بنفسج

"فشة غل": غضب يُفرغ في تكسير الأشياء

الثلاثاء 12 سبتمبر

كانت غاضبة جدًا، وصل ضبطُها الانفعالي إلى أقصاه، ولم تعد تحتمل، وجدت الجوال في يدها فرمته أرضًا، هل وحدها فعلت ذلك؟ كان متوترًا ووصله الخبر المعاكس لتمنياته، لم يجد بقربه إلا باب الغرفة فصفقه بعنف، ولم يكن الوحيد أيضًا، أنا لكمت الوسادة، هذه رمت كأسًا، ذاك ركل الكنبة، فإذا كنت تتصرفين بهذا الشكل أريد أن أقول لك: لست وحدكِ. أهذه مواساة أم تبرير لتصرفاتنا؟ لا هذا ولا ذاك، أنا سأخبرك لماذا نفعل ذلك.

طبيعة الحياة الإنسانية أنها مليئة بالإحباط، والإحباط أن يحدث ما يخالف توقعاتنا وتمنياتنا وجهودنا، لكنْ، ما خطورة الشعور بالإحباط؟ خطورته أنه الفتيل الأول الذي يشعِل نيران الغضب على اختلاف أنواعها، فعندما تُحبَطين لهبوط قالب الحلوى تغضبين، وعندما تُحبطين لأنك ضغطت: عدم الحفظ بدلًا من الحفظ فحُذف مشروعك البحثي تغضبين، إحباطك لأن خططك لنفسك أو لأسرتك لم تنجح أيضًا يشعرك بالغضب والتوتر، وفي لحظة إحباطك وارتفاع مستوى توترك هل يتسنى لك التعبير الصحي عن شعورك أو تفريغ انفعالاتك بشكل فوري؟

الغضب في المكان الخاطئ

 لأكون صادقة، فمعظمنا لا يحظى بفرصة مناسبة للتعبير عن غضبه، فمن جهة نحن مُطالبون بضبط انفعالاتنا في أغلب مواقف الحياة، وبالطبع هذا ليس عيبًا، إلّا أن ضبط الانفعالات لا يخلو من جانبٍ صعبٍ يتعلّق بأننا نفضِل أن نبدو ناضجين على أن نعبر بعفوية عن بشريتنا وشعورِنا بالغضب.
 
 ومن جهة أخرى فليس جميع من نغضب منهم يمكننا أن نعبر عن غضبنا تجاههم، وذلك لحساسية بعض العلاقات وضرورة المجاملات ولتفضيلنا -مرة أخرى- أن نظهر بهيئة المتسامحين والمسيطرين على أعصابنا.
لأكون صادقة، فمعظمنا لا يحظى بفرصة مناسبة للتعبير عن غضبه، فمن جهة نحن مُطالبون بضبط انفعالاتنا في أغلب مواقف الحياة، وبالطبع هذا ليس عيبًا، إلّا أن ضبط الانفعالات لا يخلو من جانبٍ صعبٍ يتعلّق بأننا نفضِل أن نبدو ناضجين على أن نعبر بعفوية عن بشريتنا وشعورِنا بالغضب، ومن جهة أخرى فليس جميع من نغضب منهم يمكننا أن نعبر عن غضبنا تجاههم، وذلك لحساسية بعض العلاقات وضرورة المجاملات ولتفضيلنا -مرة أخرى- أن نظهر بهيئة المتسامحين والمسيطرين على أعصابنا.

ماذا يحدث عندها؟ إنكار لشعورنا بالغضب، وادعاءٌ بأننا حليمون أو نفينا لكوننا انزعجنا أصلًا، ومن ثم تراكمات للمواقف المحبطة، وارتفاع لحمض الكبت والتناسي مقابل انخفاضٍ لسوية الصراحة والتجاوز الفعلي للمواقف، نحن بهذه الطريقة لا نحل المشكلة في حينها، وهي بدورها تتضخم بصمت فإذا صادف أن صدمَنا شخص دون قصد صرخنا في وجهه بجنون، وإذا جُرحت إصبعنا جرحًا طفيفًا ألقينا بنوبة غضبنا على الجميع سواء كانت لهم صلة بجرح إصبعنا أم لا.


اقرأ أيضًا: الاحتراق النفسي: تعريفه وأسبابه والتعافي منه


 ما نفعله ببساطة هو أننا نعاقب أشخاصًا آخرين بدلًا ممن أزعجونا، ونحملهم مَغبَة قرارنا بالظهور بمظهر الطيبين في موقف الغضب الحقيقي، والأمثلة لا حصر لها، فهذا يعود من عمله لينفث عصبيته في أولاده وزوجته، وتلك تنهال بغضبها على ابنتها على خطأ صغير بطريقة مُبالَغ بها، وذاك يتنمر على أصدقائه في الصف لعجزه عن قول رأيه أو أخذ حقوقه أو التعبير عن غضبه في المنزل، النتيجة أننا نوبخ مَن لم يذنب فنصبح بحدّ ذاتنا مذنبين، والأمر يشبه أن تطرد المعلمةُ الطالب المشاغب ثم توبخ زملاءه الذين ما يزالون في الصف، فلا هو وصلته النصيحة ولا هم اقترفوا ما اقترفه ليُحاسبوا عليه!

لماذا يختار البعض التعدّي على الأشياء؟

 
اتفقنا أن الإحباط والغضب لا بد منهما، واعترفنا أنه لا بد من ضبط انفعالاتنا فرفضنا للكبت لا يعني موافقتنا على إطلاق العنان لعصبيتنا بحيث ننفجر غضبًا طوال الوقت بحجة أن الكبت غير صحي، ولذلك يصبح التفريغ الانفعالي بالوسائل الصحيحة أولًا بأول بالتدريج واجبًا علينا.

