بنفسج

الحرب على غزة: مخاطر صحية تحيط بالمرأة الفلسطينية

الأربعاء 03 يناير

منذ بداية الحرب على غزة ونحن نرى اختراقات لأبسط الاحتياجات الإنسانية، فلم تكن الصواريخ والقنابل وآلة الحرب الإسرائيلية هي المهدد الوحيد للحياة، فانعدام مقوماتها الأساسية مهدد لها أيضًا.

ومع صعوبة الحياة وانعدام مقوماتها، وعدم توفر الاحتياجات الشخصية والأمان لسكان القطاع، عانت النساء الغزيات، بطبيعة الحال من ذلك، مع الأخذ بعين الاعتبار بخصوصية الاحتياجات الشخصية للنساء وظروف الحياة المناسبة لهن التي عادة ما تكون أكثر خصوصية وتعقيدًا من تلك المقدمة للفئات الأخرى، لتتضاعف معاناتهن كنتيجة لغياب كل مقومات الحياة.

وتتمثل خصوصية المرأة بطبيعتها البيولوجية والنفسية، إضافة لبعض المراحل التي تمر بها المرأة بشكل طبيعي في حياتها مثل مرحلة الحمل والرضاعة وفترة الدورة الشهرية، وانعدام توفير الاحتياجات المرتبطة بهذه الخصوصية خلال الحرب شكلت العديد من المخاطر على صحة النساء هناك.

الحرب والنزوح: فقدان مقومات الحياة 

فقدان أبسط مقومات الحياة.jpg

وبحسب تقرير الأونروا رقم 54 حول الوضع في قطاع غزة والضفة الغربية بتاريخ 18 ديسمبر 2023 فمنذ يوم 7 تشرين الأول، نزح ما يصل إلى 1,9 مليون شخص (أو أكثر من 85 بالمئة من السكان) في مختلف أنحاء قطاع غزة، بعضهم عدة مرات. وتجبر العائلات على الانتقال بشكل متكرر بحثًا عن الأمان، وتشير الإحصائيات في غزة عام 2022 أن نحو 1,10 مليون أنثى تسكن في قطاع غزة قبل العدوان الحالي، يشكلن ما نسبته 49.3% من إجمالي السكان في القطاع.

وتأتي هذه الإحصائيات لتبين لنا نسبة تقريبية للنساء اللواتي فقدن أبسط مقومات الحياة كنتيجة للنزوح وفقدان الأمان، ما عاد عليهن بالكثير من المخاطر الصحية والنفسية، هذا عدا عن المخاطر المحققة نتيجة الاستهداف المباشر بالأسلحة والصواريخ، التي نشأ عنها 6200 شهيدة، بحسب جهاز الإحصاء الفلسطيني بتاريخ 24 ديسمبر 2023، وفي حال لم تكن المرأة هي من فقدت حياتها، فستكون أمًا أو أختًا أو ابنة أو جدة لأحد الشهداء، وما في ذلك من تأثير مباشر على حالتها النفسية.وبالحديث عن أهم المخاطر الصحية التي تواجه النساء حاليا في قطاع غزة وهي كثيرة جدًا، ولكن سنذكر أهمها:

أولًا: سوء التغذية أو حتى انعدامها

سوء التغذية او انعدامها في غزة.jpg

يمكن تعريف سوء التغذية: على أنه الخلل في الصحة العامة الذي ينتج عن خفض نسبة السعرات الحرارية، والعناصر الغذائية اللازمة لدعم الصحة، وعادة ما تتأثر النساء بشكل أكبر من الرجال بسوء التغذية؛ وذلك يرجع لأسباب بيولوجية متمثلة بمراحل الحمل ( عادة ما تعاني 50% من النساء الحوامل من فقر الدم في أوضاع الحياة الطبيعية)، والإرضاع بالإضافة لفترة الدورة الشهرية التي تفقد بها المرأة نسبة من مخزون الحديد بالدم.

 ويعتبر سوء التغذية عند النساء من الأسباب التي تزيد من فرصة الإصابة بالأمراض المعدية والمزمنة وزيادة فرصة الموت بسببها، ويؤثر سوء التغذية لدى النساء على صحة الأجنة في حالة الحمل، ويؤثر أيضًا على صحة الأطفال خلال السنوات الأولى من عمرهم على الأقل، أما نقص ماء الشرب الشائع في قطاع غزة الآن خلال الحرب فزاد من انتشار التهاب البول بشكل واضح عند النساء بشكل عام والنساء الحوامل بشكل خاص.

