"كوشان.. مفتاح العودة.. غصن الزيتون.. برتقال يافا".. شكلت تلك الكلمات أرضية صلبة للتعريف بالهوية الفلسطينية، فكل رمز منها له حكاية في التاريخ الفلسطيني والذاكرة، هي شاهدة على أحقية الفلسطيني في أرضه.
فهذا رمز البطيخ المدلل على العلم الفلسطيني، وخريطة البلاد على أحقيتنا في البلاد كلها من النهر وحتى البحر ومن أم الرشراش إلى رأس الناقورة، فلنتعرف هنا على قصة كل رمز من رموز الذاكرة الفلسطينية القديمة.
الكوفية الفلسطينية
شكلت الكوفية مصدر إزعاج للاحتلال الإسرائيلي كونها رمز من رموز النضال في وجه همجيته، واعتاد الفلسطينيون على ارتدائها في المحافل المحلية والدولية.
وبالعودة لتاريخ الكوفية فنجده منذ ثلاثينيات القرن الماضي، حيث ارتداها الفلاحون في الثورة ضد الاحتلال البريطاني. وأثناء الثورة العربية الكبرى كانت الزي الرسمي للثوار إذ تخفي هوياتهم حين يضعونها كلثام على الوجه، وحينها حظرت قوات الانتداب البريطاني ارتدائها، فبدأ كل الفلسطينيون بلبسها حتى يحموا المقاومين من الاعتقال.
عنب الخليل
"خليلي يا عنب، حلواني يا عنب".. لطالما تغنى الفلسطينيون بعنب الخليل بطعمه اللذيذ ويقولون عنه "الشهد" نظرًا لحلاوته إذ تفوق نسبة السكر به 30%، وقال عنه الشاعر الخليلي عز الدين المناصرة في قصيدة: "الشهد في عنب الخليل.. وعيون ماء سلسبيل".ويعد العنب الخليلي مصدر دخل للعديد من أهل الخليل، حيث يشغل قطاع العنب خمسة آلاف و600 مزارع فلسطيني في الخليل فقط.
تنتج الخليل ما يقارب 58 ألف طن من العنب، فتكون الأشجار المتدلية منها قطوف العنب ساحرة بشكلها المبهر، ولا تقتصر شجرة العنب على نوع واحد بل له عدة أنواع يحفظها الخلالية عن ظهر قلب، وتصل أنواعه إلى 17 نوعًا فمنها "الدابوقي، الزيني، الشيوخي، الجندلي، الحمداني، الشامي، البيروتي، المراوي، الفحيصي، الرومي الأحمر".
وإضافة إلى ذلك يصنع من شهد الخليل عدة أصناف كالدبس، الملبن، العنبية، عصير العنب، الزبيب، ومربى العنب. يُقال أن شجرة العنب "الجندلي" تعيش ما يقارب 150 عامًا، أما "الدالية" ت"عمر حوالي 20_25 وما إذا تم رعايتها تعيش حتى الستون. ويبدأ موسم قطف العناقيد من يونيو وحتى أكتوبر.
خريطة أرض الزيتون
لا شك أن خريطة فلسطين التي نعرفها جيدًا هي من البحر وحتى النهر دون استقطاع منها أبدًا، ومن رأس الناقورة إلى أم الرشراش، فهنا على الخريطة يافا وبربرة وسمسم والخليل ونابلس وغزة وعكا.
تعددت الخرائط المقتطع منها أجزاء من فلسطين المحتلة ولكن تبقى خريطتنا الفلسطينية هي الرمز الفلسطيني الشاهد علينا للأبد كشجرة الزيتون تمامًا التي حاول الاحتلال سرقتها وأثبت المؤرخون أن أصلها كنعاني لا علاقة لها بما يُسمى ب"إسرائيل".
مفتاح العودة
كل اللاجئين الفلسطينيون بلا استثناء يعرفون ماذ يعني مفتاح العودة الذي نجده في جيوب أجدادنا، فهو رمز فلسطيني يدلل على حق العودة للبلاد، إذ هجروا بالقوة في 1948، فمنهم من خرج خارج فلسطين ومنهم من بقي بداخلها ولكن في مدن أخرى.
ما زال مفتاح العودة تتوارثه الأجيال، يرافقه "الكوشان"، وهي وثيقة فلسطينية تثبت الحق بالأرض، ويحكي الأجداد الحكايات لأحفادهم "كنا أيام البلاد نعمل كزا وكزا".. يرون عن يافا وحيفا وعكا ويبنا والمغار وبئر السبع والمجدل، وكل منهم يحمل المفتاح الذي يدلل على بقاء فلسطين في الذكراة للأبد.
