بنفسج

"من أنفسكم..."

الأربعاء 17 مايو

ولما كانت الأنثى من نفس الذكر فذلك أوجب أن يكون التقارب النفسي بينهما عظيمًا، فلما كانت "من أنفسكم" جاءت النتيجة الحتمية المنطقية بحلول السكن "لتسكنوا إليها" فإذا ما جاءها زوجها بين يديها يميد ويضطرب أعادت كل جزء منه إلى مكانه، فيستحيل الجزع فيه إلى اطمئنان، وتهدأ جوارحه من روعها، وتنقلب الحال من النقيض إلى النقيض، وينصت الكون كله إلى السكون الأنثوي، ويطلق الجمال بصره ليقرأ لوحة الهدوء.


قال تعالى: "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إليها".. فجعل الله تلك الحالة العاطفية الشعورية بين الزوج وزوجه آية كونية تستحق للعقول أن تفرد لها حظ التدبر وأن تطرق الأرواح أمام عظم هذا المشهد الذي يذكر كلا من الذكر والأنثى بما جُبل عليه من خصائص نفسية.

فقال تعالى "من أنفسكم"، أي خلقت من أصل خلقتكم، وجبلت مما منه جبلتم، ولطالما يرد لفظ "من أنفسكم" في القرآن ليدلل على أصالة الانتماء، وعمق الاختلاط، والامتزاج والتقارب، وأن للقلوب ومشاعرها شأنًا عظيمًا في هذا الدين، فإذا ما تلا الرجل "من أنفسكم"، شعر بأن زوجه قطعة منه وجزء انفصل عنه فهو يريد أن يبذل له معاني التقريب ويحافظ على هذا الجزء في حالة إدناء مستمر من قلبه وعقله ونفسه.

فإن تلك القطعة المشاعرية الفريدة "من أنفسكم" جمعت كل ما يمكن أن يقوله الزوج لزوجه في قواميس العواطف وتعاريف الحب التي عكف الفلاسفة على توصيفه، و انبرى حبر الأدباء في بيانه، وجُعل للحب ألفاظ شتى، كالصبابة والوجد والشوق والهيام والوله، لكن الله جعل له توصيفًا قرآنيًا موثقًا سامقًا "من أنفسكم"، فإذا ما قال الزوج لزوجه "أنت مني" فقد جمع لها ملاك الحب في ذلك وقد صدق، وإذا ما قالت الزوج لزوجها "أنا منك" فقد جمعت له ملاك الانتماء وقد صدقت، كأصدق ما ينتمي شيء لشيء في هذا الكون.

ولما كانت الأنثى من نفس الذكر فذلك أوجب أن يكون التقارب النفسي بينهما عظيمًا، فلما كانت "من أنفسكم" جاءت النتيجة الحتمية المنطقية بحلول السكن "لتسكنوا إليها" فإذا ما جاءها زوجها بين يديها يميد ويضطرب أعادت كل جزء منه إلى مكانه، فيستحيل الجزع فيه إلى اطمئنان، وتهدأ جوارحه من روعها، وتنقلب الحال من النقيض إلى النقيض، وينصت الكون كله إلى السكون الأنثوي، ويطلق الجمال بصره ليقرأ لوحة الهدوء.

لتسكنوا إليها، فينتهي الاضطراب به إلى السكون بين يديها. فهي تؤدي حق نفسه بالحب، وهو يؤدي حق قلبها بالاحتواء في ظلال شريعة الحب البصير والهوى المستقيم.