بنفسج

مقابر الأرقام: فلسطينيات يحتجز الاحتلال جثامينهن

الإثنين 10 مارس

مقابر الأرقام
مقابر الأرقام

تمارس "إسرائيل" شتى أنواع التعذيب على الفلسطينيين؛ باعتقالهم وقتلهم على مرآى العالم ومسمعه دون اهتمام للمواثيق الدولية التي تجرّم ذلك، ومقابر الأرقام أحد أمثلتها؛ إذ تعتقل سلطات الاحتلال جثامين الشهداء الفلسطينيين وترفض تسليمهم لذويهم، وفي تلك المقابر لا اسم ولا تاريخ للشهيد، بل مجرد رقم يُعرف به من خلاله.

تقول إحصائية تابعة للحملة الوطينة لاسترداد جثامين الشهداء إن العدد في المقابر الإسرائيلية المغلقة ارتفع إلى 665 شهيدًا؛ ويعود عدد منهم إلى ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، مع العلم أن هذا ليس الرقم الدقيق لعدم وجود إحصائية للشهداء المفقودين من غزة عند الاحتلال منذ السابع من أكتوبر 2023.

في هذا التقرير نستعرض النساء اللواتي ما زالت سلطات الاحتلال الإسرائيلي تحتجز أجسادهن في مقابر الأرقام وثلاجات الموتى، وترفض تسليمهن إلى ذويهن.


دلال المغربي

الشهيدة دلال المغربي.jpg

تعود أصول دلال المغربي إلى مدينة يافا، هجرت عائلتها منها بعد النكبة عام 1948، ولدت في عام 1958، وعاشت رفقة عائلتها في مخيم صبرا في بيروت، درست حتى المرحلة الثانوية فقط، ثم قررت الانضمام إلى كتائب شهداء الأقصى، والتحقت بتدريبات عسكرية مكثفة، لتتدرب على استخدام الأسلحة المختلفة، قال عنها نزار قباني: "أقامت الجمهورية الفلسطينية".

كان لها حضور قوي في الثورة الفلسطينية في بيروت عام 1973، وعند بلوغها عام العشرين، تولت مسؤولية فرقة دير ياسين ليكون تحت قيادتها 12 مقاتلًا، وتولوا مهمة "كمال عدوان" التي كانت تقضي بالسيطرة على جيب عسكري تابع للجيش الإسرائيلي، وتوقيف من فيه، للقيام بعملية تبادل للأسرى، في محاولة للإفراج عن أسرى فلسطينيين، نجحت العملية بعد عملية إنزال في الأراضي المحتلة، وتمكنت مع إتمام السيطرة، قالت دلال: "نحن لا نريد قتلكم، نحن نحتجزكم فقط كرهائن لنخلص إخواننا المعتقلين في سجون دولتكم المزعومة من براثن الأسر". ثم أخرجت العلم الفلسطيني وعلقته على الحافلة وهي تقول: "بلادي.. بلادي لك حبي وفؤادي، فلسطين يا أرض الجدود إليك لا بد أن نعود".


اقرأ أيضًا: مناضلات ضد المحتل: فلسطينيات حملن السلاح


وبينما دلال والرفاق يحتجزون الحافلة، خرجت إلى الطريق مجموعة خاصة إسرائيلية بقيادة إيهود باراك وسيطرت على الحافلة العسكرية. بدأ اشتباك من مسافة صفر مع دلال ورفاقها الفدائيين، ففجروا الحافلة بعد اشتباك دام لوقت، وقتلوا 38 جنديًا، و80 إصابة، واستشهدت دلال ومن معها في عام 1978، وبقي جثمانها حتى الآن في مقابر الأرقام الإسرائيلية.

وكان آخر ما تركته دلال المغربي وصية بخط يدها، تقول:"وصيتي لكم جميعًا أيها الإخوة حملة البنادق تبدأ بتجميد التناقضات الثانوية، وتصعيد التناقض الرئيي ضد العدو الصهيوني وتوجيه البنادق كل البنادق نحو العدو الصهيوني، واستقلالية القرار الفلسطيني تحميه بنادق الثوار المستمرة لكل الفصائل، فاستمروا بنفس طريقنا".

