بنفسج

إرث الشهداء والصحفيين: أن تستمر التغطية

السبت 16 اغسطس

الشهداء الصحافيون
الشهداء الصحافيون

"لا تسكت، عليّ صوتك، استمر، أنت صوتنا يا أنس"… لم يكن يقولها أهل غزة فقط، بل كنا نقولها جميعًا، كان أنس والغول وشبات واصليح، وغيرهم الكثيرون ممكن تجاوز عددهم 238 صحفيًا شهيدًا، ينطقون بكلمة الحق وينقلون الحقيقة وصوت الناس، يلتقطون بعدساتهم الإبادة والقتل والتجويع، مأساة جابي المساعدات اليومية، والأطفال الذين يصطفون بأوعيتهم الفارغة، يلتقطون دموع الأمهات اللوات يطهين بأون فارغة. 

السلام عليك يا أنس وقد بلغت رسالتك وأديت ما حملته من واجب ومسؤولية وأنت الذي أوصيت بفلسطين "درة تاج المسلمين ونبض قلب كل حر في هذا العالم". وكنت تعلم أنك شهيد حيّ مع وقف التنفيذ تنتظر الشهادة في أي وقت وأنت ترتردي درع الصحافة وخوذتها، وما هذا إلا يقين المؤمن وصاحب الحق وتالله لهي الحقيقة الوحيدة التي عاش من أجلها ومات في سبيلها، وإن كل شيء سواها زائف وإلى زوال. 

وصايا الشهداء.jpg
 

السلام عليك يا إسماعيل الغول، لمسنا حسه وقلبه وروحه، إذ كان شديد التأثر بكل ما يحدث حوله، فيجوع مع الناس ويظهر كذلك، بالكاد يستطيع رفع جسده الخائر أمام الكاميرا، وباكيًا حزين العينين في كل تغطية شهدؤها أطفال. وكثيرا ما كان يستوقف إسماعيل صغار السن ويسألهم عن أحولهم: ما اسمك، لم أنت حافي القدمين أيها الصغير، هل أنت جائع، أين والداك، هل فقدت أمك، من أين نزحت، لماذا تبكي، مم تشتكي، هل يؤلمك بطنك. استشهد إسماعيل وتحوّل إلى أشلاء يشهد كل جزء منها على كل لحظة ومأساة وحزن وألم وجوع وتشرد ونزوح.

"دعني أخبرك يا صديقي، بأنني أصبحت لا أعرف طعم النوم، جثامين الأطفال والأشلاء وصور الدماء تكاد لا تفارق عيناي، صرخات الأمهات وبكاء الرجال وقهرهم لا تغيب عن مسامعي". رحمك الله يا إسماعيل وتقبل رسالتك وبذلك وإخلاصك… كانت هذه الرسالة آخر ما كتبه إسماعيل الغول صوت الشمال. 

السلام عليك يا حسام شبات، قُتلت شابا في مقتبل عمرك، كان حسام صاحب ابتسامة جميلة وروح مفعمة، قال حسام قبل استشهاده "مقابل أن تستمر التغطية نحمل أرواحنا على أكفنا في كل مرة"، كفيت ووفيت أيها الصحافي الشجاع، تقبل الله عملك وإخلاصك. 

السلام عليك يا حسن اصليح، ولكم ساد حزن على رحيلك، حزنت عليك كل غزة أطفالها ونساءها وأيتامها ومساكينها، إذ لم تكن صحافيًا مصورًا فقط، بل كنت مرآى الناس وبصيرتهم إلى ما بعد غزة ومرامي صوتها وصورتها "إن كان تهمتي أنني أوثق معاناة الناس المطحونين فليقتلوني وأنا على رأس عملي"، والله ما يقول هذا إلا صحافي محارب مقدام يضع حياته على كفه مقابل نقل الحقيقة. 

صيرورة التاريخ في توالد لا ينتهي إلى يوم القيامة والحقيقة أن هذا التاريخ لا يكتبه إلا المحاربون والشجعان وهم لا بد المنتصرون،  وهم إذ يستهدفهم الاحتلال لنفاد أصواتهم وأنّا ذلك، لن ينقطع الصوت، سنوثق كلماتهم ونحفظها ونستذكرها، سنردد وصاياهم ونكون رسالتهم الحية.