الثلاثاء 16 مايو
إنت فاكرة نفسك مين؟ فاكرة أنك هتبقي كاتبة بجد"، دائمًا كنت أكتب وأسأل كيف يشعر الإنسان حين يقلل من أحدهم هكذا بكل بساطة؟ تُرى هل ينام ليلًا مطمئنًا، وهو واثق تمام اليقين أنه تسبب في جرح قلب أحدهم بندبة لا تُنسى؟ ألا يعرف المرء معنى الكلمة وأهميتها وأنها تهدم وتنبي؟
أنا رانيا صلاح؛ كاتبة مصرية، ما زلت أشق بدايتي نحو عالم الكتابة، أكبر بالتعلم، بالقراءة، بأملي بأن غدًا سأحقق إنجازًا، وسأترك لابني ذكرى جميلة، ليفتخر بي وسط الناس. في أول حياتي كان أمل والدتي أن ألتحق بكلية الصيدلة، ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه، فالتحقت بكلية التربية قسم بيولوجي، وأخذت الحياة بعدها تقذف فيَّ يمنة ويسرة، حتى اكتشفت شغفي بالكتابة، ومن هنا بدأت الحكاية.
يحتاج الإنسان أن يكون له دافع للعيش في هذه الدنيا، كان أخي من فئة أصحاب ذوي الاحتياجات الخاصة "دوان سندروم" أذهب لغرفته لأحكي له قصصي وأعبر له عن امتعاضي، وأبكي وأضحك، هو سندي في الدنيا، لم أكن أتخيل الحياة بدونه، وقعت في كثير من المرات كان هو يلتقفني بقلبه، علمني معنى أن أكون حنونة، فقلبه الرقيق كان وجهتي ومنتهاي.
عشت سنوات من حياتي أركض له في كل مرة، تزوجت وانفصلت عن المنزل، وأنجبت طفلي، لكن أخي ظل الوجهة، ثم عدت لبيت عائلتي بعد انفصالي. وفي العام 2018 انقسم ظهري، حرفيًا، كان مريضًا في أواخر أيامه، جلست بجانبه في ليلة جمعة اهتم به، وأدعو الله لأن يأخذ بيده لبر الأمان، وفي يوم كنت خارج المنزل وإذ بهاتفي المحمول يرن، كانت أسوء مكالمة في حياتي، وهم يخبرونني بوفاة أخي، شعرت وكأن الأرض ستبتلعني حالًا، من فرط حزني حينها، غادرني وتركني أبكي فراقه لسنوات، حمدت الله كثيرًا بعدها على عدم وجودي لحظة وفاته، كان لطفًا من الله، لكي لا أنهار تمامًا.
في حين كنت أشعر أن الدنيا توقفت بوفاة أخي، فتح الله لي بابًا من جديد، لتتحول حياتي منذ تلك اللحظة، حدثتني إحدى الكاتبات الجميلات بأن هناك ورشة قصة قصيرة بالقاهرة، وأن أذهب لحضورها، كان ضربًا من الجنون حينها أن أقول لأبي أود السفر لوحدي، فأنا من الإسكندرية بالأصل، لم ولن يسمح لي أبدًا، ولكني تفاجئت به يقول لي اذهبي، فغرت فاهي ورفعت حاجبي واتسعت عيناي، أما سمعته صحيح! أذهب! كنت حلمت قبلها بأسبوع أنني سأسافر، وأن حياتي سوف تتغير، وتحقق الحلم.
التحقت بالورشة وكتبت قصتي وأعجب المدرب بها وقال لي بالحرف: "أنتِ هيبقى ليكي شأن كبير، اقري كتير وطوري نفسك". كتبت بعدها 15 قصة قصيرة خلال عامين. وراسلت العديد من دور النشر لأطلق ابني الأول "غربة روح"؛ كان مجموعة قصصية كل بضع صفحات تروي حكاية، كتبت قصة أخي بعنوان ملاك رحمة، والقصة الأخرى الأقرب لقلبي رحمة بنكهة وطن.
توالت الكتابات والإنجازات، حتى أصبحت أنشر في مجلات إلكترونية وورقية، وقريبًا سيتم النشر لي في جريدة مشهورة، أفخر بأنني سأكتب فيها. عملت مؤخرًا في مجال تخصصي، وأيضًا التحقت بالعمل كمحررة صحافية في جريده الشباب نيوز.
التحقت بمسابقات عديدة، ونلت المرتبة الأولى في مسابقة للقصة القصيرة التي أعلنت عنها مجلة البكارات الثقافية. وغيرها من الجوائز التي أسعد بكل منها على حدا. نسيت أن أقول لكم عن ثاني كتاب لي "امرأة ثلاثينية"، وهو عبارة عن خواطر منفصلة.
لأخبركم قليلًا عن إلهام فكرة الكتابة كيف يأتي، حقيقة أن الكتابة تأخذ مجهودًا ذهنيًا كبيرًا، وهذا يجب أن أطبقه في هدوء تام، من الممكن أن أصحو في منتصف الليل وأكتب فكرة تبلورت في ذهني للتو، أمسك بهاتفي وأكتب أكتب حتى انتهي من الفكرة بشكل تام.
لمن حولنا بكلماتهم المشجعة تأثيرًا بشكل أو بآخر، أذكر موقف لن أنساه، كنت أمر بفترة صعبة وأغلقت كل حساباتي على مواقع التواصل الاجتماعي وتركت عالم الكتابة، وإذ سمعت أبي يقول لصديقه: "بنتي آه ليها صفحة اسمها رانيا صلاح، وبتكتب شعر وقصص زيي وزي عمها الله يرحمه".
شعرت بالمسؤولية وقتها وأن لا يحق لي التخلي فجأة عن كل شيء، لن أستطع أن أكسر فرحته بي، فتراجعت وقتها عن القرار، وواصلت المسير. أأمل مستقبلًا أن أجمع أشعاري التي كتبتها في بدايتي في ديوان شعري، وأكتب كتاب قصص قصيرة آخر، وأن أصدر أول رواية لي في أقرب وقت متاح، وأن يبقي ابني فخورًا بي على الدوام.