وفاء إدريس 

الشهيدة وفاء إدريس.jpg

نفذت وفاء إدريس، من مخيم الأمعري بالقرب من رام الله، أول عملية فدائية خلال الانتفاضة الثانية "انتفاضة الأقصى"، في 28 كانون الثاني/ يناير عام 2002 انطلقت نحو وجهتها حيث مدينة القدس لتكون أول فتاة فلسطينية تنفذ عملية استشهادية خلال الانتفاضة، وتقتل إسرائيلي وتصيب نحو 90 إسرائيليًا.

عند تنفيذها العملية انتشرت الأخبار مثل النار في الهشيم، وكتب الصحافي المصري عادل حمودة في جريدة صوت الأمة المصرية عنوانًا رئيسًا في الصفحة الأولى "قرنفلة فلسطين تنسف غرور شارون". بالعودة إلى يوم تنفيذ العملية تقول عائلتها إن وفاء ودعتهم وقالت: "الوضع صعب، ربما ننال الشهادة قريبًا"، فنظر لها شقيقها خليل ليجزم أن ساعة الصفر قد دقت، والوادع قد أزف.

مرت الساعات ووفاء ما زالت غائبة، فبدأت العائلة بالسؤال عنها، وتوجهوا إلى صديقاتها ليخبرنها أنها قالت لهن إنها سترفع رؤوسهن وسيتباهين بها، وحين سألنها لم تجب، حتى جاء الخبر وأعلنت كتائب شهداء الأقصى في بيان لها استشهاد وفاء إدريس بعد تنفيذها عملية استشهادية في شارع يافا في القدس المحتلة.


اقرأ أيضًا: رضوى عاشور: في السيرة والمسيرة


كانت تبلغ وفاء آنذاك 27 عامًا، تعود أصولها لمدينة الرملة، هجرت عائلتها منها إلى مخيم الأمعري بالقرب من رام الله، وهي من عائلة صغيرة تتكون من ثلاثة أشقاء خليل وخالد وسلطان، نالوا من بطش سلطات الاحتلال، إذ نغص عليهم باعتقال شقيقها خليل لمدة ثماني سنوات، ليجبر الشقيق الأوسط خالد على ترك مدرسته ليعيل الأسرة بعد وفاة الوالد، ولحقه سلطان للعمل أيضًا. وما زالت سلطات الاحتلال الإسرائيلي تحتجز جثمان وفاء إدريس منذ العام 2002، وترفض تسليمها لعائلتها.

دارين أبو عيشة

الشهيدة دراين أبو عيشة.jpg

كانت دارين أبو عيشة من قرية بيت وزن في مدينة نابلس، تدرس آداب اللغة الإنجليزية في جامعة النجاح، وعلى وشك التخرج إذ كانت في عامها الرابع، ولكن حب الشهادة كان أقوى لديها، فتواصلت مع كتائب الشهيد عز الدين القسام، للتنسيق لتنفيذ عملية استشهادية، ليكون جواب الكتائب عليها  "لا.. تجنيد النساء لدينا ممنوع حتى ينتهي رجالنا".

لكنها استنكرت الجواب وأصرت على التواصل مع فصائل أخرى حتى وافقت كتائب شهداء الأقصى تبنيها. وفي يوم 27 شباط/ فبراير 2002، ربطت حزامها الناسف، لتنطلق نحو حاجز للاحتلال بين القدس و "تل أبيب"، وتفجر نفسها لتستشهد وتصيب عدد من الصهاينة.

كانت عملية دارين رد فعل على تنكيل جيش الاحتلال الإسرائيلي للفلسطينيين بشكل مستمر، تقول والدتها إن ابنتها حين استشهد شاب من نابلس، زارت عائلته لمواساتهم وغمست منديلها بدم الشهيد، وأقسمت على الثأر، ولاحقًا تعرضت سيدتان حوامل للتفتيش بشكل مذل على أحد الحواجز الإسرائيلية، وكانت القشة التي نفذت عندها دارين عمليتها ثأرًا لهن.