بناء على ما سبق ولأن بعضنا يكرهون أن يحاسبوا أحدًا بجريرة أحد فإنهم يحذفون فكرةَ الغضب على الأشخاص ويختارون الغضب على الأشياء، ربما لإيمانهم أن الآخرين لا ذنب لهم أو لعجزهم عن حل مشكلتهم أو لخوفهم من مواجهة الأشخاص ذوي المنصب الأعلى في العمل والحياة، وعندها يطبقون المثَل القائل: (ما قدر على حماته قام لمراته)، العنف يتحول لسلسلة يوجهه الأقوى للأضعف، ولا ينتهي بل يطال الأشياء والحيوانات التي لا تستطيع الدفاع عن نفسها.


اقرأ أيضًا: فن المواساة.. أي نوع من المواسيات أنت؟


اتفقنا أن الإحباط والغضب لا بد منهما، واعترفنا أنه لا بد من ضبط انفعالاتنا فرفضنا للكبت لا يعني موافقتنا على إطلاق العنان لعصبيتنا بحيث ننفجر غضبًا طوال الوقت بحجة أن الكبت غير صحي، ولذلك يصبح التفريغ الانفعالي بالوسائل الصحيحة أولًا بأول بالتدريج واجبًا علينا لاحقًا من حقوقنا فحسب، واجب لأننا عندما لا نفرغ نزداد عدوانية ونخفق في القيام بمهماتنا ونظلم معنا أشخاصًا أبرياء أو أشياء لا ذنب لها مما يعني خسارات على أصعدة كثيرة.

كيف نفرع انفعالاتنا؟

الغضب2.jpeg
من المهم ضبط انفعالاتنا وعدم الغضب من أتفه الأشياء للحفاظ على صحتنا النفسية

لكي نفرغ انفعالاتنا ونحرص على التطهر من شوائب الغضب والتوتر يفترَض بنا أن نمتلك قدرًا معقولًا من الصراحة، بحيث نستطيع إخبار الشخص الآخر أنه سبب لنا أذية أو انزعاجًا وذلك حسب الشخص والعلاقة، فإن لم تُتِح بعض العلاقات هذا الخيار أو لم تكن الظروف مناسبة للمصارحة، فهذا لا يعني تحويل الموقف غير المحلول إلى مشكلة أبدية تستمر في إزعاجنا وتنغيص حياتنا اليومية.

 هناك أساليب تفريغ غير مباشرة للمواقف التي لا تتيح الصراحة، أو للمواقف التي لا تتعلق بالآخرين، فليس كلّ غضبٍ ينتج عن مشكلة في العلاقات، مما يعني أننا لسنا دائمًا قادرين على لوم شخص بعينه على المشكلة، والتصرف السليم عندها بغض النظر أحُلَت المشكلة أم لا هو التعبير عما يؤلمنا ويحبِطنا، وطرائق ذلك كثيرة.

image-22.png
لا داعي لتفريغ الغضب في الأشياء من حولك بل عبر عن مشاكلك ومارس هواياتك
| عبر عن مشاعرك بالكتابة:  الكتابة تعبر وتريح والرسم دون شرط الإتقان يريح، والبوح لمن يفهمنا مريح، وكذلك البحث عن الحلول الملائمة، وليس المطلب فقط أن نشرح ونصف المشكلة وأحاسيسنا عند وقوعها بل أن نرفّه عن أنفسنا وننشغل عنها بعد تعبيرنا عنها بشكل كافٍ.

| المشاركة في النشاطات المختلفة: وهنا تفيدنا النشاطات الإجتماعية والفردية من نزهات وزيارات وجلسات مشتركة يفضي فيها الجميعُ بما يمرون به، وممارسة الرياضة والهوايات المحببة أيًا كانت وكذلك الإنجاز، لأن الغضب الذي ينتج عن إحباط سيعالجه الإنجاز لأنه -أي الإنجاز- معاكس للفشل وهو بحد ذاته دواء مناسب، فلا بأس إن فشلنا في طريق أن ننجح في طريق آخر كعلاج للفشل الأول.


اقرأ أيضًا: تفريغ الضغط النفسي: من يطرق باب الخزان؟


| الاستماع للنفس بروية: يمكن ابتكار طرق تفريغ انفعالاتك الخاصة والأمر متوقف على مدى إبداعك في التسرية عن نفسك بأساليب تريحك، وتبعد الملل من تكرار استخدام نفس الأساليب بإيجاد مفرغات جديدة كلما رغبتِ، جربي أن تسجلي مقطعًا صوتيًا تشرحين فيه ما يزعجك بصوتك الخاص وأرسليه لنفسك بدلًا من إرساله لشخص آخر، ربما يساعدك هذا على رؤية حل لم تكوني منتبهة إليه، أو يمكّنك من التعاطف مع ذاتك إن كان غضبك موجهًا نحو الذات.

 | الاستماع لمشاكل الغير: جربي أيضًا أن تستمعي لمشاكل مَن حولك، ذلك يشعرك أنك لست وحدك، ويسهّل عليك القيام بعصف ذهني لحل معضلاتهم، فتنسين مشاكلك لمدة أو تعثرين على حل لها من حيث لا تحتسبين.

الأهم ألّا نظلمَ معنا أشخاصًا لم يسيئوا لنا، وأن نكون من يقطع سلسلة التفريغ السلبي عن الغضب، وكذلك أن نخفف من لكم الوسادة وركل الباب ورمي الجوال، كي لا نضطر لوصف أشيائنا بأنها مسكينة لالتقائها بأشخاص مثلنا!