بنفسج

أمومة أطفال التوحد: تحديات مركبة لأمهات غزة

السبت 23 سبتمبر

لن تنسى السيدة فاطمة الديب (35 عامًا) قساوة الأيام التي مرت بها، لحظة اكتشافها إصابة ابنتها البكر شيماء باضطراب التوحد في عام 2008، لم تكن تعرف حينها أي معلومة عن هذا الاضطراب، شعرت حينها أنها في دوامة كبيرة، كيف تخرج منها؟ وما المنقذ؟ لا شيء حولها يساعدها على تجاوز هذا الأمر، لا مراكز متخصصة، ولا مدارس مؤهلة لذلك، ولا حتى أطباء يعرفون كيف يتعاملون مع هذه الحالة.

لم تيأس فاطمة أبدًا، ولم تقف مكتوفة الأيدي تشاهد ابنتها تعاني من اضطراب يفقدها القدرة على مخالطة من حولها، وعزمت ألا تسمح للظروف القاهرة التي تعيشها بأن تحول دون علاج ابنتها وتأهيلها، ودمجها بمحيطها، وتطوير قدراتها. تقول فاطمة: "تجربتي مع ابنتي شيماء كانت صعبة جدًا في بدايتها عندما اكتشفت أنها مصابة باضطراب التوحد، فلم أكن أعرف أي معلومة عن شيء اسمه التوحد، وكان لزامًا عليّ أن أثقف نفسي وأبحث عن الموضوع حتى أعرف وأقيم حالتها، وأجد الطريقة المناسبة للتعامل معها كي لا تتفاقم حالتها أكثر من ذلك".

تجربة أم مع التوحد

نقطتان كانتا من أصعب ما واجه فاطمة في رحلتها الشاقة مع شيماء، أولها أنها كانت من سكان قطاع غزة، ولا يوجد في القطاع أي مركز مختص بتأهيل مصابي التوحد، أو حتى مدارس للتربية الخاصة قادرة على التعامل معهم وتدريسهم وتطويرهم، وثانيها أنها اكتشفت حالة ابنتها متأخرًا ما فاقم معاناتها، وزاد وضعها سوء.

كانت خيارات فاطمة محدودة جدًا، فهل يعقل أن تنتظر طويلًا حتى تبلغ ابنتها الخمس سنوات، لدمج ابنتها اجتماعيًا، ولتستطيع إدخالها في إحدى رياض الأطفال أو المدارس الحكومية أو الخاصة والتي هي أصلًا غير مؤهلة للتعامل مع حالات التوحد

كان الإنترنت وجهة فاطمة الأولى حين بدأت بالبحث عن كل ما يخص اضطراب التوحد، جمعت المعلومات ودرست الموضوع جيدًا، لم تفلت أي معلومة متوفرة على الانترنت إلا وقرأتها وحللتها وتأكدت من صحتها، حتى باتت ملمة بالموضوع بشكل جيد، وتعرف أهم مراكز علاج مرضى التوحد في الدول العربية المجاورة.

تضيف: "كنت أتعلق في أي معلومة أجدها أو محاضرة أو طريقة تأهيل، كنت أقرأ كي أتمكن من تطبيق الخطوات العملية والعلاجية مع ابنتي حتى أطور من حالتها، وأحاول علاجها، ولو بأبسط السبل المتوفرة لدي، لم أبخل عليها بأي جهد، ولم أر أمامي سوى أني أم ومن واجبي أن أطرق كل الأبواب وأسعى بكل ما أملك لعلاجها ولو جزئيًا".


اقرأ أيضًا: التوحد: طيف بألوان نقية


نقطتان كانتا من أصعب ما واجه فاطمة في رحلتها الشاقة مع شيماء، أولها أنها كانت من سكان قطاع غزة، ولا يوجد في القطاع أي مركز مختص بتأهيل مصابي التوحد، أو حتى مدارس للتربية الخاصة قادرة على التعامل معهم وتدريسهم وتطويرهم، وثانيها أنها اكتشفت حالة ابنتها متأخرًا ما فاقم معاناتها، وزاد وضعها سوء.

كانت خيارات فاطمة محدودة جدًا، فهل يعقل أن تنتظر طويلًا حتى تبلغ ابنتها الخمس سنوات، لدمج ابنتها اجتماعيًا، ولتستطيع إدخالها في إحدى رياض الأطفال أو المدارس الحكومية أو الخاصة والتي هي أصلًا غير مؤهلة للتعامل مع حالات التوحد.

لا مؤسسات مختصة لحالات اضطراب التوحد

577081-149337388.jpg
تدريب على السباحة لأطفال التوحد

طرقت فاطمة كل الأبواب، بعد أن بلغت ابنتها الخمس سنوات، وجابت كل المؤسسات المهتمة بذوي الاحتياجات الخاصة، لكنها لم تجد من هو مؤهل للتعامل مع مرضى اضطراب التوحد، فكان كل ما يقدمونه من رعاية وتأهيل، هو اجتهاد شخصي غير مبني على أسس علمية أو طبية، لا سيما أن هذه المراكز لم تكن تعرف بعد بشكل جيد تداعيات وأعراض اضطراب التوحد.

استمرت فاطمة بالتواصل مع المختصين والأطباء، وسط مستقبل مشوش غامض لحالة ابنتها بشكل خاص، وللمرض بشكل عام، فكل الدراسات التي بحثت عنها فاطمة لم تتوصل إلى أسباب الاضطراب، أو طرق علاجه، كل ما توصلت له هو كيفية تأهيل المصابين، والتخفيف من أعراضه بشكل بسيط.

