نهار يحرق الروح قبل الجسد في غزّة، لم يعد الصيف فصلًا عابرًا، بل أصبح وحشًا يوميًا يطاردنا في كل لحظة. مع أول خيوط الشمس، تستيقظ الخيام على بكاء الأطفال وصراخهم من شدّة الحرّ، حتى قبل أن يكتمل شروق النهار. أجساد صغيرة مغطاة بطفح جلدي وبثور حمراء، وجوه شاحبة تصرخ بلا كلمات، وكأنها تكتب على جلودها شهادة حياة قاسية لا يصدقها من يعيش خارج هذه الخيام.
نشعر أننا نذوب داخل أقمشة مهترئة لا تقي حرًّا ولا بردًا. حتى مياه الشرب التي نحتفظ بها على أمل أن تبرد قليلًا نجدها ساخنة كالجمر، لا تروي عطشًا ولا ترد روحًا. لا وسيلة لدينا سوى قطعة كرتون أو صينية نحركها كأنها مروحة بدائية، علها تجلب نسمة بسيطة لأطفال يتصبب العرق من وجوههم. أما المياه التي كنا نستحم بها لنهرب من الحرّ، فقد غابت كأنها رفاهية بعيدة المنال.
حين يحلّ الليل، نحلم بالراحة، لكننا نصطدم بحقيقة أن الليل نسخة أخرى من النهار. الخيام الضيقة لا تسمح بمرور نسمة هواء واحدة، خصوصًا تلك المصنوعة من النايلون التي تزيد الاختناق بدل أن تخففه. العرق يغمر الفراش والملابس، ويحوّل النوم إلى حلم بعيد المنال.
وكأن حرارة الشمس وحدها لا تكفي، يأتي الطبخ ليضيف طبقة جديدة من المعاناة. لا بدّ أن نُشعل النار لطهو القليل مما يتوفّر، فنغرق في دخان كثيف يملأ الصدور ويخنق الأنفاس. العرق يتساقط على وجوهنا كأنه مطر لا ينتهي، والدخان يلتصق بأجسادنا حتى نشعر أننا نطبخ داخل أجسادنا لا على قدرٍ فوق النار.
حتى إعداد وجبة بسيطة من العدس أو الأرز يتحول إلى معركة طويلة، بين حرارة اللهب ولهيب الشمس ونظرات أطفال يتطلعون إلى قدر فارغ وكأنهم ينتظرون منه المعجزة.
حين يحلّ الليل، نحلم بالراحة، لكننا نصطدم بحقيقة أن الليل نسخة أخرى من النهار. الخيام الضيقة لا تسمح بمرور نسمة هواء واحدة، خصوصًا تلك المصنوعة من النايلون التي تزيد الاختناق بدل أن تخففه. العرق يغمر الفراش والملابس، ويحوّل النوم إلى حلم بعيد المنال.
اقرأ أيضًا: 2 ملون مرآة شوهها الاحتلال
نجلس نراوح بين الجوع والعطش والحرارة، وبين بكاء أطفال يطلبون ما لا نملك: ماء بارد أو مروحة صغيرة. وفي اللحظات التي نغفو فيها من التعب، نصحو على صرخات طفل آخر أصابه صداع شديد أو حمى بسبب الحرّ.
الحرارة هنا ليست مجرد طقس صيفي، إنها قاتلة. الناس يُغمى عليهم في الطرقات من شدتها، أطفال يتساقطون بضربات الشمس، وكبار يبحثون عن ظلّ لا وجود له. الأمهات يركضن بأطفالهن بحثًا عن رشفة ماء أو قطعة ثلج قد تعيد لهم الحياة. تخيّل أن يكون الحصول على زجاجة ماء بارد سباقًا مع الموت، وأن يُترك المئات لمصيرهم.