بنفسج

" لأن للأسير حبيبة": وفاء الأسرى لصاحبات السجن

السبت 08 فبراير

من تجليات الطوفان كانت مواكب الحرية، أسرى أكل السجن من أعمارهم، خرجوا من عتمة سجونهم بعد معركة الدم خاضتها المقاومة الفلسطينية في غزة، حُكِم عليهم بالمؤبدات غير أن الله كتب لهم الحرية، فخرجوا إلى دنيا غير تلك التي تركوها،فلا شيء بقي على حاله بعد عشرات السنوات إلا زوجاتهم، فكان لهن منهم رسائل المحبة والوفاء التي سجلتها كاميرات الصحفيين. 

حبيبة الأسير وصاحبة السحن، ورفيقة الدرب الذي حالت بينهما فيه أسوار السجن، زوجته التي لم يعش معها إلا بضعة أشهر رُبما، ليغيب عنها عشرين سنة كاملة، فخرج ليجدها قد صانت نفسها، وربت أولادها، وحفظته في غيبته، فهل توفى هذه السيدة حقها؟ هُنا تتبعنا بعض ما قاله الأسرى المحررون في صفقة وفاء الطوفان عن زوجاتهم بعد سنوات الفراق الطويل.  

الأسير المحرر علي صبيح: "بلعت الدبلة وخبيتها معي 25 سنة"

الأسير المحرر علي صبيح .jpg

"شو ما أقدم الها بضل مقصر"،  قالها وهي يبتسم ويعانقها عناق الطفل لأمه، قضى 25 عامًا في السجون الإسرائيلية، الأسير علي صبيح من بلدة كفر راعي في جنين، اُعتقل في مايو/آيار 2001، كان ما زال وقتها شابًا في بداية العشرينيات يحلم ببيت وأسرة ولكن "إسرائيل" حرمته الحلم.

عند اعتقاله كان يرتدي ذبلته في يده، رفض أن يفرط بها، وبتفكير سريع قرر أن يبتلعها، وبدأوا التحقيق المرعب معه وهي في بطنه، فور انتهاء التحقيقات ونقله للسجن، أخرجها بطريقة ما واحتفظ فيها طوال الــــ25 عامًا. يقول: "من بداية 7 أكتوبر بدأت هجمة علينا بالأسر، فصادروا كل ما معنا من ملابس وحاجيات، فكرت سريعًا في الدبلة وقلت لن أفرط بها، قمتُ بتخبأتها في خرطوم داخل إبريز الكهرباء، عزت علي، شهر وهي بعيدة عني مخبأة، أخرجتها لأضعها في فمي طوال الوقت، حتى يوم تحرري كانت في فمي". يكمل: "يوم الإفراج عني نزلتُ من باصات الصليب، شفت زوجتي أم شادي ابني الوحيد، ع طول طولت الدبلة من تمي ولبستها اياها، انصدمت لما شافتها أنه وين وكيف، ومن ساعتها اعتبرت هاد اليوم يوم ميلادي".

الأسير المحرر محمد أبو الرب: "هبة هدية من الله لي"

الأسير المحرر محمد أبو الرب.jpg

اُعتقل في 18 يوليو/تموز 2002، وهو من بلدة قباطية بجنين، كان يبلغ من العمر 23 عامًا وقتها، وحكم عليه بالسجن من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي بــ 30 عامًا، قضى منهم داخل السجون 23 عامًا، خلال أسره اقترحت العائلة عليه أن يخطب ابن خالته، لكن رفض قائلًا: "ليش أظلمها معي؟"

وقتها كان باقي من عمر الأسر 14 عامًا، لكن مع القبول من طرفها، قبل لتنتظره هي 9 سنوات حتى تكلل حبهم باللقاء. تقول عنه هبة: "هو حد كتير حنون ومحترم ورحيم، لهيك قبلت فيه، تعبت من الانتظار صح لكن دايما كان في أمل". أما هو فقال وهو يجلس بجانبها يمسك مسبحته، وهي ترتدي ثوبها الفلسطيني: "لما ربنا يكرم شخص بإنسانة مثل هبة بكون راضي عليه،  هبة هي هبة الله لي هدية أجتني، الله أكرمني بإنسانة عظيمة". وعند سؤاله كيف تيقنت من جمال النهاية؟ أجاب بابتسامة هادئة: "أنا كنتُ على يقين أن نهايتنا ستكون جميلة، كنت أقول للأسرى في السجن يوجد أمل، فيضحكون ويقولون لي أنت من 2002 أعطيتنا شعور أنك مروح".