نظرة المجتمع وجهله أيضًا كانت عائقًا أثقل كاهلها، فلم يكن أحد من محيطها يتقبل فكرة إصابة طفل باضطراب لا يعرفون عنه أي شيء، إلى جانب عدم إيمانهم بوجود طريقة أو حل لحالة ابنتها، واقتناعهم بأن أي طريق ستطرقه سيكون بلا فائدة.


اقرأ أيضًا: في بيتي طفل مصاب بالتوحد: تجربة أم


مرت الأيام ثقيلة على قلب أم امتحنت في أعز ما تملك، ابنتها البكر وحبيبتها، بهجة بيتها الذي لم يزره الفرح بقدوم أول أبنائه إلا لأشهر معدودة، كان ثقل الأيام يزداد كلما مرت، وهي التي تعرف أن عدم إيجاد حل لابنتها يعني أن حالتها ستزداد سوء.

كان الخيار الأخير الأمثل أمام فاطمة وابنتها هو الرحيل، ومغادرة قطاع غزة واللجوء لدولة أوروبية تجد فيها العلاج والرعاية المناسبة لها بأقل التكاليف، لاسيما أنها تواصلت مع عدة دول عربية ووجدت أن مراكز تأهيل مصابي التوحد فيها تكلف مبالغ باهظة، ليس باستطاعتها توفيرها.

ما هو التوحد وأسبابه وأعراضه؟

 
أطفال التوحد دائمًا ما يميلون إلى اللعب بطريقة خاصة وغريبة بعيدًا الأطفال أو الأشخاص، ولا يبدون أي استجابة لمن حولهم وكأنهم يعيشون في عالم آخر، مشيرة إلى وجود أطفال يولدون بصفات طبيعية حتى إذا ما وصلوا لعمر الثلاث سنوات تبدأ أعراض التوحد بالظهور عليهم، ويفقدون القدرة على التفاعل والكلام، فيتعرضون لما يسمى "الانتكاس الطفولي"، وهم غالبية الحالات الموجودة والمصابة باضطراب التوحد.

وتعرف أخصائية التوحد الأستاذة حنين عمر البنا الاضطراب وتقول: "هو اضطراب عصبي نمائي يؤثر على وظائف الدماغ في ثلاث مجالات رئيسة، وهي: التفاعل والتواصل، وجانب اللغة والمهارات الحياتية، والقدرة على التخيل".

وتؤكد البنا أن هناك أطفال تظهر عليهم أعراض التوحد في الأيام والأشهر الأولى من أعمارهم، فتلاحظ الأم أن طفلها لديه مشاكل في التواصل السمعي والتركيز والتواصل البصري، ما يخيل للأم أن ابنها كفيف أو أصم، كما تلاحظ الأم أن الطفل يتجنب اللعب مع الصغار، ولا يبدي أي ردة فعل في عمر الست والسبع شهور، من ضحك أو لعب أو استجابة للتواصل معه.

أما عن أسباب التوحد، فتضيف أنها غير معروفة حتى الآن، فلا يوجد أي دراسة تتفق مع أخرى تجمع على أسباب معينة لاضطراب التوحد، فكل دراسة نتيجتها مختلفة عن الدراسة الأخرى، وبعضها أثبت أن سببها وراثي، وأخرى تقول إن السبب يعود لتناول الأم بعد الأطعمة التي تحتوي على معدن الرصاص أثناء الحمل.

وتوضح أن أطفال التوحد دائمًا ما يميلون إلى اللعب بطريقة خاصة وغريبة بعيدًا الأطفال أو الأشخاص، ولا يبدون أي استجابة لمن حولهم وكأنهم يعيشون في عالم آخر، مشيرة إلى وجود أطفال يولدون بصفات طبيعية حتى إذا ما وصلوا لعمر الثلاث سنوات تبدأ أعراض التوحد بالظهور عليهم، ويفقدون القدرة على التفاعل والكلام، فيتعرضون لما يسمى "الانتكاس الطفولي"، وهم غالبية الحالات الموجودة والمصابة باضطراب التوحد.

أما عن أسباب التوحد، فتضيف أنها غير معروفة حتى الآن، فلا يوجد أي دراسة تتفق مع أخرى تجمع على أسباب معينة لاضطراب التوحد، فكل دراسة نتيجتها مختلفة عن الدراسة الأخرى، وبعضها أثبت أن سببها وراثي، وأخرى تقول إن السبب يعود لتناول الأم بعد الأطعمة التي تحتوي على معدن الرصاص أثناء الحمل، وثالثة ترجع أسبابه لتعرض الطفل لنقص الأوكسجين أثناء الولادة، أو أسباب نفسية نتيجة تعرض الأم أثناء حملها لضغوطات نفسية ما انعكس على جنينها.


اقرأ أيضًا: نجاح مسلم لأطفال التوحد: أحلامكم حقيقة في دقيقة واحدة


قد تظهر أعراض أخرى أيضًا على مرضى التوحد، منها ممارسة الطفل للحركات النمطية؛ كالرفرفة باليدين والدوران حول الأشياء أو النفس والنقر بالأصابع، والتركيز بالنظر على أطراف الأصابع بطريقة غريبة ومركزة، وحب الروتين بشكل كبير، كما يعانون من حساسية شديدة جدًا بالسمع أو التذوق أو اللمس، إلى جانب المشي على أطراف الأصابع.

وتوجه البنا نصيحتها للأمهات اللاتي يلاحظن بعض هذه الأعراض على أطفالهن للتوجه فورًا لطبيب أطفال مختص بالنمو أو طبيب أعصاب، وبناء عليه اتباع تعليمات الطبيب للتوجه للمراكز المتخصصة لعمل تقييم لحالة الطفل، ومن ثم تزويد الأم بالطريقة المناسبة لتأهيله والتعامل معه، فالتدخل المبكر يعد مهما جدًا لعلاج المرضى بكل مستوياتهم.