا علينا فهم اختلافاتنا وردود أفعالنا تجاه ما نتعرض له من مصائب، وهذا الاختلاف هو ما يميز كلا منّا عن الآخر.
اقرأ أيضًا: العلاج النفسي لأطفال ما بعد الصدمة
| الانتباه للحزن الذي يصيبهم: انتبهوا للحزن الشديد الذي يصيب بعض المنكوبين، فهناك من يموت لعدم تحمله المصائب، والأمثلة قديمة منذ عهد النبي حين مات بعض الصحابة حزنًا لوفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وأحيانًا الغضب أو الحزن الشديد يرتبط معهما كآبة شديدة، فتسبب موت المنكوب، خاصة لكبار السن إن فقدوا شركاء حياتهم في الأزمة التي تعرضوا لها. والعلاج هو مضادات الكآبة التي من الممكن إنقاذ هؤلاء لو أعطيناها لهم بصورة مبكرة .
| ترك المصابين للتعبير عن مشاعرهم: علينا إعطاء المنكوبين الوقت ليعبروا فيه عن مشاعرهم، وعدم الضغط عليهم حتى يعودوا لصوابهم، خاصة حين يكونوا مصابين بكآبة شديدة تجعلهم يفقدون اتزانهم بسبب بعض الأفكار الإلحادية، حينها علينا فقط مساعدتهم بالتخلص من تلك الكآبة حتى لا يسبب الأذى لنفسه، وخاصة إن كان قد فقد أفراد اسرته أو بعضهم. وأذكّر مجددًا أننا لسنا مشايخًا، بل معالجين وأخصائيين نفسيين دورنا هو مساعدة هؤلاء المنكوبين واعادتهم لاتزانهم النفسي مجددًا.
ما هي طرق العلاج من اضطراب مع بعد الصدمة؟
هناك أنواع للمنكوبين : الأول يرغب ويتقبل منّا العلاج والدعم النفسي، والثاني يكون hyperarousal غضبان، ومتهيج عنده استثارة شديدة وهنا علينا أولًا أن نستخدم معه "اليقظة الفكرية"، وتمارين التنفس حتى تهدأ الحالة ونبدأ علاجها. والثالث يكون hypoarousal لديهم نقص بالاستثارة، كآبة، لا يوجد دوافع، يعاني الخدران بالمشاعر، هؤلاء نستعمل معهم أيضًا "اليقظة الفكرية" وتمارين التنفس، مع تمارين المشي والحركة لإخراجهم من جمودهم ونبدأ بالعلاج.
| اليقظة الفكرية Mindfulness: ونستعملها في الجلسات مع الناجين الذين يشعرون بالقلق والخوف، ونعلمهم كيفية استخدامها ليطبقوها على أنفسهم كلما شعروا بالتهيج والضيق، وتجعلهم يعيشون بالحاضر دون التفكير بالماضي، واجترار الذكريات السيئة معه أو التفكير بالمستقبل بنظرة سوداوية.
مثال عليها: وفر ثمرة فاكهة مثلًا وأعطها للمنكوب، واجعله يتفاعل معها بحواسه الخمسة، اسأله ما لونها؟ فيستخدم بصره؟ ما هي ملمسها صلبة أو لينة؟ فيستخدم يديه للمسها. ما هي رائحتها؟ فيشم رائحتها بأنفه. ما هو طعمها حلوة أم لاذعة؟ فيستعمل حاسة التذوق، وباستعماله حواسه كلها يشعر بما حوله ويبدأ ذهنه بالشعور بالواقع والهدوء. اليقظة الذهنية هي ليست علاج بل تقنية يمكن أن استخدمها مع CPT EMDR.
اقرأ أيضًا: كآبة أم اكتئاب: مستويات للاضطرابات المزاجية
| تقنية الفلاش تكنيك Flash technique: وهي جزء من العلاج بحركات العين EMDR، ويمكن استخدامها مع الناجين من الكوارث والأزمات. وهو عبارة عن تكنيك يخفف من الأعراض التي تنتاب الشخص المنكوب كالخوف، واضطرابات النوم،و القلق الشديد،والصداع وغيرها ، و فوائدها تكمن في تقليل الاضطراب المرافق مع الأحداث المزعجة.
مثلًا تستخدم مع شخص عايش الزلزال والبنايات التي تسقط وصرخات الناس من الداخل، وطريقة استخدامها هي: في البداية نسأله أن يقيم هذا الحدث من عشرة لنعلم مدى قوته وسوءه لديه، ثم نسأله ما أكثر شي ضايقه؟ وأكثر صورة في ذهنه لا يحسن نسيانها؟ سيجيبك بحدث معين مثلًا فيقول لك كذا، ثم تجعله يقوم بوضع يديه متقاطعتين على صدره على شكل فراشة ، ويربت على كتفه بخفة ولطف وننتقل لسؤاله عن ذكرى سعيدة وما أكثر صورة وحدث كان يشعر فيها بالسعادة، فمثلا يجيبك بحدث جيد صار معه قبل تلك الكارثة، وينبغي أن تكون الذكرى قريبة ليتذكرها بسرعة.
