كان قد أُقيم سجن الدامون اللعين الذي تقبع فيه الآن فلذات أكبادنا وأمهاتنا وحبيباتنا على أعالي جبال الكرمل في حيفا زمن الانتداب البريطاني، واستعمل وقتها مخزنًا لتجميع الدخان وتخزينه، وبني بطريقة معينة للحفاظ على الرطوبة من أجل حفظ أوراق الدخان وأصبح بعدها سجنا يضم حرائر هذه البلاد بغرفٍ سيئة التهوية وأرضية من الباطون ليكون باردًا جدا بالشتاء وحارًا جدًا بالصيف.

تقبع الآن في سجن الدامون أكثر من 90 حرة ولكل واحدة منهن أهل وأبناء وأحبة يفكرون بها دائما ويضمرون الشوق والأمل في قلوبهم، ينتظرون البشرى وموعد اللقاء بشوق ويخطون بكلمات مليئة بالفخر والعز والصمود بعضا من مشاعرهم للتخفيف من حدة اشتياقهم، يكتبون الأهالي لتبقى ابنتهم حاضرة بكل عز وعنفوان.
المعتقلة جنين عمرو
كتب محمد عمرو والد الأسيرة جنين عمرو، أو كمان تناديها رفيقاتها بالأسر جنين يا ثورة: "لم يخطر بالبال يوما أن تنقض الكلاب الضالة بكل هذه الوحشية على شابة ما بين الطفولة والشباب وتنتزعها من فراشها في أبشع مشهد قد يخطر بالبال، ثم تقتادها في رحلة تعذيب وضرب وإهانة إلى باستيلات الإجرام الصهيوني، ثم يحكم عليها بالسجن الإداري، ثم تمدد مدة الاعتقال مرتين إضافيتين، إنها جنين البريئة البشوشة الذكية النقية المرحة المحبة للحياة، لم تقترف ذنبا يستدعي هذا الإجرام بحقها وبحق آلاف الأسيرات والأسرى في معسكرات التعذيب والإبادة الصهيونية.
إنني أرفع رأسي عاليا كلما خطرت بالبال جنين، وأقول إن الله يصطفي ويصنع من عباده طلائع قيادة النصر والتحرير، ويخضعنا لاختبار صعب ليرى أنصبر أم نفجر ... اللهم إني استودعتك جنين وكل أسرانا فاجعل اللهم كل هذا من أجل نصرة الحق وفي ميزان التقوى".
المعتقلة سجى معدي
وتكتب نور معدي شقيقة الأسيرة سجى معدي المتفائلة التي حولت محنة الأسر إلى منحة في التخفيف عن رفيقاتها بالأسر: "سجى أختي وحبيبة قلبي اعتقلوها بفجر يوم ١٨-٤، بوقت اعتقالها كانت مشيتها ونظراتها كلها قوة وشموخ وكانت آخر كلمات لها وهي تخفف عنا وتعطينا الكثير من الأمل.
هذه هي سجى دائما تفكر بالجميع وتحب الجميع وتساعد الجميع بكل إخلاص وحب وإحسان. تركض في السجن دائمًا لتخفف عن رفيقاتها بالأسر ليتحدثن عن الحرية ويُعدن رسم الأمل معا من جديد ويقفن شامخات بوجه الظلم ويرفضن أن يراهن السجان وأقد أصابهن جزء من اليأس.
سجى إنسانة عظيمة وجهها كله قبول من يراها يحبها فورا وضحكتها تشرح الصدور، قوية ولا تتعامل مع شخص إلا وتترك أثرها المميز الطيب بقلبه، وهذا الأثر أصبح أكثر وضوحا بعد اعتقالها فعدد الأشخاص الذين تحدثوا عنها واهتموا لأمرها كبير، كان همُّ سجى الأكبر أن تسعد الآخرين وتخفف عنهم همومهم فهي تحب الخير وترفض الظلم وصوتها دائما مرفوع للحق.
كان أجمل شيء ببيتنا هو الجو الذي تخلقه سجى بنكاتها اللطيفة ومشاعرها وحبها وخفة ظلها وقصصها المليئة بالحياة والضحك والأمل بكل زاوية بالبيت، سجى هي القلب النابض لعائلتنا. اللهم اكتب لها الأجر بقدر الخير الذي في قلبها وارض عنها وارضها وفك أسرها يا رب العالمين"
المعتقلة شهد عويضة
وتكتب حياة عن ابنتها شهد عويضة أو كما تسميها رفيقاتها بالأسر شهد العسل:"كلمات عن ابنتي الأسيرة شهد عويضة حبيبتي ومهجة قلبي شهد أو كما ينادونك رفيقات السجن (بشهد العسل).
