بنفسج

لماذا يكره الأطفال الدراسة: أسباب وحلول

الخميس 14 سبتمبر

بعد نهار مزدحم بالمهمات المنزلية، يظن البعض أن كثيرًا من الأمهات لديهن الوقت المفتوح لممارسة ما يرغبن من استجمام وراحة ورفاهية، ولكن في الحقيقة تبدو المهمات المنزلية هينة أمام ما ينتظر الأمهات في فترة ما بعد منتصف النهار، وهي مهمة المذاكرة للأطفال وتدريسهم. إن الصعوبة تكمن في كره الطفل للدراسة، وبالتالي صعوبة إيصال المعلومة له والتحايل عليه ليجلس مرغمًا لمراجعة دروسه في جو من عدم التركيز والتهرب والملل الذي يستمر لساعات. ورغم حب كثير من الأطفال للمدرسة كونها المكان الذي يلتقون فيه مع أصدقائهم، إلا أن المذاكرة ومراجعة الدروس، يرادفها البغض والكره، فما السبب وراء ذلك؟

لماذا يكره الطفل الدراسة؟

 
الطفل إذا لم يُهيَأ للدراسة بشكل مسبق صحيح، قد يُصدم ويتفاجأ بأنه سيواجه في المدرسة الحياة بدون أهله، بالإضافة إلى أنه قد ينتقل إلى حياة اجتماعية ينقصه فيها الخبرة وكيفية التفاعل معها، فيواجه مواقف اجتماعية ومسؤوليات أيضًا جديدة تجعله يفقد الشعور بالانسجام والأمان. كما أنه يواجه فكرة الابتعاد عن أهله وعن أقاربه وعن البيت وهو المكان الذي اعتاد عليه.
 
 

تقول الأخصائية النفسية والمستشارة الأسرية علا ادعيس، إن كره الطفل للدراسة مرتبط بعدة أسباب، بعضها متعلق بالطفل، والآخر بمحيطه، ابتداءً من أهله، وصولًا إلى المجتمع المدرسي بمختلف مكوناته، ومنها:

| أولًا: كره الالتزام: الطفولة تعني اللعب واللهو، وبالتالي أي شيء مخالف لهذه الفكرة سيكرهه الطفل، وعلى رأسها الالتزام الذي يعتبر الركيزة الأساسية في المذاكرة.

وكره الالتزام في اﻷصل طبيعة إنسانية موجودة في كل مراحل العمر، فكيف سيكون الحال مع الطفل الذي تصعب عليه هذه الفكرة، ويعتبرها وكأنها قيد يرهقه، وقد يشعر بأن من حوله يسلبون منه حريته، وهذا يجعله يعيش بظروف وأسلوب مختلف عما اعتاد عليه من اللعب، ومن أن يقضي وقته بما يريد ويستمتع بدون أن يكون عنده مسؤوليات، ففكرة الدراسة تجعله يشعر بالمسؤولية وتطالبه بإنجاز معين، وهذا ما يقاومه الإنسان ولا يحبه، فيضطر أن يتعب ويبذل الجهد.


اقرأ أيضًا: أريد أن يكون ابني الأفضل.. عبارة قد تدمر ابنك


| ثانيًا: حياة جديدة: الطفل إذا لم يُهيَأ للدراسة بشكل مسبق صحيح، قد يُصدم ويتفاجأ بأنه سيواجه في المدرسة الحياة بدون أهله، بالإضافة إلى أنه قد ينتقل إلى حياة اجتماعية ينقصه فيها الخبرة وكيفية التفاعل معها، فيواجه مواقف اجتماعية ومسؤوليات أيضًا جديدة تجعله يفقد الشعور بالانسجام والأمان. كما أنه يواجه فكرة الابتعاد عن أهله وعن أقاربه وعن البيت وهو المكان الذي اعتاد عليه.

| ثالثًا: ضغط الأهل: يؤدي تدخل الأهل أحيانًا، في عملية الدراسة، بأسلوب ضاغط على الطفل، تشعره أنه مضطر إلى تحمل مسؤولية إضافية فيها، وهي صورته أمام أهله، وخوفه من أن تهتز هذه الصورة نتيجة حكمهم عليه من خلال علاقته بالمدرسة، وقد يتعرض لشيء من اللوم والانتقاد والتعنيف، وهذا يشكل عبأ إضافيًا وربطًا سيئًا بالنسبة للطفل بخصوص موضوع الدراسة؛ فتتحول من شيء يحبه ويتلقى عليه تحفيز في المدرسة، إلى شيء يهرب منه أو يخافه، لأنه أصبح يُستخدم باعتباره وسيلة ضاغطة عليه مما يسبب الخوف والقلق.

