بعد أن قام وزير الأمن القومي للاحتلال "بن غڤير" بالتحريض ضد سناء أبو دقة وتوجيه أوامر علنية لترحيلها وطردها من الأراضي المحتلة، ضمن حملة من القرارات الحائرة بحق عددٍ من الفلسطينيين بالداخل، اعتقلتها شرطة الاحتلال بعد ساعات فقط من هذه الأوامر بزعم نشرها منشورات تحريضية ضد الاحتلال وجنوده.
سناء سلامة دقة، هي زوجة الشهيد الأسير وليد دقَّة من بلدة باقة الغربية في الداخل المحتل، اعتقلتها قوات الاحتلال أثناء وجودها برفقة ابنتها ميلاد بالقرب من باب العامود في مدينة القدس المحتلة، وحُولت إلى مركز التحقيق في أم الفحم، تاركةً خلفها ابنتها الوحيدة ميلاد وليد دقَّة. عُرضت سناء على محكمة الصلح في حيفا يوم الجمعة ومددت النيابة اعتقالها لمدة سبعة أيام إضافية على ذمة التحقيق، وفي هذه الأثناء ظهرت الأسيرة سناء في قاعة المحكمة وهي تسأل سريعًا عن ابنتها ميلاد وما هي ردَّة فعلها وما حالها. حتى أعلن عن سجنها منزليًا ومن ثم الإفراج عنها بعد أن أصدرت المحكمة حكمها في 10 حزيران الشهر الحالي من عام 2025.
أغرب زواج في تاريخ فلسطين

كانت الأسيرة سناء سلامة تهتم بأمر الأسرى الفلسطينيين وتعد التقارير بشكلٍ مستمر عن أوضاعهم في سجون الاحتلال، فالتقت الأسيرة سناء سلامة بالأسير وليد دقة المحكوم بالمؤبد عند قيامها بإحدى الزيارات لتوثيق الظروف عام 1996، وبعدها قررا الزواج وهو في الأسر رغم المعاناة والتحديات التي ستواجههم.
في حالة نادرة وفريدة وسابقة في تاريخ الحركة الأسيرة ولم تتكرر بعدها، إذ سمح لـ9 أسرى بحضور العقد، وتم ذلك بحضور الشيخ الذي قال عن هذا الحدث بأنه أغرب عقد قرآن يجريه في حياته.
في الشهر الثامن من عام 1999، عقد قرانهما بأغرب مراسم زواج في تاريخ القضية الفلسطينية، إذ عُقد قرانهم في داخل سجن عسقلان، بعد أن قدموا طلبًا بالسماح لهما بعقد القرآن داخل السجن وحاربوا من أجل هذا المطلب، وفعلًا في حالة نادرة وفريدة وسابقة في تاريخ الحركة الأسيرة ولم تتكرر بعدها، إذ سمح لـ9 أسرى بحضور العقد، وتم ذلك بحضور الشيخ الذي قال عن هذا الحدث بأنه أغرب عقد قرآن يجريه في حياته.
تحدٍ جديد: ميلاد رغم الأسر

بعد معركتهما الأولى التي استطاعا خلالها أن يتزوجا داخل السجن، بدءا معركةً جديدة يطالبون فيها قانونيًا أن يسمح لهما بالإنجاب، وبعد 11 عامًا من المطالبات دون جدوى، قرر الأسير وليد دقة تهريب نطفةٍ لزراعتها، وفعلًا عام 2019 تمكن الأسير من ذلك، وزرعت النطفة وكانت هذه لحظة ميلادٍ جديدةٍ لهم، وأنجبا طفلتهما "ميلاد وليد دقة" بتاريخ 3/2/2020، لتكون رمزًا لانتصارهما على السجن والسجَّان، واستكمالًا للنضال الفلسطيني الممتد لكل مناحي الحياة.
سرطان فإهمال فشهادة

لطالما كانت سناء سلامة درعًا متينًا وسندًا قويًا في مسيرة الأسير وليد دقَّة، فهي التي كانت تشكل دورًا محوريًا وأساسيًا في تفعيل قضيته حقوقيًا، بل وإنها أصبحت ناشطةً حقوقية تدافع عن حقوق جميع الأسرى في سجون الاحتلال، وازداد دورها بريقًا وتأثيرًا مع التحديات الصحية التي كان يواجهها وليد.
بعد ميلاد الطفلة "ميلاد"، عانى الأسير وليد دقَّة حالًا صحيًا معقدًا، إذ أصيب بمرض السرطان في النخاع الشوكي، وواجه إهمالًا طبيًا متعمدًا لحالته الصحية من إدارة سجون الاحتلال، كرَّست سناء أيامها للتواصل مع الحقوقيين من منظماتٍ وأفراد، محليًا ودوليًا، لحشد دعمٍ إعلامي وحقوقي في قضية الأسير وليد دقَّة، كما وشاركت في عدد من الوقفات الاحتجاجية والمؤتمرات الصحفية مطالبةً بالإفراج عنه لتلقي العلاج المناسب لوضعه الصحي.
لم يستجب الاحتلال لكل النداءات التي طالبت بالإفراج عن الأسير وليد دقة، وحتى لم يسمح لأيٍّ من عائلته أن يزوره في لحظاته الصعبة والأخيرة مع المرض.
استشهد الأسير المناضل وليد دقَّة أسيرًا وحيدًا على سريرٍ في مستشفى "آساف هروفيه" في مدينة الرملة المحتلة، بتاريخ 7/4/2024 ، واحتجز جثمانه دون وداعٍ عند الاحتلال حتى يومنا هذا.
ميلاد من وضعت اسمي في جملة مفيدة

بعد أن استشهد زوج الأسيرة سناء سلامة، لم تبرح مكانها ولم يسكن صوتها الذي صدح لأعوامٍ يدافع عن الحقوق المسلوبة، لم يجهض الميلاد المناضل في روحها، استمرت سناء بدورها الحقوقي، وحضورها الشعبي مطالبةً باستلام جثمان زوجها الشهيد وليد دقَّة، ومنددةً بسياسة الاحتلال باحتجاز الجثامين لما فيه من انتهاكاتٍ صارخة للإنسانية.
وبحسب مصادر صحفية قال المحامي فادي برانسي وهو المحامي الموكل بالدفاع عن الأسيرة سناء سلامة، قبل تحررها الشهر الجاري: "نحن نرى أن هذا الاعتقال هو اعتقال سياسي بامتياز، يأتي ضمن حملة تحريضية منظّمة، بدأت بدعوات صريحة من مسؤولين حكوميين متطرفين لسحب جنسيتها وترحيلها، فقط لأنها أرملة الأسير وليد دقة، ولأنها عبّرت عن مواقف إنسانية ووطنية لا تُشكّل أي مخالفة قانونية".
بعد السابع من أكتوبر من عام 2023، ارتفعت وتيرة انتهاكات الاحتلال بحق الكل الفلسطيني وبحق الوجود الفلسطيني، وكان إحداها هو القرارات الجائرة التي تطالب بترحيل عدد من الفلسطينيين من بلادهم في الداخل المحتل أو القدس، وسناء كانت إحدى هذه الأسماء.