وأكد تقرير للأمم المتحدة بتاريخ 21 ديسمبر 2023 بأن جميع سكان غزة - حوالي 2.2 مليون شخص - يعانون من أزمة أو مستويات أسوأ من الانعدام الحاد للأمن الغذائي. وأظهر التقرير أن 26 بالمائة من السكان (نحو 577 ألف شخص) قد استنفدوا إمداداتهم الغذائية وقدراتهم على التكيف ويواجهون جوعًا كارثيًا (المرحلة الخامسة من التصنيف المرحلي المتكامل) والجوع الحاد.

وإذا كان سوء التغذية خلال فترة الحمل وما بعد الولادة مشكلة ففي قطاع غزة وأثناء الحرب؛ فالحمل والولادة بحد ذاته مشكلة بسبب عدم توفر الرعاية اللازمة للأمهات خلال هذه الفترة، بالإضافة إلى انقطاع الطرق وعدم القدرة على الوصول لمستشفيات الولادة، مما اضطر بعض الأمهات للولادة في أماكن الإيواء او في أماكن غير مخصصة لوضع المولود، مع عدم وجود جهة لتقديم الرعاية للأم والطفل أو السيطرة على بعض المضاعفات الصحية بعد الولادة او أثناء الحمل.

ثانيًا: مشاكل مرتبطة بالحمل والولادة

مخاطر تتعلق بالحمل والولادة في غزة.jpg

ومن أهم المشاكل الصحية التي تحتاج رعاية خلال الحمل والولادة: تسمم الحمل، سكري الحمل، الإصابة بالعدوى أو تسمم الدم، أمراض الأوعية الدموية مثل جلطات الدم في الساقين والرئتين، نزيف ما بعد الولادة، وهذه هي المشاكل المعروفة والمنتشرة في العالم أجمع، ولكن في ظل الحرب تعاني نساء غزة من غياب الرعاية اللازمة في حال حدثت هذه المشاكل، وتزداد مشكلة النزيف ما بعد الولادة بسبب اضطرار النساء للمشي مسافات طويلة لعدم توفر وسائل المواصلات بعد الولادة أو حتى خلال الحمل.

وكان الخوف والهلع نتيجة للعدوان المجنون على القطاع، مسببًا أساسيًا للإجهاض عند النساء الحوامل أو الولادة المبكرة لطفل يحتاج لرعاية خداج وام تحتاج لرعاية ما بعد الولادة معدومتين، أما أكثر المشاكل إيلامًا، فكانت القيام بعمليات قيصرية للنساء بدون تخدير بسبب النقص الحاد في المواد والتجهيزات الطبية في المستشفيات، وإذا ما سمحنا لخيالنا برسم صورة لامرأة حامل تضع مولودها خلال حرب دموية مجنونة، فلن نستوعب كم التفاصيل المؤلمة جسديًا ونفسيًا على هذه المرأة.

ثالثا : عدم توفر الأدوية والرعاية الصحية

تعرض النساء اللواتي يعانين من مشاكل صحية وأمراض مزمنة من نقص شديد في الأدوية والرعاية الصحية اللازمة، قد يصل هذا النقص في العديد من الاحيان لعدم توفر الدواء نهائيًا لبعض المرضى، ما قد يؤدي للوفاة مثل مريضات ارتفاع ضغط الدم أو السكري أو حتى مرضى السرطان.

ولم تقتصر مشاكل غياب الرعاية الصحية على النساء الحوامل وما بعد الولادة، فتتعرض النساء اللواتي يعانين من مشاكل صحية وأمراض مزمنة من نقص شديد في الأدوية والرعاية الصحية اللازمة، قد يصل هذا النقص في العديد من الاحيان لعدم توفر الدواء نهائيًا لبعض المرضى، ما قد يؤدي للوفاة مثل مريضات ارتفاع ضغط الدم أو السكري أو حتى مرضى السرطان.

فضلًا عن غياب الخدمات الصحية، مثل خدمة غسيل الكلى وهي خدمة الزامية لمريض الكلى مرتبطه باستمرار حياته، وأعلنت منظمة الصحة العالمية أن هناك نحو 1000 مريض في غزة يحتاجون إلى غسيل كلوي للبقاء على قيد الحياة، إلا أن 80 بالمئة من الأجهزة الموجودة في مستشفيات القطاع تلقت أوامر بالإخلاء، والمستشفى الوحيد لعلاج السرطان في القطاع لم يعد يعمل.