الدراسة.jpg
من المهم أن تكون بيئة المدرسة مشجعة للطفل وتعزز تفاعله في الأنشطة المختلفة وبالتالي ينعكس ذلك على مشاعر الطفل

| رابعًا: بيئة المدرسة والبيئة التعليمية: تشكل هذه البيئة أحيانًا عبئًا ثالثًا على الطفل، وقد يكون الطاقم التدريسي مثلًا غير متفهم أو غير متعاون، أو أن يعاني الطفل من الملل مع زملائه والمدرسة.

وقد لا تستوعب المدرسة شخصيته غير المنضبطة أو طريقة تعلمه أو أسلوبه، وقد لا ينجح في بعض المهمات، ما يشكل عبئًا إضافيًا عليه، ويعزز شعوره بالفشل أو الإحباط النفسي، وقد ينضغط في علاقاته مع زملائه، وهذا كله يجعله يشعر بمشاعر غير جيدة تجاه فكرة المدرسة والدراسة.

| خامسًا: البيئة الأسرية: إن عدم توفر بيئة أسرية آمنة متوازنة، ووجود الطفل ضمن ظروف أسرية ضاغطة تجعله يترك دراسته أو يهملها أو لا يحبها؛ كردة فعل على الضغوط التي يتعرض لها في البيت، ووجوده في ظروف غير عادية، مثل غياب أحد الأبوين أو مشكلات أخرى، وهذا بدوره يؤثر على نفسية الطفل، وقد ينعكس على حبه للدراسة ويحوله إلى ردة فعل سيئة تجاه تحمل المهمات؛ فالبيئة الأسرية المتوازنة تجعل الطفل أكثر تقبلًا لتحمل مسؤولياته المدرسية.


اقرأ أيضًا: خلف عتبة الخوف: كيف نفهم مخاوف أطفالنا؟


| سادسًا: المقارنة: كثير من الأهالي يقارنون الطفل مع من هم أكثر منه اجتهادًا، ظنًا منهم أن هذه وسيلة للتحفيز وهي على العكس تمام، فمقارنة الطفل بزملائه أو أقاربه، أو الحديث عن سلوكه المدرسي ونتائجه أمام الأقارب والأصدقاء، تدفع الطفل للربط بين دراسته واجتهاده في المدرسة وذاته، وصورتها وتحوله إلى شخص يكره الدراسة؛ لأنه سيرى أن أي فشل في الدراسة سيؤدي إلى خلل في صورة ذاته أمام الآخرين، وبالتالي هذا سيربك الطفل.

| سابعًا: المبالغة في الإهمال أو الاهتمام: بعض الأهل يقصرون في مساعدة أطفالهم دراسيًا، وآخرون يبالغون في الاهتمام به دراسيًا، وفي كلتا الحالتين؛ فإن عدم التوازن في المتابعة المدرسية تؤدي إلى خلل في العلاقة مع الدراسة؛ فالمبالغة تكون بضرب الطفل وتعنيفه نفسيًا إذا كان مثلًا عنده تقصير دراسي لدفعه باتجاه الدراسة، والبحث عن المثالية التي قد تفوق قدراته ولومه بشكل مستمر، أما الإهمال المبالغ فيه يكون بُعد الاهتمام نهائيًا في المتابعة أو التشجيع، أو حتى توفير المتطلبات اللازمة.

لماذا يحب بعض الأطفال المدرسة والبعض الآخر يكرهها؟

 
إن التهيئة النفسية المسبقة للذهاب إلى المدرسة تساعد الطفل على تقبل المدرسة والتفاعل معها بطريقة جيدة، فيستعد مسبقًا حين يرى نماذج ناجحة دراسيًا من اﻷقارب، ويستمع لتجارب وقصص أشخاص ذهبوا إلى المدرسة، وما الذي يجري معهم داخل المدرسة، كما يتشجع الطفل حين يرى الآخرين يذهبون إلى المدرسة، ما يجعل الطفل يتحمس لفكرة الالتحاق بها، كاصطحابه لشراء أغراض المدرسة بنفسه، وجعله يشارك هذه الأجواء مع محيطه.

على الرغم من ثقل الالتزام، كما ذكرنا في النقطة الأولى، وحب جميع الأطفال للعب بدون استثناء، نجد أن هناك أطفال يحبون الدراسة، ويعتبرونها بمنزلة مساحة للمتعة أحيانًا، فما السبب وراء ذلك؟

تفسر الأخصائية علا ادعيس ذلك بأن الطفل الذي يحب المدرسة هو طفل نشأ بدايةً في بيئة أسرية، وفرت له القدوة الجيدة في العلاقة مع الدراسة، أسرة تحب التعليم وتمارس الأنشطة التعليمية، ويشاهد في البيت من يطالع الكتب ومن يقوم بمهمات تعليمية، فهنا قد تمت تهيئته مسبقًا في بيئة البيت لفكرة أن يحب الإمساك بالكتب ومطالعتها والتعلم من خلالها.


