بنفسج

المنهج النبوي في التعامل مع الأوبئة

الثلاثاء 23 يونيو

تتسارعُ الأحداث من حولنا، ويشغلُ الإنسانية في هذه الأيام ما يدور من أحداث تستوجب تعزيز ثقة المؤمن بربه؛ لما يرى من ازدياد في البلايا، وانتشار في الأوبئة يومًا بعد يوم، مما يحتّم علينا كأفراد أن نتحلى بأكبر قدر من الوعي والحكمة في التعامل مع هذه الأوبئة والبلايا؛ باتباع منهج النبي صلى الله عليه وسلم المتمثل بالجمع بين الأخذ بالأسباب ثمّ التوكل على الله، دون إفراط في الأخذ بالأسباب، ولا تفريط واستهتار بحجة التوكل عليه سبحانه وتعالى، فالإسلام دين الله؛ وفيه من التوجيهات ما يصلح حياة الإنسانية ويدفع عن المؤمن ما يحول دون بقاء جسده قويًا، وعقله حكيمًا، ونفسه مطمئنةً واثقةً بالله سبحانه وتعالى.

 ولما كان من أهم ما يدعو له الإسلام محافظة المؤمن على نظافة بدنه والعناية بطهارة جسده في كل يوم وليلة عدة مرات، فليس من المعقول أن يترك المؤمن صحته معرضة للأوبئة التي تفتك بها، دون أن يأخذ بأهم الإجراءات الوقائية التي تمنع عنه الضرر، والضرر مرفوع؛ فمن ضرورات الدين التي جاء لينادي بها ضرورة حفظ النفس، وضرورة كف الأذى عن الآخرين، إن وجد ما يحتم ذلك، وهذا أدب عظيم من آداب هذا الدين وتعاليمه، فإن النفس البشرية جبلت على الخوف ومحبة الحياة وكراهية الموت وكراهية أي ضرر قد يصيب النفس، ولا يملؤ فراغ القلب ويسكن جزع النفس شيء كمحبّة الله والثقة به سبحانه، مما يُشعر النفس بوجود قوة عظمى تلجأ إليها وقت الشدة، وقوة تحتمي بها وتلتجئ إليها.

فلا يدري المؤمن كم من لطف خفي مخبأ للعبد داخل ما يرى ظاهره بلاء ومحنة، ويعلمنا أن أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل فالأمثل، والبلاء وإن كان ظاهره الشدة إلا أنه يحمل في طياته الرخاء واللطف والرحمة.

ولما كانت هذه الأوبئة بلاء من الله، ومن قضاء الله وقدره الذي ينبغي أن يؤمن به المؤمن، ليدرك أنه لم يكن من منهج النبي صلى الله عليه وسلم الاستسلام للأوبئة والأمراض والبلايا التي كانت تصيب الأمة، ففي غزوة أحد صلى النبي صلى الله عليه وسلم بالمسلمين قاعدًا؛ فلم يكن قادرًا على أن يتحامل على قدميه لما أصابهم من نزف للدماء وجراح بين المسلمين، فصلى المسلمون وراءه قعودًا؛ ثم توجه عليه السلام في ذلك الموقف بالدعاء والحمدلله والثناء على الله سبحانه وتعالى، ولم يسلم نفسه لليأس والتذمر والتضجر؛ لأنه رغم ما أصابهم من بلاء إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم وهو خير من عبد الله، فهم حقيقة العبودية لله سبحانه وأنه لا يزال البلاء بالمؤمن حتى يلقى الله وما عليه خطيئة.

 ففي الوقت الذي اعتاد الناس فيه صلاة الشكر عندما ينال الواحد منهم الخيرات والعطيات؛ يعلمنا النبي صلى الله عليه وسلم أن من تمام التسليم لله ولحكمه وقدره شكره على البلاء؛ فلا يدري المؤمن كم من لطف خفي مخبأ للعبد داخل ما يرى ظاهره بلاء ومحنة، ويعلمنا أن أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل فالأمثل، والبلاء وإن كان ظاهره الشدة إلا أنه يحمل في طياته الرخاء واللطف والرحمة.

وكلما صحت معرفة العبد بربه؛ استوى عنده البلاء والعطاء، لعلمه أن المؤمن يرى منع الله عطاء كما أن عطاءه عطاء، وإننا كمؤمنين مطالبون بالأخذ بالأسباب إلى جانب التوكل والثقة بالله سبحانه وتعالى، للوقايةِ مما يقع على المسلمين من أوبئة ودرء أسبابه، بعد التوكل عليه سبحانه وتعالى، ولنا في منهج عمر بن الخطاب رضي الله عنه خير قدوة، ليفقه المسلم منهج التعامل مع هذا الوباء كما تعامل عمر رضي الله عنه، فما الذي فعله عمر رضي الله عنه حين وقع بالمسلمين طاعون عمواس؟

منع عمر رضي الله عنه المسلمين من الدخول أو الخروج من الأرض التي وقع بها الطاعون، فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: "إذا سمعتم به بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه"، فكان رضي الله عنه يحاول السيطرة عليه بأن لم يدخل هو ومن معه إلى الشام، كما حاول إخراج المعافين من أرض الوباء بمنتهى الحذر، دون أن يعرّض أحدًا للعدى أو الخطر؛ إذ أرسل عمر رضي الله عنه إلى عمرو بن العاص يأمره بتفريغ المدن وتفريق الناس بين الجبال، وأن يقوم بعزلهم عن بعضهم البعض، ثم لم تمر أيام حتى انتهى الطاعون وزال البلاء، فقد كان رضي الله عنه متحملا لمسؤولية شفاء المسلمين من هذا الوباء والحد من تفشيه وانتشاره، ليخرج بعد ذلك ويتفقد المسلمين ليقسم الأرزاق ويعيد الحياة لطبيعتها إلى ما كانت عليه قبل الوباء.

| المنهج النبوي للتعامل مع الوباء.. خطوات عملية 

من ضرورات الدين التي جاء لينادي بها ضرورة حفظ النفس، وضرورة كف الأذى عن الآخرين، إن وجد ما يحتم ذلك، وهذا أدب عظيم من آداب هذا الدين وتعاليمه، فإن النفس البشرية جبلت على الخوف ومحبة الحياة وكراهية الموت وكراهية أي ضرر قد يصيب النفس.
 
