بنفسج

سعاد سكيك.. علا عطالله..سلمى مخيمر...حنين القشطان

الأحد 01 ديسمبر

لقد كانت الصحفيات الفلسطينيات دائمًا في طليعة المناهضين للاحتلال الاسرائيلي وفي صدارة من يقف في وجه المحتل في حروبه التي يشنها ضد الفلسطينيين، ومنذ بدء حرب الإبادة الجماعية في 7 أكتوبر/تشرين الأول، عكفن صحفيات غزة على العمل الدؤوب في التغطية الإخبارية وفضح جرائم الاحتلال في غزة، فاستهدفهن الجيش الإسرائيلي بشكل مباشر للقضاء على الكلمة والصوت الحر، وتعمّد قتل الصحفيات والصحفيين لطمس الحقيقة وترهيب أقرانهم.

في هذه السلسلة من المقالات نستعرض سِير موجزة ومقتضبة للصحفيات الشهيدات من غزة، اللواتي استهدفهن الاحتلال الإسرائيلي في حرب الإبادة الجماعية المستمرة منذ السابع من أكتوبر،لحفظ سيرهن وسرد حكاياتهن التي هي جزء من حكاية الفلسطيني المقهور، والممتدة منذ أكثر من 75 عامًا. 

ففي حربها ضد السردية والحكاية الفلسطينية قتل الاحتلال ما يزيد عن 191 صحفيًا في غزة، واعتقل المئات في الضفة، قتل الكلمة ومن يقولها، أيًا كانت لغته، قتل صحفيات كُن قبل هذا وذاك، سيدات وأمهات وفتيات فلسطينيات.

الصحافية الشهيدة سعاد سكيك

الصحافية الشهيدة سعاد سكيك.jpg

سعاد سكيك هي صحفية فلسطينية من مدينة غزة ، زوجة وأم لطفلتين، تربت في كنف عائلة غزية ثرية، عملت في المجال الصحافي منذ أن كانت تدرس الإعلام في الجامعة الإسلامية، ومن أبرز الأماكن التي عملت بها إذاعة الإيمان وقناة الكتاب، إضافة لعملها كمراسلة صحافية لعدة قنوات.

كانت سعاد صاحبة صوت هادئ ووجه بشوش، ومنذ أن انقلبت حياتها في السابع من أكتوبر، لم تتوقف عن الحديث عن هموم الناس في الحرب، سلطت الضوء على حكايا النازحين في الخيام والتي كانت واحدة منهم، فعانت مما عانوا منه.

في 11 يناير/كانون الثاني 2024 كتبت سعاد عبر موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك": "باختصار بدي أروّح على داري، نفسي أصرخ من أعلى جبل، حسبي الله ونعم الوكيل". لم تكن وحدها من تود الصراخ بل شاركها الأمنية 2 مليون غزاوي ونيف، أرهقتها الهموم وأرهقتهم، فاتخذوا من وسائل التواصل الاجتماعي وسيلة للتفريغ والحديث.

"لا تقتل الطلقة وحدها ولا القذيفة، يمكن لعدوك أن يقتلك بصور شتى، ويمكن لمن يفترض أنهم في صفك أن يقتلوك كذلك بنفس الطرق، تتلخص هذه الطرق في كلمة واحدة.. القهر".

اُستشهد الكثير من أقارب سعاد فكتمت القهر في قلبها، خافت على مصير أطفالها، فكان الانتظار قاسيًا مرًا، في إحدى المرات كتبت عبر "فيسبوك": متى يقولوا خلصت الحرب؟ يا ترى هنكون عايشين؟ هنكون قادرين على الحياة أصلًا؟ احنا متنا قبل ما نموت".

قُهرت سعاد من الحرب والفقد والجوع والخذلان والأمل واليأس، تكدست كل هذه المشاعر في قلبها حتى قتلته، قالت عن القهر والموت المحقق في غزة: "لا تقتل الطلقة وحدها ولا القذيفة، يمكن لعدوك أن يقتلك بصور شتى، ويمكن لمن يفترض أنهم في صفك أن يقتلوك كذلك بنفس الطرق، تتلخص هذه الطرق في كلمة واحدة.. القهر".