أنت مثل الفراشات والزهور خلقت لكي يكون المكان جميل أينما كنت وها أنت تحولين أقبية السجن الموحشة والمظلمة إلى مكان منير
بضحكاتك وابتسامتك الدائمة المرسومة على وجنتيك وبكلماتك المرحة وبمشاعرك الرقيقة المخففة على رفيقاتك من ويلات السجن. شهادات وكلمات تشعرني بالعزة والفخر من حبيباتنا الغاليات الأسيرات المحررات فقلن لي شهد الرفيقة الصلبة العنيدة و الابنة البارة المطيعة في نفس الوقت. الصديقة الصدوقة والخلوقة والأخت الحنونة المحبة للجميع والتي يحبها الجميع قلن لي شهد الصغيره عمرا الكبيرة عقلا هي بلسم وفراشة الدامون.
الحمد لله على محبة الناس لك وعلى كلمات الثناء عليك وعلى تربيتك، هذه الكلمات تاج فخر واعتزاز على رأسي. كانت شهد قد اعتقلت بتاريخ 27/3/2024 في منطقة عيون الحرامية وهي في طريقها إلى جامعتها بير زيت (التي أحبتها كثيرا) من خلال حاجز طيار لقوات الاحتلال.
تركت شهد فراغا كبيرا فقد كانت شهد مدللة البيت، محبوبتنا الصغيرة لأنها آخر العنقود وفراشة البيت، وخصوصا أن كل أخواتها متزوجات وهي التي كانت تهتم بنا أنا ووالدها كنا مستأنسين بوجودها معنا فهي مرحة فرفوشة روحها جميلة ولا تحب أن تضايق أحد.
شهد فتاة مثقفة جدًا وبتحب المطالعة كثيرًا، عقلها أكبر من سنها فهي قادرة على احتواء الجميع رغم سنوات عمرها العشرين التي أكملتها داخل المعتقل.مدللة أخواتها وأولاد أخواتها يحبونها كثيرا ويشتاقون لها كثيرا و ينتظرونها كل يوم لتعود وتلاعبهم، تحب الرفق بالحيوانات وخصوصا القطط. لم يتعرف عليها أحد إلا وأحبها وتركت عنده أثر.
اشتقت لك يا حبيبتي شهد كثيرًا، ولكن يكفيني أنك بخير الفرج القريب العاجل لك ولجميع الأسيرات والأسرى عاجلا غير آجل
المعتقلة هندر البرغوثي
أما الأسيرة هندر البرغوثي فيكتب عنها ابنها رائد البرغوثي الذي نجح في التوجيهي وبقي فرحه منقوصا بغياب أمه الحبيبة: "بدأت قصة الألم والوجع الذي نمر به منذ 6 أشهر تقريبا إذ لا زلت أتذكر تلك الليلة بكامل حذافيرها وتفاصيلها ليلة السابع من مارس 2024، الليلة التي انطفأ بها ضوء البيت، الليلة التي ستبقى في الذاكرة بكل ملامحها،الليلة التي اعتقلت بها والدتي وغيبت عن البيت.
أتى في حينها شذاذ الآفاق الذين لا يملكون في قلوبهم ذرة رحمة وبدأوا بالضرب الشديد على باب منزلنا وعندما فتحنا لهم هرعوا بالدخول إلى البيت مثل الوحوش وبدأوا بتفتيشه، وفي لحظة صمت منهم تقدم أحد الجنود إلى والدي وقال له جئنا لنأخذ زوجتك، فصدمنا صدمة كبيرة وبعد أن استعدت أمي وهي ذاهبة معهم قال جملة كانت بمثابة أملٍ كبير لنا حيث قالت "تخافوش عليّ رح أضل بخير".
غابت أمي وتركت خلفها خمسة من الأولاد وكنت أنا طالب التوجيهي في البيت وكان حينها اختبارات نصف الفصل الثاني وقد أثر غياب أمي تأثيرا واضحا عليّ إذ كنت في كل الوقت أفكر فيها وفي ما تفعل في كل دقيقة تقضيها في السجن وأسأل نفسي ماذا تفعل الآن، وفي كل مرة كنت أتأخر فيها في الدراسة كنت أتذكر كم ستكون سعيدة بما سأفعله، فثابرت وتعبت ونجحت.
وكان هناك البعض من مراسم الفرحة التي أظهرناها داخل بيتنا ولكن الله يعلم ما نشكو من الألم إذ كانت الفرحة منقوصة في غياب أمي ولكن لا يسعنا إلا أن نشكر الله على كل حال فالحمدلله على هذا الحال ونسأل الله أن يفرج عن أسرانا وأسيراتنا من سجون الطغاة".
لم تنته الحكاية هنا فهذه المشاعر والساعات والأشهر سَتُحفرُ بذاكرة الأسيرة وأهلها وكل من يحبها حتى التحرير والنصر وسنرويها كقصص للأجيال القادمة بكل فخر واعتزاز و لن ننسى الظلم و سنقاوم حتى يزول حتى يزول.