ولا يملؤ فراغ القلب ويسكن جزع النفس شيء كمحبّة الله والثقة به سبحانه، مما يُشعر النفس بوجود قوة عظمى تلجأ إليها وقت الشدة، وقوة تحتمي بها وتلتجئ إليها.

والأخذ بالإجراءات الوقائية مطلب عظيم حضّ عليه الشرع والعقل، وهي ظاهرة صحية تتفق جميع الشرائع على ضرورة الأخذ بها، وقد وضع الإسلام جملة من الإرشادات لتكون توجيهات للمجمتع في كيفية التعامل مع الوباء؛ مستخلصة من هدي النبي صلى الله عليه وسلم، والتي تتمثل بالآتي:

 | البلاء والوباء قدر من الله تعالى:  ليمتحن به صبر عباده ويقينهم به، لذلك، المؤمن مطالب باتخاذ ما يدفع به عن نفسه البلاء والأذى من أسباب مادية، مع ضرورة التوكل على الله تعالى؛ ليمتلئ القلب بحسن الظن بالله، ويندفع عنه اليأس والحزن والخوف والذعر.

 | الطهارة والنظافة: من التدابير الوقائية التي أمر الإسلام بضرورة الأخذ بها؛ الحث على الطهارة والنظافة ليبقى الإنسان بعيدًا عن الأمراض، ولا يساهم في نشرها أو تفشيها بين الناس، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا عطس وضع يده أو ثوبه على فيه، وخفض أو غض بها صوته"، كما كان يأمر عليه الصلاة والسلام بالمحافظة على طهارة الثياب والأواني؛ فيقول صلى الله عليه وسلم: "غطوا الإناء، وأوكوا السقاء، وأغلقوا الباب، وأطفئوا السراج"، ولما رأى عليه الصلاة والسلام رجلًا قد اتسخت ثيابه قال: "أما كان هذا يجد ماء يغسل به ثوبه".

 | عزل المريض لنفسه: ومن التدابير أيضًا، منع الإسلام المريض من الدخول على الأصحاء، فمن علم أنه مريض مرضًا معديا لم يجز له مخالطة الناس، وتحتم عليه كف أذاه عنهم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يوردن ممرضًا على مصح"، وكذلك نهي النبي صلى الله عليه وسلم من تعمد الصحيح الورود على أصحاب الأمراض؛ إذ قال: "فر من المجذوم فرارك من الأسد". وقد أرسى النبي صلى الله عليه وسلم قاعدة من أهم قواعد مكافحة الأوبئة، والتي عرفت بالحجر الصحي؛ إذ قال عن مرض الطاعون: "إذا سمعتم به بأرض، فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا، فرارًا منه".

 | محاربة الإشاعات: ضرورة معرفة خطر الإشاعات خاصةً في هذه المحن التي يمر بها العالم أجمع، فقد تكون الإشاعة سببًا في بث الرعب والذعر في قلوب المؤمنين، وخطرها في هذه الأحوال لا يقل عن خطرها حال انتشار الحروب والكوارث؛ إذ إنها تعمل على زيادة المحنة، وتشتيت ترابط القلوب، وتتسبب بالأذى للنفوس فوق أذى المحنة وشدتها.

إن أهم ما يجب أن نتحلى به في هذه الظروف المسؤولية لكل فرد منا؛ بأن يدرك بأن كل تصرف يصدر منه في هذه الظروف؛ لا بد أن يكون واعيًا، في محاولة لتدارك انتشار الوباء وتطويقه، وأن هذا من الحكمة ومن فقه المؤمن لمنهج النبي صلى الله عليه وسلم، ومن فقهه لمنهج الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم جميعًا في التعامل مع المحن والحدّ منها، وأن يدرك ضرورة تحمل كل فرد المسؤولية في نشر وبث السكينة والطمأنينة بين الناس، فنشر الأمل والثقة بالله بين الناس كفيل بأن يقضي حزن المحزون الذي هام على وجهه وسط البلاء.

ويدرك ضرورة تحمل عبئ هذا البلاء فينطرح بين يدي الله ليبكي ويتوسل إليه ليرفع عنه البلاء، ويتحمل المسؤولية في بث روح الثقة والتعاون بين الناس، ليزول البلاء وتنعم الحياة وتقر العيون، وهذه الثقة بالله إن قرنت بالأخذ بالأسباب أصبحت مطلبًا شرعيًا عظيمًا؛ يحقق للنفس السكينة وحسن الظن بالله، ويهديه إلى أن يتفاءل بالخير لنفسه وللآخرين ويسعى لتحصيل مراتب الكمال في الدنيا.

فاللهم في هذه الظروف الصعبة رحمتك نرجو، لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، وأصلح لنا شوؤننا كلها، لا إله إلا أنت برحمتك نستجير، وبك نعوذ من البلاء، وبرحمتك ندفع بلاء الدنيا، يا من تأمل به المتعبون، ووقف على بابه المبتلون، ولم يقنط ولم ييأس من رحمته الصالحون، أقل عثراتنا، وأصلح أحوالنا، واشف مرضانا، وادفع عنا البلاء برحمتك وكرمك يا رحمن يا رحيم.