من منّا لم يمر بتخبطات مرحلة الشباب، بل وما زال يمر بها، كل ما نريده في هذه المرحلة هو شخص يؤمن بنا ويقر بحقنا في التجربة واختيار ما نريد حتى لو كان اختيارنا خطأ في البداية، وغالبًا ما قد يكون كذلك. للأسف، ينسى أحدنا حقه في الاختيار أمام العائلة والمجتمع والواجب ورد الجميل، فيختار الأشياء من أجل الآخرين لا من أجل نفسه، فيعطيه هذا شعورًا مؤقتًا بالرضا، وبأنه بذل نفسه من أجل شخص آخر.
ولكن سرعان ما تزول هذه المشاعر وتفقد الأشياء بريقها الأول ويعتاد الإنسان عليها، فيستيقظ يومًا ويتساءل عن جهده وعمره الذي يمر من بين يديه كالرمل على شيء لم يرغب فيه يومًا! تبدأ مرحلة التخبط وفقدان الهدف وسؤال ما الجدوى، ويقف الفتى أو الفتاة أمام مفترق طرق؛ أيكمل في الطريق الذي رسمه أبواه أم يخرج عن المسار المرسوم، ويتحمل عواقب اختياره وعبارات اللوم والتأنيب التي ستنزل فوق رأسه؟
إن كل شخص منا بداخله حجر كريم يحتاج إلى من يبحث عنه ويصقله ويهذبه ليظهر جوهره الحقيقي، ومن الغريب أن من عليه القيام بهذه العملية هو أنت، وهي عملية ليست سهلة أو سريعة، بل تحتاج صبرًا ودعمًا نواجه بهما أوقات الفشل واليأس.
وللوصول إلى جوهر الذات طرق كثيرة، أهمها على الإطلاق هي التجارب، لا بأس أبدًا من التجربة والخطأ، فنحن لسنا آلات تتحرك "بكتالوج"، نحن أكثر من ذلك، ومما قد يؤخذ على بعض الأباء والأمهات هو خوفهم الزائد على أطفالهم من التجربة، فهناك خوف معتدل، وهناك خوف يسيطر الطفل لدرجة أن يتشربه ويصبح جزءًا منه، فتغدو طاقة العجز والخوف ذاتية التولد حتى يصير شابًا بلا هوية، ليس لديه من عنفوان الشباب وجرأته أي شيء، مجرد نسخة باهتة مكررة عن أبويه لم يختر منها شيئًا.
لا أنكر فضل والديّ أبدًا، ولا يستطيع أن ينكر أحد ذلك، ولكن الحق الطبيعي لي هو أن أختار ما أحب، وإذا أخطأت أن أجد من يدعمني ولا يؤنبني، وأن أخوض التجارب حتى أصل إلى ما أحبه وترتضيه نفسي. يقول فرناندو بيسو: «كم هو قاس ألا نكون أنفسنا وأن لا نرى إلا ما يُرى».
هناك مشكلة أخرى تواجهنا في مرحلة الشباب، وهي المقارنة التي تسهلها وسائل التواصل الاجتماعي، نرى لوحة جميلة، أو أبيات شعر، أو شهادة فنتحسر على أنفسنا ولا ندرى كم الجهد المبذول من قبل صاحبها وما قد يضحي به من أجلها، أو كم مرة قام بتقطيع الورق وألقى به على الأرض يائسًا مما يفعله.
إنها حياتك أنت، وهبها الله لك، وهو وحده من سيحاسبك عليها، فافعل فيها ما شئت ولا تظلم أحدًا.
إن الأهل يزرعون أسلوب المقارنة في أبنائهم بهدف تحفيزهم، ولكن يكبر الطفل وليس لديه ثقة في قدراته، يشعر بالدونية وانعدام الثقة في نفسه، ويستمر طوال حياته في مقارنة نفسه بأشخاص آخرين لديهم ظروف وحياة تختلف عنه تمامًا، بل أحيانًا يسعى للكمال مما ينهكه وينهك من حوله.
تذكر، أنت الآن في مرحلة الشباب، ولا بأس أبدًا من بعض التخبط والتجارب الفاشلة، فكل تجربة تقربك من نفسك وتعرفك على قدراتك وحدودك أيضًا، وكما يقولون لن تندم على ما فعلته بل على ما لم تفعله. حاول أن تتخطى كل ما قيل لك بشأن أنك لست جيدًا كفاية، أو أنانيًا، أو جاحدًا، ومنكرًا للجميل، لا يوجد شيء في الدنيا يسمى الكمال، هذا وهم، ابدأ الآن ولا تنتظر، كل شيء في البداية سيكون كالبركان الثائر وسيهدأ بمرور الوقت، فاصبر.
إنها حياتك أنت وهبها الله لك، وهو وحده من سيحاسبك عليها، فافعل فيها ما شئت ولا تظلم أحدًا. يقول جوزيه ساراماغو: «تعتقد أن كل شيء مضى إلى غير رجعة، لكن يجب أن تكون صبورًا، تترك الزمن يأخذ مجراه، يجب أن نكون تعلمنا مرة واحدة وإلى الأبد أن القدر سيتقلب كثيرًا قبل أن يصل أي مكان».