الأسير المحرر إبراهيم جحيشة: "أنا مع المناضلة اللي أوفى مني"

الأسير المحرر إبراهيم جحيشة.jpg

اعتقل الأسير إبراهيم حبيشة من نابلس، في 9 أبريل/نيسان 2002، وحكم عليه بالسجن لمدة 25 عامًا، قضى منهم 23 عامًا، فخرج متحمسًا لعناق زوجته وأولاده وأحفاده، يقول وزوجته بجانبه ويقبل يديها ورأسها: "أنا مع المناضلة الأصيلة، اللي هي أوفى منى، صبرت وربت الولاد وانتظرتني".

يعتبر حبيشة تاريخ ولادته يوم الإفراج عنه ب30 يناير/كانون الثاني 2025، إذ يتمنى أن يعيش باقي حياته ليمارس الأبوة التي لم يمارسها قط مع أولاده وأحفاده. عاش إبراهيم في السجن أوقات مريرة، توفيت والدته ووالده في السجن، وهو يتمنى أن يحظى بعناقهم، في آخر زيارة لوالده له كانت دموعه تغمر وجهه، فسأله إبراهيم: "مالك يا حج بكفي، دموعك غالية علي وأنا رضيت بما قسمه الله لي". فرد: "ما ببكي لكن عيوني اشتاقت لك يا أبا أحمد، الله يرضى عليك". انتهت الزيارة ووقف الحديث عند هذا الحد، فركض إبراهيم نحو الزجاج الفاصل يحتضن والده من ورائه، فبكي والده، وبعد أسبوعين من الزيارة توفي الوالد وكل حلمه كان عناقًا مع ابنه.

سامحيني لإنك ارتبطتي بواحد زيي، يرضى عليك ظلمتك كتير كتير معي.. المناضلة الغالية تزوجنا في 89 ما عشت معها إلا سبع سنين و20 شهر منهم كنت مطاردًا".

أما الأسير المحرر والأديب قتيبة مسلم من قرية تفليت بنابلس، اعتقل في  العام 2000، وحكم عليه بالسجن لــ 37 عامًا، قضى منهن 25 عامًا، وصفهم بـ"الجحيم". يحكي مسلم قصته مع زوجته الذي انتظرته لسنوات، ولم تمل وتكل، منحته الأمل والحب، فخرج من أسره، يعانقها بقوة خشية أن يفقدها، يقبل يديها ورأسها قائلًا: "لم أخجل أن أقبل رأسها ويديها أمام الكل". وأكمل حديثه: "سامحيني لإنك ارتبطتي بواحد زيي، يرضى عليك ظلمتك كتير كتير معي.. المناضلة الغالية تزوجنا في 89 ما عشت معها إلا سبع سنين و20 شهر منهم كنت مطاردًا".

كان ممتنًا للغاية، تظهر على وجهه علامات السعادة، وهو يتغنى بصمود زوجته الفلسطينية التي كانت الأب والأم في غيابه، قضى سنوات الأسر وهو مشتاق لها وللأحبة، يكتب الروايات لتكون إرثًا لأولاده فكان مما كتبه، رواية "حروف من ذهب" و"آخر قبلة في السجن" و"زنزانة وأكثر من حبيبة".

الأسير المحرر محمد زايد: "جبت الوردة بعد 25 سنة" 

الأسير المحرر محمد زايد .jpg

اعتقل الأسير محمد زايد في العام 2004، بينما كانت زوجته حاملًا في الطفل الأول، كان يجب البنات ويود أن تكون أول أطفاله بنت ولكنه علم بعد اعتقاله بأشهر أن الجنين ولد، فسجد لله شكرًا، وقال ليعين والدته على الحياة في غيابي، كان محكومًا بالمؤبد ولكنه مع ذلك لم يفقد أمله أن يشرب كوب القهوة من يدي أم عبدالله في حديقة البيت. يقول: "لما طلعت كانت كلمة يابا أحلى كلمة بسمعها".

قضى سنوات من الحزن في أسره، ماتت والدته وهو في السجن، وحينما انقطعت عن زيارته قال لزميله بالأسر: "إمي ما بمنعها عن زيارتي إلا الموت". وقد صدق حدسه، رحلت وهي تتمنى أن ينال ابنها حريته، وخرج هو ينظر في وجوه الأحبة عله يراها، فذهب لقبرها يقول لها: "روحت يما روحت".

أما عن زوجته الذي أحبها من خلف الأسوار طوال 25 عامًا، قال وهو يمسك بيديه وردة الحمراء: "أنا كنت متعود أجيب لإم عبدالله وردة كل يوم،إلي 25 سنة و5 أشهر ما جبت الوردة، اليوم أنا بهديها الوردة، وأنا بشرب فنجان القهوة من تحت إيدها، وبقدملها الوردة، وما رضيت أبدًا اشربها عند أي حد قلت أول كاسة قهوة لازم معها ومن تحت إيدها".