مثال لذكرى سعيدة : خروجه في نزهة مع أولاده إلى الحديقة يحكيها لنا وهو ما يزال يربت بحنو على كتفيه، فتقول له أنت كلمة "فلاش" وقتها يرمش هو بعينيه ثلاث مرات، وتكون من البداية قد اتفقت معه حين يسمع منك هذه الكلمة أن يرمش بعينيه ثلاثًا ليعود لعقله تلك الذكرى السعيدة. كل ذلك وهو يحدثك وهو يربت على كتفيه، وأنت مستمر بإخراج الذكريات السعيدة من عقله وتثبتها بكلمة "فلاش"، وتنتظر أن يرمش ثلاث مرات بعيونه، وتكمل استخدام هذا التكنيك من عشر لخمسة عشر دقيقة. وكلها لتثبيت صور سعيدة فقط، نركز على أجمل ذكرياته. وبعدها تجعله يرتاح قليلا، ونرجع لسؤاله عن الصورة المزعجة، وكيف صار فيها بذهنه؟!
وغالبًا تكون النتيجة مذهلة أو مازالت تزعجه الصورة القديمة ولكنها دون مشاعر وألم ، وأن أثر تلك الذكرى ليس كالسابق بنفس الدرجة بل أخف بكثير. تحذير: علينا الانتباه حين نستخدم تقنية "الفلاش تكنيك" مع شخص منكوب وتذكر ذكرى سعيدة، ولكنها كانت مع الأسرة التي فقدها، فهذا قد يسبب ازدياد الحالة سوءًا وتهيجًا، لذا علينا حينها جعله يعطينا ذكرى أخرى سعيدة، بعيدًا عن الكارثة ومع أشخاص لم يفقدهم وما زالوا على قيد الحياة، حتى تعطي التقنية النتيجة المرجوة منها. ولا أبالغ إن قلت أن النتيجة دائمًا إيجابية ومرضية جدًا للمعالج والمريض.
علاج الأطفال في ظل الكوارث والطوارئ
التعامل مع الأطفال أسهل من الكبار، لأن أذهانهم أصفى من الكبار وعلاجهم أسهل، وخاصة بواسطة الاستثارة الثنائية لحركة العين EMDR وتكون النتائج مذهلة وسحرية. هناك عدة طرق لعلاج الأطفال المنكوبين.
| سؤالهم عن مخاوفهم: سؤالهم كيف هي نومتهم وأحلامهم؟ هل يعانون من كوابيس أم لا؟ خاصة أن الكوابيس هي تعطينا معرفة مما يخاف. شدة الكوابيس وطبيعتها هي ما تدلنا عن الحالة النفسية لهذا الطفل. ويمكن حضور أحد الوالدين بالجلسة ويكون الطفل بأحضانهم وهو يحكي عن مأساته ومخاوفه.
التعامل مع الأطفال أسهل من الكبار، لأن أذهانهم أصفى من الكبار وعلاجهم أسهل، وخاصة بواسطة الاستثارة الثنائية لحركة العين EMDR وتكون النتائج مذهلة وسحرية. هناك عدة طرق لعلاج الأطفال المنكوبين :
| مشاركة المشاعر معهم: هي يمكنك مشاركة الأطفال الجلوس على الأرض وجعلهم يحكون لك ما تعرضوا له ويعبرون عن مشاعرهم بحرية.
| تفريغ المشاعر بالرسم: إن كانوا صغارًا لا يحسنون الحديث، فما عليك سوى جعلهم يرسمون ليخرجوا كل مشاعرهم المكبوتة على الورقة، ومن خلال رسوماتهم ستتضح لك ما يعانونه من مخاوف لتستطيع علاجها.
اقرأ أيضًا: أنتم لستم وحدكم.. احتواء مجتمعي
| سؤالهم عن مخاوفهم: سؤالهم كيف هي نومتهم وأحلامهم؟ هل يعانون من كوابيس أم لا؟ خاصة أن الكوابيس هي تعطينا معرفة مما يخاف. شدة الكوابيس وطبيعتها هي ما تدلنا عن الحالة النفسية لهذا الطفل. ويمكن حضور أحد الوالدين بالجلسة ويكون الطفل بأحضانهم وهو يحكي عن مأساته ومخاوفه، وخلالها يكون الوالد يربت على ظهر طفله بحنان حتى ينتهي من كلامه فهي وسيلة طمأنينة، وتخفيف عن هذا الطفل المنكوب، وهي إحدى الطرق العلاج.
وأخيرًا، دعونا نحن المهتمين بالمجال النفسي، بمد يد العون واحتواء إخواننا المنكوبين في سوريا وتركيا. رحم الله من مات فقد انتقل إلى جوار رب رحيمن، وصبّرًا لمن فقد أحبابه ورزقه الصبر والسلوان.
