ريم الرياشي، واحدة من النساء الفلسطينيات اللواتي عشن في غزة، انضمت إلى كتائب عز الدين القسام، لتنغمس في صفوفهم وتكون في الخط الأول للمقاومة الفلسطينية. ربطتها علاقة أبوية بالشيخ أحمد ياسين الذي رفض أن تنفذ عمليتها الاستشهادية، ودعاها لتربي أطفالها، ولكنها رجّحت كفة الجهاد في سبيل الله، فنفذت عمليتها التي سُجلت في التاريخ الفلسطيني المقاوم.
تفرد بنفسج في هذا التقرير مساحة خاصة للفدائية الشهيدة ريم الرياشي: سيرتها الذاتية وحياتها، وعلاقتها بمن حولها، وماذا قيل عنها، وعمليتها الاستشهادية ونتائجها ومكانتها من بين العلميات العسكرية التي نفذتها المقاومة الفلسطينية، فضلًا عن العلميات التي نفذتها نساء المقاومة.
ريم الرياشي: القسامية ابنة حي الزيتون
ترعرعت ريم في حي الزيتون في مدينة غزة، لديها 10 من الأشقاء، 6 أولاد، و4 بنات، وهي الثامنة في الترتيب العائلي، تفوقت في دراستها، فحازت على 96% في الثانوية العامة، واختارت تخصص الهندسة لتدرسه، لكنها تزوجت، فتأجل مشروعها الدراسي. بدأت علاقتها بكتائب عز الدين القسام تتشكل في الثانوية العامة، إذ تأثرت بالفكر المقاوم.
كانت تتوجه إلى مسجد المصطفى القريب من بيتها لحفظ القرآن الكريم رفقة صديقتها. حملت هم القضية الفلسطينية، وآلمتها رؤية الدمار والمجازر والأشلاء، فأرادت أن تنتقم لكل أم وابنة، ولكل مجزرة ارتكبها الجيش الإسرائيلي. آمنت بفكرة وعاشت لتحققها، تلح على كتائب القسام لتنفيذ عملية استشهادية تكون هي بطلتها.
لكن الكتائب أعطت أولوية تنفيذ العلميات للرجال، ولكنها طلبت أكثر من مرة من الشيخ أحمد ياسين أن يقبل طلبها وكان يخبرها أن تبقي مع أطفالها لتمنح فلسطين جيلًا مقاومًا، وفي كل مرة تعود بألمها وأملها حتى سنحت لها الفرصة. وعلى الرغم من أنها زوجة وأم لطفلين محمد وضحى، إلا أنها قالت: "أحب أولادي ولكن حب الله أكبر"، فحركتها غريزة الجهاد في سبيل الله، واختارت أن تثأر لدماء كل من قتله "إسرائيل".
أول استشهادية في غزة
بعد تضييق الخناق على المجاهدين من كتائب القسام، وتقييد حركتهم بالخروج من غزة، قررت الكتائب أن تنفذ سيدة العملية الاستشهادية، فوقع الاختيار على ريم الرياشي المعروفة برغبتها الشديدة في نيل تلك الفرصة، فتم التواصل بزوجها الذي قبل الأمر لمعرفته برغبة زوجته في الشهادة.
في 14 يناير/كانون الثاني 2004، توجهت ريم لتنفيذ عملية فدائية في معبر بيت حانون "إيرز"، وقبلها بأيام عاينت المكان وفحصته جيدًا وتعرفت عن قرب على الآلية المتبعة للسفر من خلاله. وضعت ريم حزامها الناسف حول جسدها وأحكمته جيدًا، وأمسكت بعكازين وانطلقت نحو الهدف، وبمجرد مرورها على الحاجز دخلت على جهاز الفحص الإلكتروني، الذي أشار بوجود قطع معدنية معها، فسألوها الجنود.
فردت: "إن قطعة من البلاتين في ساقي وهذا سبب إعطاء الإشارة من الجهاز"، أخذها الجنود لغرفة الفحص والتفتيش، وعندما رأت عدد من الجنود حولها اقتنصت الفرصة وفجرت نفسها لتتحول لأشلاء، وقتلت معها 4 جنود وأصابت عشرة آخرين.