اقرأ أيضًا: بين أحضان العائلة: طرق لقضاء أوقات مشتركة


إضافة إلى ما سبق، فإن التهيئة النفسية المسبقة للذهاب إلى المدرسة تساعد الطفل على تقبل المدرسة والتفاعل معها بطريقة جيدة، فيستعد مسبقًا حين يرى نماذج ناجحة دراسيًا من اﻷقارب، ويستمع لتجارب وقصص أشخاص ذهبوا إلى المدرسة، وما الذي يجري معهم داخل المدرسة، كما يتشجع الطفل حين يرى الآخرين يذهبون إلى المدرسة، ما يجعل الطفل يتحمس لفكرة الالتحاق بها، كاصطحابه لشراء أغراض المدرسة بنفسه، وجعله يشارك هذه الأجواء مع محيطه.

وإلى جانب البيئة الأسرية؛ فالبيئة المدرسية التي قد تكون سبب في كرة الدراسة لها الدور في حب الدراسة أيضًا، فالطفل الذي يحب المدرسة يكون قد وجد بيئة مناسبة داعمة له داخل المدرسة، من معلمين وهيئة تدريسية وزملاء، وحصل معهم على تجربة إيجابية جعلته يحب الدراسة، ولا نغفل تأثير الزملاء وحبهم للدراسة وكيف يؤثرون بأفكارهم ومشاعرهم على الطفل.

ما هي الطرق التي يجب اتباعها لتحبيب الطفل بالمدرسة؟

 

أولًا: ربط الدراسة والعملية الدراسية بجوانب يحبها الطفل وتدعمه نفسيًا، من خلال التهيئة المسبقة له بزيارة المدرسة، واستماعه إلى قصص وتجارب جيدة كافية، وكيف تسير الأمور داخل المدرسة، وقصص من تجارب الأهل الشخصية والأصدقاء واﻷقارب، ومن الجيد أن يشاهد فيلم كرتوني عن المدرسة.

| ثانيًا: توفير بيئة متوازنة داخل البيت وآمنة خالية من المشاكل، ما يجعل الطفل ينسجم مع المدرسة ووظائفها.

 

ما الحل؟ ليس من السهل أن يحب الطفل المدرسة والدراسة، خصوصًا إذا وقع تحت الظروف التي تم ذكرها سابقًا، ولكن بالتأكيد فلكل مشكلة حل، ويكون ذلك عبر عدة طرق:

| أولًا: ربط الدراسة والعملية الدراسية بجوانب يحبها الطفل وتدعمه نفسيًا، من خلال التهيئة المسبقة له بزيارة المدرسة، واستماعه إلى قصص وتجارب جيدة كافية، وكيف تسير الأمور داخل المدرسة، وقصص من تجارب الأهل الشخصية والأصدقاء واﻷقارب، ومن الجيد أن يشاهد فيلم كرتوني عن المدرسة.

| ثانيًا: توفير بيئة متوازنة داخل البيت وآمنة خالية من المشاكل، ما يجعل الطفل ينسجم مع المدرسة ووظائفها.

| ثالثًا: التوازن في الاهتمام بالمدرسة مهم، فلا تكون المدرسة ذات قيمة مبالغ فيها في حياته، أو أن فيها إهمالًا وعدم اهتمام كاف بقيمتها في حياته، هذا التوازن يمنحه طمأنينة في العلاقة معها دون قلق أو خوف أو إرباك تجاهها.


اقرأ أيضًا: متنمِر أم مُتنّمر عليه؟ ظاهرة التنمر عند الأطفال


| رابعًا: عدم ربط الدراسة وتقييم العملية التعليمية بشخصيته أو بصورته أمام أهله، أو تحويلها إلى وسيلة للحكم عليه، حتى لا يكره المدرسة والدراسة.

| خامسًا: متابعة الأهل للطفل من خلال المدرسة بشكل متوازن مستمر لمستواه واحتياجاته، وتحفيزه وتشجيعه على الدراسة من خلالهم، وتحفيز الطفل أيضًا على المواقف الإيجابية والبناءة، ويجب في ذات الوقت تعليمه كيف يتقبل الفشل في الدراسة أو عدم نجاحه ببعض المهمات.

| سادسًا: اختيار المدرسة المناسبة والبيئة التعليمية الداعمة، وفي حال حالت الظروف من الحصول على المدرسة المثالية، فيجب متابعة المدرسة المتاحة بشكل دائم، وبناء شخصية الطفل للتكيف مع الظروف الصعبة بالشكل الذي لا يؤثر على دراسته.