يقول عن الرموز الفلسطينية رئيس المتحف الفلسطيني للتراث والآثار غسان وشاح:"تلك الرموز والدلالات والمشاهد التي أكدت عمق تمسك الفلسطيني في أرضه، ومرت في الذاكرة الفلسطينية، وظلت عالقة فيها ولم ينسها أجدادنا ولا الأحفاد تدلل على أن سارقي الأرض الإسرائيليون طارئون ودخيلون على هذه الأرض".
برتقال يافا
"يلا برتقان.. يافاوي يا برتقان".. للفلسطينيين اليافاويين لكنة خاصة مبهجة وهم ينادون على فاكهة يافا الأولى البرتقال، يُعرف بنكهته اللذيذة، وهو رمز من الرموز الفلسطينية التراثية الأصيلة.
ويعكس تمسك الفلسطيني بأرضه وزرعها وحصادها، ولطالما كان للبرتقال مصدرًا للدخل المحلي. ما عزز علاقة الفلاحون بالبساتين، كان البرتقال اليافاوي يُصدر للعالم فقد زرعه الفلسطينيون من قبل نشأة ما تُسمى ب "إسرائيل" وصدروه لأوروبا وأمريكا ولاقي إعجابهم.
يقول المؤرخون إن زراعة البرتقال في ضواحي يافا وبساتينها يعود ل 4 آلاف قبل الميلاد، أي من أيام كنعان. تغنى به الأدباء كثيرًا، فالمزروع في يافا له خصائص فريدة، بقشرته السميكة التي تساعد على حفظ البرتقالة لوقت أطول، وطعمه الذي تغلب عليه الحلاوة.
كتب في برتقال يافا غسان كنفاني وعنون روايته "أرض البرتقال الحزين"، وبين محاولات سرقة بساتين البرتقال ونسب الإسرائيليون تلك القيمة التاريخية لأنفسهم، فنقل على لسان فلاح يافاوي فلسطيني:"البرتقال يذبل إذا ما تغيّرت اليد التي تتعهده بالماء"
"البرتقال يذبل إذا ما تغيّرت اليد التي تتعهده بالماء"
يذكر أنه كان قديمًا تتوزع بيارات البرتقال في كل شبر بيافا، والميناء عامر بالبرتقال اليافاوي المحصود بحب من الفلاحين الفلسطينيين، يضعوه في صناديق ويرسلونه للخارج ليكون شاهدًا على رائحة أرض فلسطين.
ووفقًا لوثائقي عُرض سابقًا باسم "اغتيال المدينة" الذي يحكي عن تاريخ يافا وحيفا قبل النكبة، فكيف كان شكل الحياة، ووثق حكاية تصدير 30 مليون برتقالة عبر ميناء يافا لمصر وأوروبا وتركيا خلال الحقبة الزمنية ما بين 1882_1885.
ونهاية نود القول إن برتقال يافا رمز يعبر عن الهوية الفلسطينية، وهو من التراث الزراعي والثقافي للفلسطيني، وتاريخ بساتين يافا يدحض مزاعم الصهاينة أن فلسطين أرض بلا شعب وقاحلة.
البطيخ
هل تخيلتم يومًا أن يكون البطيخ رمزًا للنضال الوطني الفلسطيني، ربما يكون من المثير للاستغراب أن يكون كذلك، ولكن ألوانه التي تشبه العلم الفلسطيني جعلته رمزًا بديلًا للعلم.
يُقال إن البطيخ اُستخدم للتعبير عن الهوية الفلسطينية لأول مرة بعد حرب النكسة 1967، وقتما سيطر الاحتلال الإسرائيلي على الضفة الغربية ومنع استخدام العلم الفلسطيني، وكان الناس قد لجأوا لتقطيع البطيخ وتركه أمام الأبواب للتحايل على منع رفع العلم.
استخدم الفلسطينيون فاكهة البطيخ، لتجاوز ذلك المنع، لأنها عند تقطيعها تحمل نفس ألوان العلم الوطني الفلسطيني "الأحمر والأسود والأبيض والأخضر"، ولم يكن ذلك هو السبب الوحيد، لكن لارتباط فاكهة البطيخ بأرض فلسطين، حيث اشتهرت فلسطين بزراعة البطيخ قبل نكبة 1948
وظهر البطيخ مؤخرًا وطغى على الساحة كرمز فلسطيني في حرب الإبادة الجماعية على غزة والتي بدأت في 7 أكتوبر 2023، فكان كواجهة من جديد في المظاهرات الاحتجاجية ليعبر عن المقاومة الفلسطينية. وقد اُستخدم "ستكر البطيخ" على مواقع للتواصل الاجتماعي بكثرة لُيعتبر بديل عن العلم الفلسطيني.