في 28 يناير/كانون الثاني 2024، توقفت سعاد عن الكتابة للأبد، رحلت عن عالم العمل الصحافي وهو في أكثر الأوقات احتياجًا لها، لكنها لم تُقتل بصاروخ إسرائيلي مباشر، بل قُتل قلبها المنهك من أسى الحرب والنزوح والبرد والخوف، ليعلن استكانة أبدية بعد سكتة قلبية مفاجئة في خيمتها بمدينة رفح.

الصحافية الشهيدة علا عطالله

الصحافية الشهيدة علا عطا الله.jpg

لم تتوقف علا عطالله عن الكتابة أبدًا، كان قلمها سلاحها في وجه الترسانة الإسرائيلية، كتبت في السياسة، وفي المجال الاجتماعي، وفي الحرب بذلت نفسها للكتابة عن غزة، وثقت حرب الإبادة الجماعية، وحكت عن عنفوان الحزام الناري فقالت: "هذه الحرب التي تعجز عن وصف أهوالها كل لغات الكون وأدب العالم ومفرداته أطلق عليها سكان المدينة حرب الإبادة كأقل تعبير. هذا الخراب يصنعه حزام ناري، وقد يبدو المصطلح رومانسيًا أمام فواجع ومآسي ما تخلفه قنابل تلك الأحزمة ونيرانها".

عملت علا في العديد من الوكالات المحلية والدولية، وأبرزها وكالة الأناضول التركية، وشبكة وطن، ومنصة تواصل الإعلامية ووكالة هيسبرس. نزحت علا من منزلها خلال الحرب فلجأت لمنزل خالها في حي الدرج بمدينة غزة، على أمل العودة يومًا ما للبيت، ولكن الصاروخ الذي خطفها كان أسرع من أمنياتها العالقة، قتلها الجيش الإسرائيلي رفقة شقيقها وزوجته وأطفالهما الثلاثة، وابنة خالها وابنيه أيضًا.

"لم أكن يومًا أتخيل أنّ الخدع السينمائية المستخدمة في صناعة الأفلام وتقنيات الإبهار البصري يمكنها أن تكون واقعًا حقيقيًا، هكذا بدت لي المربعات السكنية في حي اليرموك وسط مدينة غزّة، كأنّها تلك الصور الهاربة من أفلام الخيال: الأبراج والمباني العالية تكوّمت كالجبال، فيما تداخلت البيوت بعضها في بعض كأنّها قطع بسكويت ذابت في كأس شاي ساخن. لا معالم للحيّ، كأنّه مكان آخر تمامًا".

قبل استشهادها كتبت على منصة إكس: "كم على غزة أن تعدّ من ليالي الرعب والموت؟ كم عليها أن تعدّ من أيام الفقد والغياب والوجع؟ كم عليها أن تعدّ من ساعات الجوع والعطش والبرد، والمرض والنزوح والغربة؟ كم عليها أن تعدّ من راحلين وباكين ومكلومين كي تسقط لعنة الحساب وتختفي قسوة الأرقام".

كُتِب لعلا قبل استشهادها أن ترى خراب غزة، فُقهر قلبها على ما حل بالبلاد وبحي سكنها، فعقبت في مقال لها بعد رؤيتها للدمار المروع، "لم أكن يومًا أتخيل أنّ الخدع السينمائية المستخدمة في صناعة الأفلام وتقنيات الإبهار البصري يمكنها أن تكون واقعًا حقيقيًا، هكذا بدت لي المربعات السكنية في حي اليرموك وسط مدينة غزّة، كأنّها تلك الصور الهاربة من أفلام الخيال: الأبراج والمباني العالية تكوّمت كالجبال، فيما تداخلت البيوت بعضها في بعض كأنّها قطع بسكويت ذابت في كأس شاي ساخن. لا معالم للحيّ، كأنّه مكان آخر تمامًا".

