بنفسج

الزفاف

الأربعاء 17 مايو

غريبة هذه الحياة التي ننشأ فيها في بيت، وبلمحة بصر، نخرج إلى بيت آخر، تاركين أحلامنا وصورنا المعلقة على الحائط، وشهادات التفوق الشاهدة على علمنا، وحبنا لمدرستنا وبلادنا، نتعارك ونغني ونرقص ونسطر كل ما نريده من حياة البنات، نحب الحياة ونلهو. يحين الموعد بعد أيام قلائل، ستزفين لعريسك وأنت ترتدين طرحة بيضاء مكللة بالألماس، والورد يملؤك من كل جانب، ورائحة الياسمين تأبى أن تفارقك، ستعيدين مجد الملكة إليزابيث وتسيرين كالأميرات، وكلنا نبتسم، ونبكي.

الليل طويل جدًا، ويطول في هذه الليلة، تراه يتعاقد مع القمر والنجوم كي يمضي وقتًا أطول، ولا يرغب أن ينطوي، وإن انطوى، لا يمر كأي ليلة سبقت، سينطوي حاملًا معه ذكريات لا تغيب أبدًا، وناقوس يدق في مخيلتنا من جديد، من سيملأ السرير بعد اليوم؟ من سيعد طبق الكريب اللذيذ؟ من سيراسلني في وقت متأخر جدًا "معزومة على غرفتي"، لأقفز من نومي فورًا، وكأنني معزومة على أشهر وأفخم المطاعم، هو بالطبع كذلك، لأنني معزومة على طبق شاورما لذيذ في غرفة أختي.

من سيستخدم ممتلكاتي بعد اليوم؟ لأتذمر حينها لكنني أرد مازحة: لا بأس، سأغلق مكتبي بالمفاتيح ولن يصل أحد لهذه الممتلكات؟ من سيسألني أسئلة غريبة نوعًا ما؟ كأن أكون جالسة وكلي تعب بعد يوم عمل طويل، وتقول لي: "هل أضع لك المكياج وجهك مشرق اليوم؟"، فأرد بغرابة وابتسم، ثم اصمت.

من سيجيب عن هذه الأسئلة ومن سيرمم هذا الفراغ؟ حسنًا، لنعود بالزمن إلى الخلف، كنا نتفاخر بالاطلاع على صورنا القديمة، صور تحمل معانٍ عظيمة، ترانا مرة نبتسم، مرة نبكي، مرة نقف مصدومين من الكاميرا، ومرة يتم تكريمنا لاستحقاق حصلنا عليه.

نرمي الصور على السرير وسرعان ما نقلبها، هذه (راية) الأخت الأكبر سنًا وعقلًا، والأطول شعرًا، لكنها كانت الأكثر وزنًا قبل عشرين عامًا، ومع ذلك هي الأكثر إشراقًا وجمالًا، وبعد أن نضحك نجلس لساعة، وربما أكثر ونفكر متى سنكبر؟ وكبرنا ولا أعلم كيف كبرنا، فقد تقاسمنا الأكل معًا وخرجنا إلى المدرسة سويًا، كنا نتنافس بالذكاء، ودائمًا من الأوائل على صفوفنا، تراني أنا أقدم أختي كي تتكرم وهي تقدمني كذلك، حتى أصبحن معلماتي يقلن (أختها راية)، لنفكر جيدًا، اسمها ليس مجرد اسم، البعض كان يسميها "راية أف أم" والبعض الأخر يسميها علم، وهي بالحقيقة علم وقامة لا يمكن نسيانها، صوتها إذاعي، لا سيما أنها درست الصحافة والإعلام.

 أذكر أنني في كل طبق حلوى كنت أشتهيه، كنت أرسله لراية لتعده بخطوات سهلة وسلسة، وأكثر توفيرًا، فتراها تختصر المكونات بطريقتها الخاصة ليخرج طبق مغلف بالمكسرات محشوًا بالشوكولاتة، كانت كاميرتها صديقتها، فالصورة التي تلتقطها بعينيها الجميلتين تجعلنا نطلب الطبق حالًا، سنشتهيه جدًا، ولتعلمي يا أختي أن لا محل للحلويات سيسد مكانك ولا أي وصفة "كريب" سنتقنها بعدك، ولتعلمي أن مكونات الحلو ستنقص من بيتنا بعد اليوم.

غريبة هذه الحياة التي ننشأ فيها في بيت، وبلمحة بصر، نخرج إلى بيت آخر، تاركين أحلامنا وصورنا المعلقة على الحائط، وشهادات التفوق الشاهدة على علمنا، وحبنا لمدرستنا وبلادنا، نتعارك ونغني ونرقص ونسطر كل ما نريده من حياة البنات، نحب الحياة ونلهو. يحين الموعد بعد أيام قلائل، ستزفين لعريسك وأنت ترتدين طرحة بيضاء مكللة بالألماس، والورد يملؤك من كل جانب، ورائحة الياسمين تأبى أن تفارقك، ستعيدين مجد الملكة إليزابيث وتسيرين كالأميرات، وكلنا نبتسم، ونبكي.

ستخرجين من بيتنا الدافئ، من ركننا، ومن طقوسنا الرمضانية في العام المقبل، ستكون طاولة السفرة منقوصة بصحن، ولن نعد طبخة أخرى بجانب طبق اللبن الذي لا تحبينه بعد اليوم، ستتركين الطبخة المرافقة حزينة، وآلتك التصويرية الأحب، ستلتقطين فيها صورَ بيتك الجديد مع شريكك الأبدي، وسنبقى نزورك مرة أو مرتين، لكننا لن نستطع أن نراك يوميًا، أي حب هذا أي حزن هذا أي فرح هذا؟ اختارك سليم، وهو سليم القلب والعقل ولا يقبل إلا أن تكون رايته مرفوعة.

لك كل الحب وأمنيات بعيش رغيد وحياة زوجية ملؤها الحب والسعادة تسطرين بها جل اهتماماتك وتضمين أطفالك لتصبحي ماما كما تحبين وكما تريدين. ها أنت تنتقلين من بيت أمان إلى بيت أمان، من بيت حب إلى بيت حب، ولنعد طبق الحلو سويًا، ونضحك من شدة فرحنا تحت وردة الياسمين التي زرعتها في مدخل بيتك لتكبران معًا.