الجمعة 30 مايو
قتل الاحتلال الإسرائيلي الطفلة يقين حماد في استهداف مباشر لها على مدينة دير البلح، قتلها متعمدًا ليمحو أوجه التشبث بالحياة وبثّ الأمل في نفوس الناس، أصابهم الخوف من طفلة صغيرة لمجرد أن وقفت في وجههم وأعلنت تحديها له بفيديوهاتها، ومستقبلها الذي بدا واضحًا لهم، فهي ابنة غزة التي ستبقي فيها تعمرها، وتكون وجهًا مثاليًا للبلد الذي يُقضي فيه على كل مفكر وعالم ومثقف وميسر للسعادة والفرح.
لترحل بابتسامتها التي عرفها الأطفال الأيتام؛ من حرصت على بثّ الفرحة في قلوبهم. نعاها كل الأحبة الذين شهدوا لها بالمبادرة في عمل الخير وتوثيق الحياة، غادرت يقين الحياة، ولكنها باقية ببصمتها في نفوس كل من عرفها، وإن قُتلت يقين ستولد ألف يقين يكونن وجه غزة الخَّير.
بدأت يقين حكايتها مبكرًا يدا بيد مع شقيقها الاكبر محمد حماد الذي يُلقب بالمستشار، سبقها في هذا الدرب حتى حُظر وجهه من على مواقع التواصل الاجتماعي فأكملت هي المشوار، قائلة: "ممكن يقدروا يمنعونا نشوف وجهك، وغيبوا شكلك، بس عمرهم ما بيمنوعنا نشوف أثرك".
أدركت الصغيرة أن للمرحلة واجبًا، ففي عمر الـ10 أعوام، بدأت المسير وأصبحت أحد الوجوه البارزة في خدمة المجتمع المنكوب في غزة. تقود المبادرات المجتمعية، تُطعم جائعًا وتسقي عَطِشًا، تراها بين حلقات القرآن حافظة ساردة، في خيام التعليم متعلمة، وهي بين هذا وذاك تفعل ما تقول:" غزة بدنا نعمرّها".
لُقبت يقين بالمستشارة مثل شقيقها، كبرت بين أروقة العمل التطوعي فكانت وجهًا معروفًا في عمل الخير، تبلغ من العمر 13 عامًا، ولكنها أكبر من ذلك بكثير بمجهوداتها التي فاقت من هم أكبر منها سنًا، ترأست فريق "عونا" لتكون واجهة المبادرات ترتدي الزي الخاص بالفريق وتتجول بين الناس تمنح لهم الحب والعون.
كتبت في تقديمها عبر حسابها على "إنستغرام": "هنا غزة كما لم ترها من قبل.. "هنعمرها". وكان آخر فيديو نشرته لمبادرة هو "ثمار عونا" التي تهدف لزراعة أرض غزة وإطعام الناس منها، تحصد الثمار رفقة الفريق وتعبئ الخضار في أكياس وتوزعها رفقة شقيقها والبقية.
وظهرت بابتسامتها في فيديو آخر تقول فيه "رغم الحرب والإبادة جايين اليوم نفرح الأطفال"، لتغني وترقص معهم بينما تدوي الانفجارات الشديدة. وقبلها كانت وجه مبادرة لتعليم القرآن فارتدت زيها الفلسطيني بلونه الأحمر وحجابها ووقفت تعلن من بين الأطفال عن مشروع تعليم القرآن.
كانت جزءًا لا يتجزأ من مباردة سرد القرآن، فسردته وسط مجموعة الفتيات اللواتي سردنه مثلها، وقالت في فيديو السرد: "هنا غزة.. هنا شرف الأمة.. ومن خلفي طالبات القرآن من وسط الإبادة". وسمت الله وبدأت سرد كتاب الله في دار عائشة الخليلية لتعليم القرآن والسنة التي افتتحتها رفقة شقيقها محمد.
وهنا نسأل لماذا قتل المحتل يقين حماد؟ هل لأنها تحدت الإبادة بعبارتها الشهيرة: "حنرجع نعمرها"، أم لأنها غرست طيفًا من أمل في وجه المحرقة؟ أم طفلة بين أكثر من 18 ألف طفلًا قتلهم الاحتلال؟ ولكن أن تكون "غزيًا" تعيش في غزة.. هي تهمة تستوجب القتل في عرف الاحتلال، فكيف إن كنتُ محبًا لها ساعيًا لإعمارها؟