الصحافية الشهيدة سلمى مخيمر

الصحافية الشهيدة سلمى مخيمر.jpg

لم تطق خريجة اللغة عربية والإعلام من الجامعة الإسلامية فراق مسقط رأسها غزة، فقد غادرتها قبل ما يزيد عن ثلاثة سنوات بسبب زواجها من الدكتور علاء أبو شاور، لتعيش في العاصمة الأردنية عمان، وفي 30 أكتوبر من العام 2022 وضعت طفلها الأول، وقبل حرب الإبادة الجماعية وتحديدًا في أغسطس 2023، عادت لغزة في زيارة مفاجئة لأهلها لتدب الفرحة في قلوبهم وقلبها، ولكن بعد شهرين اندلعت الحرب، لتعيش مرارة الحرب رفقة أهلها ولكن الألم لم يطل طويلًا.

اُستشهدت في 24 أكتوبر 2023 بعد استهداف منزل عائتلها في مدينة رفح، رحلت وقهرت قلوب محبيها الذين كانوا يريدون إطفاء شمعة ميلاد علي طفلها الأول معها، تقول مفاز يوسف صديقة الشهيدة المقربة : "مع بدء الحرب قالت سلمى لي الحمد الله مائة مرة أنني مع أهلي في الحرب، فذلك أهون من أن أموت مائة مرة في الغربة وحدي".

"يارب، لو صار النا شي، نموت أنا وابني سوا ويدفنوه بحضني." كانت أمنية سلمى الأخيرة وبالفعل تحققت ودُفنوا طفلها بذات القبر بين أحضانها.

قتلت إسرائيل في مجرزة عائلة مخيمر العائلة كلها، لم ينج منهم إلا ابنتهم آيات لأنها كانت في بيت زوجها، وشقيق سلمى موسى، المصاب إصابة خطيرة.

تقول الصديقة مفاز عن يوم تلقيها للخبر: "وصلني الخبر فلم أصدق وعشت حالة من الإنكار، اُستشهدت سلمى فجرًا،فتواصلت مع زوجها فقال: "سايق عليك الله ما تحكيها"، فكان صعبًا عليَّ أن أنقل خبر شقيقتي وصديقتي لزوجها"."يارب، لو صار النا شي، نموت أنا وابني سوا ويدفنوه بحضني." كانت أمنية سلمى الأخيرة وبالفعل تحققت ودُفنوا طفلها بذات القبر بين أحضانها.

 الصحافية الشهيدة حنين القطشان

الصحافية الشهيدة حنان القشطان.jpg

حنين ابنة المحافظة الوسطى وتحديدًا مخيم النصيرات، حاصلة على البكالوريوس في الصحافة والإعلام من جامعة الأزهر، عملت كمعدة برامج في قناة الكوفية، ومقدمة برامج في قناة بلدنا، ومحررة في موقع أحوال البلد.

قبل حرب الإبادة الجماعية كانت حنين تقاتل المرض وحدها، وبفضل الله تمكنت النجاة من مرضها، لكن في 17 ديسمبر/كانون الأول استهدف الاحتلال منزلها الواقع في النصيرات، لتستشهد رفقة عدد من أفراد عائلتها.

كتبت حنين قبل رحيلها على حسابها على "فيسبوك": " أنا قوية، قوية جدًا.. لكن ليس حدّ عبور الليل كلّه وحدي، دون أن أموت فيه مرةً أو مرتين". ونشر لها مقطع صوتي قصير أرسلته لأحد الأصدقاء فكان صوتها مرتبكًا وهي تقول: "خايفة كتير، حاسة أن روحي هتطلع، بس يا رب أموت أول واحدة في عيلتي، ما بدي أشرب نار حد، قلبي مقبوض كتير، ما ضل فينا حيل نتحمل والله، ما ضل".