تركت ريم وراءها زوجها وطفلين، وعن العملية الاستشهادية قال زوجها زياد عواد: "اعترضت ريم على وزن الحزام الناسف الذي يبلغ 10 كيلو جرامات، وكانت تريد حزامًا أكبر مليئًا بالمتفجرات لتقتل أكبر قدر من الجنود الصهاينة". وعن الحوار الأخير بينها وبين زوجها، يقول زياد: "قالت لي سامحني إن قصرت معك بأي شي أو ضايقتك! لقد كانت زوجتي وفية وطيبة السمعة، ونعم الزوجة".
اعترضت ريم على وزن الحزام الناسف الذي يبلغ 10 كيلو جرامات، وكانت تريد حزامًا أكبر مليئًا بالمتفجرات لتقتل أكبر قدر من الجنود الصهاينة...
لم تكن ريم الرياشي الأولى على درب العمليات الاستشهادية، سبقتها دلال المغربي عام 1973، وهبة دراغمة التي فجرت نفسها في مدينة عسقولة المحتلة عام 2003. وهنادي جردات التي نفذت العملية الاستشهادية التي كانت بطلتها في مطعم مكسيم على بحر حيفا، فقتلت 23 إسرائيليًا، إضافة إلى دارين محمد أبو عيشة، وآيات محمد الأخرس، وعندليب خليل طقاطقة، وهبة عازم ضراغمة، وغيرهن الكثير، حتى ريم الرياشي التي اتفقت معهن جميعًا على الثأر من المحتل، والقصاص لكل الأبرياء.
وصية الرياشي
قبل أن تفجر نفسها في جنود الاحتلال الإسرائيلي، تركت اريم وصيتها، فقالت: "بعد استشهادي غدًا بإذن الله، ستسمعون كلامًا كثيرًا عن أنني ألقيت نفسي إلى التهلكة، قد يخرج من يقول عني منتحرة، وقد يخرج من يقول عني حمقاء تركت أبناءها ولم ترع حرمة زوجها وأهلها ولهؤلاء أقول: دعوكم من لحمي المسموم ويكفيكم الفتات الذي يلقي به الحاكم إليكم لتأكلوه والنفايات التي تربون عليها أولادكم. أما أنا فمؤمنة بأن رازقي ورازق أولادي من بعدي هو ربي الذي رباني وسيتولى تربية أولادي من بعدي".
وبعد نجاح العملية أعلنت كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس وكتائب شهداء الأقصي التابعة لحركة فتح في بيان مشترك، وجاء في نصه: "تقدمت أولى استشهاديات كتائب الشهيد عز الدين القسام المجاهدة القسامية ريم صالح الرياشي 22 عامًا من حي الزيتون بمدينة غزة، وهي أم لطفلين صوب حشد من جنود العدو... ثأرًا لنابلس الشموخ، وجنين القسام، ورفح المقاومة، ثأرًا لأطفالنا ونسائنا وشيوخنا، وثأرًا لشهداء القسام وكتائب الأقصي في ضفتنا الغربية وشهداء سرايا القدس".
تركت ريم رائها إرثًا عظيمًا أبنائها الذين افتخروا بها دائمًا، فتقول عنها ابنتها ضحى : "أمي ريم نموذج للأم الفلسطينية المضحية والمعطاءة التي ستبقى ذكراها تعيش في نفوسنا، فريدة من نوعها، صاحبة إرادة متينة، لقد تفوق حب الوطن والجهاد في سبيل الله على عاطفة الأمومة فقدمت أمي أغلى ما تملك". أما أم مجاهد صديقة ريم الرياشي التي كانت شاهدة على دعواتها بأن تزف شهيدة، حينما سألتها عن إصرارها على نيل الشهادة وترك أطفالها ردت عليها: "إن الله خير مني وأحن عليهم، ووضعتهم في ودائع الرحمن".
وفي مساء 14 يناير 2004، تسلمت مشفى الشفاء جثمان الشهيدة ريم بكيس أسود، وكان جسدها متهشمًا من قوة التفجير، وحينما رآها زوجها قال: "ما قامت به زوجتي عمل مشرف يشرف الأمة الإسلامية، تركت طفلينا لتلتحق بركب الشهداء، كم كانت تعتصر ألمًا عند مشاهدتها لجرائم الاحتلال، لقد نالت الشهادة، ونحن نفتخر بها".