اقرأ أيضًا: بعيون روائية: الأم الفلسطينية طراز إنساني بديع


وبعد تنفيذ العملية الفدائية داهم الجيش بيتهم وهدمه، ثم ظهرت وصيتها للعلن بصورتها التي تضع خلفها شعار كتائب شهداء الأقصى، وبالعصبة الخضراء التابعة للقسام، وتحمل في يديها السكين، مجسدة صورة للوحدة الوطنية.

قالت والدتها عنها: "ابنتي لديها حس وطني بشكل كبير، تشارك في كل الفعاليات الوطنية، توطد علاقتها بأهالي الشهداء والأسرى، وكانت عندما ترى إهانة من الاحتلال للشباب وللنساء تصرخ في البيت: "لمتى بدنا نضل ساكتين.. لازم نعمل شي.. كل بيت من فلسطين لازم يكون الو دور".

تصفها والدتها بالصوامة القوامة التقية، إذ عاشت حياة ناقصة دون وجودها، نكل بهم بعد استشهادها ومنعوا من السفر، لفترة طويلة، وبعد محاولات عدة نجحوا في الحصول على فرصة للسفر إلى الأردن، وأصبحوا يسافرون دون موانع.

لم تتسلم عائلة دارين جثمانها، وقالت والدتها في حوار صحافي سابق: "إن السلطة طلبت منهم الذهاب لمقر محافظة نابلس لإنجاز الأوراق اللازمة لاستلام جثتها، ثم طلبوا التوجه إلى مستوطنة مكانها بين رام الله ونابلس، لإجراء فحوصات، لكننا رفضنا التوجه، "وروح دارين عند الله، بدهمش يسلمونا إياها خلص".

تضاربت الأنباء حول مكان جثمان دارين أبو عيشة، فسلطات الاحتلال مرة تقول إنها قد سلمت رفاتها، ومرة أخرى تؤكد أنه ما زال لديهم، وما زالت العائلة تطالب باسترداد جثمان ابنتهم التي تم خطفها ونفسها في مقابر الأرقام منذ عام 2002.

 هنادي جرادات

الشهيدة هنادي جرادات.jpg

ولدت هنادي جرادات في عام 1975، في مدينة جنين، لديها من الأخوات ثمانية ومن الأخوة اثنين، حاصلة على بكالوريوس بالحقوق من جامعة جرش في الأردن، تعرضت عائلتها لبطش الجيش الإسرائيلي، فاعتقل والدها تيسير جرادات أكثر من مرة خلال ستة أعوام.

وفي 12 حزيرن/ يونيو 2002 وبينما شقيق هنادي فادي جالس أمام البيت رفقة ابن عمه صالح القيادي العسكري في حركة الجهاد الإسلامي، هاجمتهما قوات خاصة إسرائيلية لتطلق الرصاص بشكل مباشر عليهما، رأتهم هنادي عن قرب وحاولت إنقاذ فادي وسحبته إلى الداخل لكنها لم تستطع إنقاذه، هاجمها الجنود ليشتموها ويهددوها، ومن ذلك اليوم أقسمت هنادي على الثأر لدماء فادي وصالح.

بحسب شهادة عائلتها تغيرت هنادي كثيرًا بعد الحادثة، تنعزل لوحدها، لا تتحدث مع أحد، تقرأ القرآن الكريم دائمًا وتستمع إلى الخطب الدينية، حتى جاء اليوم الذي قررت فيه هنادي الانطلاق دون علم أحد من عائلتها، كانت صائمة وذهبت لتنفيذ عملية الثأر، فجرت نفسها في مطعم "مكسيم" في حيفا، يوم 4 أكتوبر/تشرين الأول 2003، قُتل فيها 19 إسرائيليًا و50 مصابًا، وصل الخبر إلى عائلتها وكان ذلك مدعاة لفخر والدها والأشقاء بذلك، لكن ما أزعجهم عدم استلام جثمانها حتى اليوم.

وبذلك تكون هنادي صاحبة العملية الاستشهادية السادسة في الانتفاضة. كتبت في وصيتها: "قد اخترت طريقي هذا بكامل إرادتي ولقد سعيت لهذا كثيرًا حتى منّ الله عليّ بالشهادة إن شاء الله... فهي ليست لكل إنسان على الأرض بل هي للمكرمين من عند الله، أفتحزنون لأن الله كرّمني بها؟ أهل تجزون الله بما لا يُحب ولا أنا أحب أيضًا؟ احتسبوني لله تعالى... وقولوا لا حول ولا قوّة إلا بالله... وإنّا لله وإنّا إليه راجعون... جميعنا ميتون فلا مُخلّد على هذه الأرض ولكن العاقل هو الذي يستجيب لنداء الله سبحانه وتعالى، فهذه بلاد جهاد فقط".


