بنفسج

رمضان الغربة: خارجي الطقوس داخلي الروح

الخميس 23 مارس

هل يختلف رمضان في الغربة؟ يأتي رمضان محمّلًا بالكثير من البركة والسكينة، الكثير من الغفران والعفو المنشود. يأتي وله في قلب كلّ منّا الكثير من الحبّ والشوق والآمال والدعوات التي ادّخرناها لهذا الوقت من العام طمعًا في إجابة أسرع ربما، لكن هل تُفتقد هذه المشاعر إذا جاء رمضان علينا في مكان لا تُعلن فيه شعائر الإسلام جهرًا، فلا تسمع الأذان هناك، فتتذكّر أنّ الله أكبر كل شيء وكل ما سواه زائل، فيهون عليك ما استصعب عليك.

 كما أنّك ربما تكون الصائم الوحيد في مكان عملك أو دراستك، فترى حياة من حولك كما هي، لا تغيير، فالغداء في موعده والماء يشرب كلّما نبّه العطش. فيصبح رمضان معلمًا خاصًّا بك أنت وحدك، لا يشاركك فيه المحيط، إلًا أنّ نسائم رمضان يُرسلها الله في كلّ مكان، فما زلت تشعر بتلك السكينة التي تعمّ الفؤاد لا سيما مع وقت الفجر وما بعد العشاء.

هنا في الغربة لشخص وحيد، ربّما لا تبدو هذه الأجواء بتلك الإثارة. فلا أطعمة مخصّصة للسحور أو الإفطار، وأيضًا يُستغنى عن الزينة في غالب الحال ربما لضيق الوقت. كما اعتدنا على أنّ نضع المخططات للتقرب من الله، فمن كان له ورد من القرآن في غير رمضان، جعله اثنين، ومن كان لا يصلي الصلاة في وقتها، عاهد الله على أن يكون رمضانه بداية تغيير.

عادة لكلّ منا طقوس ثابتة لاستقبال رمضان، مهما توالت الأعوام نظلّ على ولائنا لها. فقبل رمضان بأيام، نبدأ نجهّز لرمضان، فنبتاع بعضًا من الأطعمة التي لا نتذّكرها إلّا في رمضان وكأنّها تصنع خصيصًا لهذا الشهر. هذا للسحور، وهذا لما قبل الإفطار. وربما أحطنا بعضًا من النوافذ والأبواب بزينة تدلّ على أنّ زائرًا محبّبًا قادم علينا.

هنا في الغربة لشخص وحيد، ربّما لا تبدو هذه الأجواء بتلك الإثارة. فلا أطعمة مخصّصة للسحور أو الإفطار، وأيضًا يُستغنى عن الزينة في غالب الحال ربما لضيق الوقت. كما اعتدنا على أنّ نضع المخططات للتقرب من الله، فمن كان له ورد من القرآن في غير رمضان، جعله اثنين، ومن كان لا يصلي الصلاة في وقتها، عاهد الله على أن يكون رمضانه بداية تغيير وإقبال على الله، كمّا نعدّ القوائم لما نودّ تغييره فينا للأحسن تحبّبًا إلى الله ورغبةً في القبول. وهذا يكون للمغترب منه نصيب أيضًا.


اقرأ أيضًا: أنهكتك شهور وأتى رمضان


غالبًا ما يرتبط رمضان في ذاكرة كلّ منّا باجتماع العائلة، وخصوصًا على مائدة الإفطار، وهذا ما يفتقده المغترب وخصوصًا إذا كان وحيدًا يجلس على مائدته وطبق طعامه وحيدين، ليس هناك من يشاركه الطعام ولا الكلام. وفي بلاد لا يُسمع فيها الأذان، يفتقد الإنسان لحظة من أكثر اللحظات شاعريّة ودفئًا، صوت عذب يذّكرك بالله، ويدعوك لكسر صيامك راجيًا قبوله، وإنّما عليه أن يتفقد ساعة هاتفه منتظرًا حلول الموعد المفترض لدخول وقت المغرب، ثمّ يسامره الشكّ في ما إذا كان هذا هو الموعد الحقّ، فيجود ببضع دقائق إضافية تشعره بالطمأنينة أنّه صام صيامًا تامًّا غير منقوص.

كلّ هذا يفعله وحيدًا بينما اعتاد أن يجلس على مائدة العائلة محوّطًا بوالديه وإخوته، فلذة الإفطار مع الجماعة لا تستشعرها وحيدًا مهما حاولت، كما أنّ شهيّتك للطعام وحولك أفراد عائلتك لا يمكن امتلاكها على مائدة لا تمتد لها يدٌ سوى يدك. ولكلّ منّا طقوسه التي يعتادها، فأحدنا يقضي وقتًا بعد المغرب يشرب فيه الشاي ويتسامر في الحديث مع العائلة ريثما يحلّ وقت العشاء، وأنّى لمغترب وحيد بجلسة كهذه، فهو يتناول فطوره ويمضي إلى غرفته، إمّا قاصدًا عملًا ينتظره، وإمّا معوّضًا حنينه بتلاوة قرآن أو جلسة دعاء.

ومن الأوقات المحببّة إليّ أيضًا، الوقت الذي يسبق الإفطار، وقت إعداد الطعام، فقد اعتدت على أن أمضي هذا الوقت برفقة أمّي في المطبخ، أساعدها في تحضير الطعام وتجهيز السلطة، وربما تحادثنا أو شاهدنا برنامجًا دينيًا أو سمعنا دعاءً أو بعضًا من آي القرآن. وهذا شيء أفتقده هنا، فأعود إلى البيت قبيل المغرب بقليل، أحضّر طعامي على عجل وهدوء ولربما حاولت أن أقلّد ما اعتدت عليه، فأشاهد حلقة من برنامج ديني أو أستمع لسورة من القرآن حتى يحلّ وقت الإفطار.


اقرأ أيضًا: إني أتاجر في النوايا.. وربحي غزير لو تعلمون


ولكن سبحان الله، حتى وإن بدا ذكر الله معدومًا حولك في مكان العمل، فإنّك إذا زرت المسجد، شعرت بتلك المشاعر الروحانيَة كما اعتدت دومًا، ولكم يسرّني مرأى الناس من أجناس كثيرة وبلاد مختلفة، يجمعهم الدين، فيقفون مصلين العشاء متبوعًا بالتراويح، وهنا تسري في الجسد راحة ومحبّة لا تؤخد إلّا بالصلة بالله. فلا أقول إلّا الحمد لله الذي جعلنا مسلمين ووهبنا هذه النعمة العظيمة، والحمد لله على وجود رمضان الذي نبتهج بقدومه أينما كنّا، ونحزن لفراقه إذ يمضي على عجل، فما أن يصل حتى يفارقنا!