في بداية فصلها الدراسي الثاني، خرجت ملك من بيتها للمرة الأخيرة متجهةً إلى إحدى المكتبات وهي تحمل حقيبتها لشراء حاجاتها المدرسية، لم تكن تعلم أن هذه اللحظات ستشكل نقطة التحول في حياتها بالقرب من باب العامود في القدس، حيث هاجمها جنود الاحتلال وحاول أحدهم إطلاق النيران عليها، إلا أن سلاحه تعطل؛ فنجت من الرصاصة، لكنها لم تنجُ من الضرب الوحشي خلال محاولتها الدفاع عن نفسها والاعتقال.
عن الأسيرة ملك سلمان
صُدم أهلها بصور اعتقالها المنتشرة على وسائل الإعلام، دون علمهم بما حصل مع ابنتهم التي ذهبت لشراء حاجياتها قبل سبعة أعوام ولم تعد لهم حتى هذا اليوم، لتنام على سريرها في حضن والدتها كما العادة، بل أحاطت بها جدران تحقيق المسكوبية القاسية. وهي في وضعٍ صحيٍ صعب بعد إصابتها بجروحٍ بالفم واللثة، حين تكسر التقويم في فكها دون تقديم العلاج المناسب لها بعد اعتقالها.
9 كانون الأول/ديسمبر 2016 كان هذا التاريخ بداية الحياة الجديدة للأسيرة ملك سليمان (23 عامًا)، من بلدة بيت صفافا في القدس، الابنة الكبرى لعائلتها المكونة من ثمانية أفراد، طالبة الصف العاشر في مدرستها، الفتاة المجتهدة، الطموحة والتي تحمل صفة التفاؤل والإيجابية أينما كانت.
صُدم أهلها بصور اعتقالها المنتشرة على وسائل الإعلام، دون علمهم بما حصل مع ابنتهم التي ذهبت لشراء حاجياتها قبل سبعة أعوام ولم تعد لهم حتى هذا اليوم، لتنام على سريرها في حضن والدتها كما العادة، بل أحاطت بها جدران تحقيق المسكوبية القاسية، وهي في وضعٍ صحيٍ صعب بعد إصابتها بجروحٍ بالفم واللثة، حين تكسر التقويم في فكها دون تقديم العلاج المناسب لها بعد اعتقالها، بل نقلتها سلطات الاحتلال إلى سجن هشارون، ولم تُعرض على طبيبٍ مختص حتى هذا اليوم رغم مناشدة أهلها الملحة للمؤسسات الحقوقية.
وبعد 23 جلسة محاكمة، حكمت محكمة الاحتلال على ملك بالسجن الفعلي لمدة 10 سنوات، إلا أن المحامي طالب بالاستئناف، وخُفضت مدة الحكم عام واحد فقط، بالرغم من أنها طفلة قاصر، لتدخل ملك بذلك عامها الثامن داخل أسوار السجن، في ما تبقى لها عامًا واحدًا وسبعة أشهرٍ للحرية.
اقرأ أيضًا: صفاء أبو سنينة: خشونة الزنزانة أبعد من حدود الرواية
تَعدُ "أم يوسف" والدة الأسيرة ملك ما تبقى لابنتها بالدقائق واللحظات، منتظرةً اليوم الذي لطالما حلمت به، وتقول في حديثها لبنفسج: "ملك اقتربت من الحرية، والعقبى لكل الأسرى والأسيرات، أعد ما تبقى بالدقائق على أمل أن يمروا بأسرع وقت لترجع ابنتي وتحقق أحلامها الكبيرة والمتعددة؛ فنحن لن نحرمها من أي أمنية تتمنى تنفيذها بعد خروجها من السجن حتى لو كان سفرًا خارج البلد أو من العمل والاعتماد على نفسها، كما تطمح دائمًا يكفيها تسعة أعوامٍ من الحرمان".
غُيّبت ملك قسرًا عن بيتها وإخوانها الذين تكبرهم جميعًا، وستعود قريبًا إلى البيت الذي تركت فيه إخوانها صغارًا لتجدهم تخرجوا من جامعاتهم ومضت الحياة بهم أثناء غيابها، لكنها بقيت كما هي الفتاة الطموحة المتفائلة، فاستطاعت أن تحول الصعاب إلى دافعٍ للاستمرار في الحياة، حيث قدمت الثانوية العامة العام الماضي وحصلت على المرتبة الأولى بين الأسيرات المتقدمات للامتحان بمعدل 92%.
فوق "البرش": سأنجح
وبصوتٍ بهيج وصفت أم يوسف فرحتها بإرادة ابنتها المجتهدة والذكية التي وضعت هدفًا كتبته على ورقة وعلقته فوق "برشها" للحصول على معدلها المرتفع. حصلت الأسيرة ملك على ما تطمح به بفضل الله، ثم إصرارها وتشجيع الأسيرات، كما تقول والدتها، ولم تكتفِ باجتياز الثانوية، بل انتسبت إلى جامعة القدس المفتوحة، تخصص خدمة اجتماعية؛ لإكمال تعليمها الجامعي أيضًا.