 
 وفاء البرادعي 

الشهيدة وفاء برادعي.jpg

استشهدت وفاء البرادعي يوم 19 مايو/آيار 2021، بعد إطلاق الرصاص عليها من أحد المستوطنين في منطقة "الجلاجل" شرق مدينة الخليل، لديها من الأبناء 6 صدموا بخبر استشهادها، ثم بخبر احتجاز جثمانها. في اليوم الأول تلاعب الضابط التابع للمخابرات بزوجها وأخبره أنها في المشفى، حقق معه وجعله يشاهد الفيديو وهي على الأرض شهيدة وبجانبها قطعة سلاح.

ما زال الفيديو يتراءى له في الليالي الحالكة ولكنه يحاول التخفيف عن أبنائه غياب والدتهم، يزعجه أن جثمانها ما زال في مقابر الأرقام، يتساءل: "ماذا يريدون من شخص مات؟ لماذا ينغصون علينا باحتجاز موتانا؟".

أما والدتها فتقول أنها طلبت الشهادة ونالتها، وكان يقهرها جرائم الاحتلال في غزة، وابنتها هاجر لا تصدق أن والدتها استشهدت فتخبرهم: "أنا حلمت إنه ماما ما استشهدت".

أسماء أبو محسن ولبيبة صوافطة

الشهيدة أسماء أبو محسن.jpg

قتلت قوات الاحتلال الإسرائيلي الشابة أسماء أبو محسن (18عامًا) عند حاجز تياسير شرق مدينة طوباس، بزعم محاولتها تنفيذ عملية طعن، وتركتها تنزف حتى الموت، وصل الخبر إلى والدها، فتوجه نحو الحادث لكنه لم يرها، ولم يشاهد أي فيديو أو صورة لها، أروه فقط السكين على الأرض، قال: "أنا بنتي كانت رايحة على الدرس"، وتكمل والدتها: "أنا بنتي كانت متقتلش حشرة، طيوبة وعصفورة بنتي".

رفضت سلطات الجيش الإسرائيلي الكشف عن رفات أسماء وتسليمها لأهلها، وما يزال جثمانها في مقابر الأرقام منذ 8 أبريل/نيسان 2024، وتنتظر عائلتها يومًا أن تسنح لهم الفرصة بدفن ابنتهم بعد جنازة تليق بها.

أما لبيبة صوافطة (40 عامًا) فلم تختلف حالتها عن أسماء، إذ قتلت في ذات الشهر وتحديدًا في 21 أبريل/نيسان 2024، وقد استهدفت مثلها على الحاجز ولكن على حاجز الحمرا العسكري الواقع في الأغوار الشمالية، حيث أطلق عليها النار بشكل مباشر متهمة بمحاولة تنفيذ عملية طعن، وما زال جثمانها في مقابر الأرقام منذ ذلك الحين ولا تعلم عنه عائلتها أي شيء.

ميمونة حراحشة 

الشهيد ميمونة حراحشة.jpg

استشهدت ميمونة حراحشة (20 عامًا) في 24 أبريل/نيسان 2024، بعد إطلاق النار على رأسها، بالقرب من قرية بيت عينون شمال محافظة الخليل. تدرس ميمونة التمريض في جامعة بوليتكنك فلسطين، لكن الاحتلال قتل أحلامها في لحظة، ومنع طواقم الإسعاف من الوصول لها لانتشال جثمانها، ويحتجزها هو ويرفض تسليمها للجهات الفلسطينية المختصة لتوصلها إلى عائلتها.

الشهيدة بيان عيد

الشهيدة بيان عيد.jpg

أما بيان محمد عيد (22 عامًا) من طولكرم، قتلها الجيش الإسرائيلي في 23 يوليو/تموز 2024، بواسطة طائرة مسيرة، لتستشهد على الفور، ويحتجز جثمانها في مقابر الأرقام.