رابعًا: مشاكل صحية مرتبطة بالبرد

مشاكل صحية يسببها البرد للنساء  في غزة.jpg

ومع دخول فصل الشتاء واشتداد البرد ندخل لمرحلة جديدة من المعاناة الصحية هذا عدا صعوبة شعور البرد نفسه، وقد أظهرت العديد من الدراسات بأن المرأة تشعر بالبرد أكثر وأسرع من الرجل، وما يترتب على ذلك من متاعب ومشاكل صحية تؤثر عليها بشكل أكبر.

وهناك أسباب بيولوجية عدة لشعور المرأة بالبرد أكثر من الرجل في ظروف الحياة الطبيعية الإنسانية، فما بالنا في ظل ظروف الحرب والنزوح القاسية، وتأتي أهم هذه الأسباب:

نقص الفيتامينات: بفعل الهرمونات الأنثوية، بحيث لا يستطيع جسد المرأة تخزين كمية كبيرة من الفيتامينات، التي تزداد الحاجة إليها خلال فصل الشتاء، فيستخدمها الجسم خلال عملية توليد الطاقة اللازمة لتدفئة الجسم، فينصح أخصائيو التغذية النساء باختيار الأطعمة الغنية بالفيتامينات، ولكن في ظل عدم توفر كمية الغذاء المناسبة للنساء، فمن ضرب الخيال أن تتوفر النوعية المناسبة الغنية بالفيتامينات.

رقة الجلد: يعتبر جلد الرجل أسمك بنسبة 15% من جلد المرأة لذلك يتفاعل جلد المرأة مع البرد بسرعة أكبر، وبسبب رقة طبقة الجلد عند المرأة، فإن الشعيرات الدموية تضيق عند انخفاض درجات الحرارة، ما يعني بطء الدورة الدموية وانخفاض درجة حرارة الجلد.

تكوين الجسم عند المرأة: يتكون جسم المرأة بنسبة أعلى من الدهون مقابل نسبة أقل من العضلات مقارنة بجسم الرجل، فتقوم العضلات بتحفيز عمليات الأيض في الجسم، ما يزيد من إنتاج الحرارة، فكلما زادت نسبة العضل بالجسم قل الشعور بالبرد، وفي ظل ظروف الحرب وسوء التغذية؛ فبالتأكيد ستقل نسبة العضل بالجسم التي تحتاج لنوعية غذاء غنية بالبروتين لا يمكن توفيرها (كاللحوم والدواجن والأسماك والبيض).

ويعتبر البرد بحد ذاته سبب للعديد من الأمراض والمشاكل الصحية، كما يعتبر أيضًا موقظًا لبعض الامراض من سباتها، ومن الأمثلة على أضرار البرد على جسم النساء تأثير البرد على القلب والشرايين، بالإضافة إلى تأثيره على الجهاز التنفسي، ويعد مرضى الربو الأكثر تأثرًا بالبرد، والمفاصل جميع مفاصل الجسم خصوصًا مفاصل الركبتين، تتأثر بهبوط حرارة الجو، كما أظهرت دراسة أمريكية سابقة بان البرد الشديد أو الحر الشديد من أسباب الولادة المبكرة.

خامسًا: انتشار الأوبئة

انتشار الأوبئة في قطاع غزة.jpg

وإضافة إلى كل ما سبق، فإن ظروف الحرب بحد ذاتها المتمثلة بالنزوح لأماكن مكتظة داخل مراكز الإيواء وحولها، واضطرار البعض للنوم على الأرض شكَّل بيئة مثالية لانتشار البكتيريا والفايروسات، في ما حذرت "أونروا" من خطر انتشار هذه الأمراض، وتعتبر التهابات الجهاز التنفسي الحادة والالتهابات الرئوية أهم هذه الأمراض. وفي حديث لكريستيان ليندماير المتحدث باسم منظمة الصحة العالمية قال: "إن لم يمت الناس بالقنابل، فسيموتون بالأمراض".

وتأتي هذه المشاكل الصحية نتيجة لغياب الظروف الإنسانية، بسبب الحرب أهمها استهداف منازل المدنيين والمستشفيات وإغلاق المعابر ومنع إدخال المواد الغذائية والطبية للقطاع، في ظل صمت وتواطؤ عالمي وعربي ضد إنسانية شعب قرر فقط أن يذكر العالم بحقه المنزوع منذ عشرات السنوات، فنزعت عنه بالقوة إنسانيته ومقومات حياته.