وعن الغياب والوجع تحدثت أم يوسف والغصة في قلبها كبيرة؛ لغياب ملك عن البيت عن كل مناسبة حزنٍ أو فرح للعائلة، وعن كل مرةٍ مرضت فيها ملك داخل السجن ولم تكن والدتها إلى جانبها تحتضنها وتخفف عنها وجعها. تتحدث عن كل ليلةٍ باردة بكت فيها الأم وهي لا تعلم كيف حال ابنتها، أول فرحتها وصديقتها المقربة، عن مكانها الفارغ على سفرة الطعام الذي تفضله ملك، إلّا أن الصبر كان يرافقها في كل اللحظات.
اقرأ أيضًا: تهاني العويوي : الأسر ليس غصة قابلة للاعتياد
وبفخرٍ واحتساب تقول أم يوسف: "في البيت بالعادة لا أظهر لأولادي التعب والحزن، بالعكس، أضحك دائمًا، وأحاول أن أشعرهم أن شقيقتهم ملك ذهبت لرحلة وستعود، لكن صدقًا حين سُجنت ابنتي أخذت معها كل شيء جميل في قلبي، أخذت الضحكة والسعادة من البيت، لكن الحمد لله صبرنا ونلنا فخر أن نكون عائلة لقبت في السجن بين الأسيرات "فراشة السجن"؛ لأنها محبوبة الجميع، وهذا ما سمعته من كل أسيرة تخرج من السجن وتكون قد رافقت ملك في الأسر، وما أراه في ابنتي أثناء زيارتها وهي ترفع من معنوياتنا بكل حب وحياة".
الأسيرة لمي خاطر: ملك فتاة ماهرة وطموحة
في السياق نفسه تحدثت لنا الأسيرة المحررة لمى خاطر، في لقاءٍ لها مع بنفسج عن الأسيرة ملك التي التقت فيها خلال اعتقالها وعاشت برفقتها داخل السجن. وقالت: "ملك مرتبطة في ذاكرتي بعدة أمور وصفات خاصة بها مثل التفاؤل الدائم والإيجابية، الطاقة العالية، الترتيب، النظافة، والنشاط، مع أن ملك دخلت السجن وهي قاصر، لكنها استطاعت خلال فترة قصيرة من وجودها أن تتأقلم وتتقن العديد من المهارات".
وفي السياق نفسه تحدثت لنا الأسيرة المحررة لمى خاطر، في لقاءٍ لها مع بنفسج عن الأسيرة ملك التي التقت فيها خلال اعتقالها وعاشت برفقتها داخل السجن. وقالت: "ملك مرتبطة في ذاكرتي بعدة أمور وصفات خاصة بها مثل التفاؤل الدائم والإيجابية، الطاقة العالية، الترتيب، النظافة، والنشاط، مع أن ملك دخلت السجن وهي قاصر، لكنها استطاعت خلال فترة قصيرة من وجودها أن تتأقلم وتتقن العديد من المهارات".
وتضيف خاطر: "كنت دائمًا ما كنت أبدي استغرابي من وجود ابنه بهذا السن الصغير ولديها مهارات عالية في الكثير من الأمور مثل الخياطة، وكنت أغبطها على هذا النشاط؛ فهي الطفلة التي حكمت بالسجن 10 سنوات، ومن الطبيعي أن تشعر أي فتاة في عمرها بالاكتئاب والخوف، إلا أنها كانت تواجه كل ذلك بتفاؤل كبير".
اقرأ أيضًا: حضنٌ وقبلة.. من يؤتِي تأويلَ حلم الأسيرة فدوى حمادة؟
خاطر التي انتهت من جلسات التحقيق في آخر شهر آب/أغسطس الماضي، ومن ثم نقلت إلى سجن شارون إلى الغرفة حيث تعيش ملك، توضح أن تلك الفتاة صغيرة السن كبيرة القلب والعقل، كانت سببًا في تخفيف ثقل التحقيق على نفسها بأسلوبها وإيجابيتها واتزانها رغم صغر سنها.
فصلُ طويل من فصول حياة ملك لا يمكن أن تختزله كلماتُ قليلة وكذلك الأسرى جميعهم، إلا أننا في كل مرةٍ نكتب فيها عنهم نجد ما يجمعهم دائمًا بين السطور، مشاعرهم، مشاكلهم وحياتهم التي أصبحت مصنعًا للإنجاز والحياة، رغم ضيق ووحشة المكان، صبرهم وحلمهم الذي نعيشه صباح كل يوم دون أن نشعر بقيمته "شمسُ، شجر وطريقُ ممتد تمشي فيه بحريتك دون أن تصطدم بحاجزٍ أو جندي".