منذ السابع من أكتوبر، لم تعد البطيخة بالنسبة لطفلي، مجرد فاكهة يرقص فرحًا مطلع كل صيف لقدومها، بل باتت فاكهة كل الفصول، حتى وإن لم تكن للأكل، وأصبحت تحمل قصصًا كثيرة وكبيرة جدًا نسبة إلى فاكهة .. باتت تحمل فلسطين، يهتف كلما ما رآها "free free palestine"!
الأمر بدأ مع استخدام هذا الشعار بكثرة للتعبير عن فلسطين بسبب التقييد الكبير، خصوصًا في المظاهرات التي ينظمها الناشطين في الغرب، والتي كان يراها طفلي أثناء مشاهدته للأخبار برفقتنا.
كم كان من الصعب، شرح تفاصيل هذه القضية التي نحن منها وهي منا، إلى طفل، حتى جاءت البطيخة ليسأل طفلي "ماما ليش حاملين بطيخة" وأنتهز أنا الفرصة الذهبية لأحكي لطفلي قصتها وعلاقتها بما يحدث.
دور الرموز في تربية الأطفال
رمز البطيخ وقصته، ليست حالة خاصة بي أو تجربة فريدة، إذ إن استخدام الرموز في العملية التعليمية ليس وليد الصدفة، بل إستراتيجية تعليمية أساسية في تنشئة الطفل وتربيته.
يقول عالم النفس السويسري (جان بياحية) أن اللغة في الأساس رموز واستخدام الفكر الرمزي في عملية التعليم، ويعزز نمو اللغة والمفاهيم عند الطفل، خصوصًا في الأربع سنوات الأولى من عمره. وربما لهذا السبب نرى كتب الأطفال التعليمية تعج بالصور إلى جانب كلمات وحروف معدودة، وذلك لأن دعم الكلمات والمفاهيم بالرموز، تساعد الطفل على الفهم وربط ما يتعلم بشكل أسرع وأسهل وأثبت.
واستخدام الرموز لا يرتبط فقط في العملية التعليمة الخاصة بالحروف والأشكال والمهارات، بل يتم تطويعها أيضا غرس الأفكار والمعتقدات وشرح القضايا وتوعية طفل بها مثل قضية فلسطين.
وفي ظل تعدد وتوسع وسائل الإعلام واجتياحها كل المنازل، وتوافرها في كل الأيادي الكبيرة والصغيرة، وعرض محتوى،جله فارغ المحتوى، يلزم المربين والآباء والأمهات، أن يوجدوا مادة بديلة تحمل قيمًا وأبعادًا دينية ووطنية وأخلاقية تربطهم في مجتمعهم العربي والإسلامي، وتوجه بوصلتهم نحو الحرية والشجاعة والصبر والعطاء.
كيف نغرس قضية بفلسطين في نفوس أطفالنا عبر الرموز؟
القضية الفلسطينية غنية بالرموز التي اكتسبتها عبر التاريخ وحتى اليوم، إثر تتابع الأحداث التي مرت بها ابتداء من الكوفية والبرتقال والجوافة والعنب والمفاتيح القديمة وحنظلة، التي تعبر عن مسيرة نضال وملحمة عاشها الشعب فلسطيني ولا يزال، وصولًا إلى المثلث الأحمر المقلوب والبطيخ وأحذية نبولي والبناطيل الرياضية.
إذ تتجاوز رمزيتها القصص الخيالية التي حملت معاني البطولة والشجاعة والقوة، متجاوزة القصص الخيالية والأبطال الخارقين، وأفرزتها المرحلة الحالية ويمكن أن تقطع مسافات شرح أحداث ومعتقدات كثيرة لأبناءنا وأطفالنا وتفتيح أذهانهم وعقولهم وتنشئتهم تنشئة وطنية من خلالها.
دمج الرموز بالأنشطة التربوية
يمكن دمج هذه الرموز في عدد من الأنشطة التربوية، يربط الطفل الرموز بالقضية شارحة نفسها بسلاسة ووضوح:
الأنشطة الترفية: انتشرت في السنوات الأخيرة الكثير من الألعاب التعليمية والتربوية المتعلقة بالقضية الفلسطينية، مثل البازل الذي بشكل في النهاية خارطة فلسطين التاريخية عبر ترتيب المدن، وقد يتم التعبير عن كل واحدة منها بنوع الفاكهة التي تشتهر مثل الجوافة من قلقيلية والبرتقال من يافا أو عبر الحرفة التي تشهر فيها مثل الصابون من نابلس والزجاج من الخليل.
يحفظ الطفل كل شبر من أرض فلسطين متعلمًا عبر الرموز التي تحتويها اللعبة تاريخها وجغرفيتها وعن خيرتها وحرف أهلها. وهناك أيضًا دفاتر التلوين لمعالم المسجد الأقصى
وبهذا يحفظ الطفل كل شبر من أرض فلسطين متعلمًا عبر الرموز التي تحتويها اللعبة تاريخها وجغرفيتها وعن خيرتها وحرف أهلها. وهناك أيضًا دفاتر التلوين لمعالم المسجد الأقصى وغيرها .
القصص المحكية والمكتوبة وأفلام الكرتون: ذكرت سابقًا أن الإعلام يزخر بالمواد التافهة، غير أن هنالك محتوى مضاد يمكن أن يشاهده أطفالنا من أناشيد وبرامج أطفال وأفلام كرتون ليتعلموا من خلالها عن القضية الفلسطينية، وعلى صعيد آخر هنالك القصص المكتوبة أو المحكية والمأخوذة من أحداثنا اليومية.
وتصب في ذات المواضيع وتكون زاخرة بالصور والمشاهد والعناصر والرموز الفلسطينية، كأن يرتدي أبطالها الكوفية والثوب الفلسطيني ويمسكون بالمفتاح والكوشان، أو يقاومون ببسالة لنيل الحرية من العدو.
الديكور المنزلي: عندما يكبر الطفل داخل منزل يعج بالرموز الفلسطينية التي تتجسد من خلال التحف والبراويز وبعض قطع الأثاث والأواني المنزلية، مثل صورة كبيرة للمسجد الأقصى، أو مجسم لقبة الصخرة، أو أكواب خزفية، منقوش عليها معالم فلسطينية، أو ملصقات على الثلاجة للمثلث المقلوب والبطيخة وعلم فلسطين.
فذلك يجعله مرتبطًا دومًا بقضيته ودائم السؤال والتعلم عنها. حتى يصل مرحلة تصبح حاجياته الخاصة من قرطاسية وملابس وألعاب تحتوي ذات الرموز.
الهدايا: تخيل أن يكون للهدية قيمتان، واحدة كونها هدية تبهج الطفل، والقيمة الأخرى معنوية وتربوية من خلال ارتباطها بالقضية الفلسطينية، مثل هدية ثوب فلسطيني أو كوفية أو حقيبة أو ميدالية أو سلسلة تحمل رمزًا فلسطينيًا أو علمًا فلسطينيًا يعلقه على دراجته، كذاك الذي يعلقه المقاوم على ظهر الدبابة قبل تفجيرها.