بنفسج

شيماء سدو: لا تمت قبل أن تكون ندًا !

الخميس 08 أكتوبر

هذه المرة، حدثت الأمور بطريقة مغايرة، ومعاكسة تمامًا لما تعودنا على رؤيته حتى ألفناه فصار جزءًا منّا، وصرنَا طرفًا في الجريمة. هذه المرة، قررت المرأة أن يعلو صوتها، وألا تصمت! لكنّ النتائج بالمقابل كانت ذاتُها مع الأسف: إفلات الجاني وموتُ الضحية.

يذكرني السيناريو بقول شهير، عن صحفيّ جزائري قتل غدرًا بالرصاص "إذا تكلمت فأنت ميّت، وإذا لم تتكلم فأنت ميّت، إذن تكلم ومت!". ويا للأسف، المفارقة التي فرضتها آفات اجتماعيّة متجذرة تجعل من الموت حتميّة في كل الحالات، وتجعل من التكلّم ثمّ الموت أهون من الموت بصمت، في حين أنّ حفظ الحريات والحقوق، والنفس البشرية واجب مفروض لم تخلُ منه شعيرة دينية ولا إنسانية، ولم يكن في يوم من الأيام منّة الرجل على المرأة.

شيماء سدو" إحدى اللواتي كن ضحايا لنفوس متوحشة، تنعدم فيها أدنى درجات الإنسانية، ودفعن ثمن حتميات اجتماعية سقيمة ترمي المرأة بخطأ لم ترتكبه، وتحملها ثمن ألمها، ثم تتفانى في إيجاد جميع المبررّات للجاني.

التاريخ الذي يعيد نفسه، ويتكرر بصورٍ تنطلق من أصل واحد، وتشترك في الفروع: الشخص الذي قُتل بالأمس، يُقتل اليوم، وسيُقتل غدًا كذلك! "شيماء سدو" إحدى اللواتي كن ضحايا لنفوس متوحشة، تنعدم فيها أدنى درجات الإنسانية، ودفعن ثمن حتميات اجتماعية سقيمة ترمي المرأة بخطأ لم ترتكبه، وتحملها ثمن ألمها، ثم تتفانى في إيجاد جميع المبررّات للجاني.

يقولون: حَميّة، ويقولون غريزة فطريّة، وبطالة، وعدم قدرة على الزواج، ومعاناةٌ كثيرة طوال سنوات العقوبة في السجون تدفع إلى الانتقام، وإغراء ملابس الطرف الآخر، معلِش شبّ، يكبر ويستعقل، وغيرها من "الطبطبات" التي تحاول إخماد نار في قمة اتقادها.

وإذ تسألونني عن تفاصيل قصة شيماء، أجيبكم: شيماء فتاة في التاسعة عشر من عمرها، تمّ استدراجها قبل ثلاثة أيّام إلى محطة بنزين بمدينة بومرداس بالجزائر، حيث قام الجاني باغتصابها، والاعتداء عليها ضربًا وتعذيبًا ثمّ حرقها. هذا الأخير الذي أمضى أربع سنوات في السجن بسبب رفع شيماء لقضية ضده لأنه اغتصبها سنة 2016، عاد محمّلًا بحقد أكبر، ولم تعلمه سنوات السجون شيئًا، فقرر الانتقام! هل لاحظتم الآن حجم المفارقة التي أشرت إليها في بداية المقال؟

نتّهم الضحية ونبرّئ المعتدي ونبرّر له! ثمّ ماذا كانت النتيجة؟ لو قررنا التحدث بلغة الأرقام الجافة، فسيكون الأمر مخجلًا للغاية رغم أن الاحصاءات غير دقيقة بسبب خوف معظم النساء المعنفات من التصريح بما حدث لهنّ.

عندنا في الوطن العربيّ يا سادة، إذا سكتت المرأة خوفًا من أصابع الاتهامات التي توجه إليها، ولو كانت بريئة ومظلومة، فإنّها ستذهب ضحية للعنف عاجلًا أم آجلًا، وإذا قررت أن تدافع عن حقّها وتلجأ إلى الوسائل القانونية الردعية، فإنّ موتها على يد الجلاد سيكون مؤجلًا لا غير، يحدده عدد السنوات التي سيقضيها هذا الأخير في السجن.

وهكذا تمضي الأمور برتابة تامة، نتّهم الضحية ونبرّئ المعتدي ونبرّر له! ثمّ ماذا كانت النتيجة؟ لو قررنا التحدث بلغة الأرقام الجافة، فسيكون الأمر مخجلًا للغاية رغم أن الاحصاءات غير دقيقة بسبب خوف معظم النساء المعنفات من التصريح بما حدث لهنّ.  نقلًا عن منظمة الأمم المتحدة، فإن 37 % من النساء المعنفات تعرضن لأحد أنواع العنف، في حين تعرضت 34.5 % من النساء إلى العنف الجسدي من طرف الزوج، ناهيك عن تزويج القاصرات عنوة والذي بلغ نسبة 18 %.

إلى حينٍ غير بعيد، كانت معظم الدول العربية كمصر تسقط عقوبة الاغتصاب على الجاني، إذا قام بالزواج من ضحيته، أما الصومال فلا زالت تطبق هذا القانون إلى اليوم، ولا زالت تفرق بين الرجل والمرأة في مبلغ الدية، إذ يؤخذ عن المرأة نصف ما يؤخذ عن الرجل. في الأردن، يتم ارتكاب 3 جرائم شرف يوميًا من غير مساءلة ولا معاقبة، وتُسجل جريمة اغتصاب مرة كل ثلاثة أيام.

إلى سنة 2015، كانت المغرب ومصر في مقدمة الدّول التي تسجل أعلى نسبة تحرّش مؤدية إلى الاغتصاب، والبالغ عددها حاليًا 99.3٪. في فلسطين، تتعرّض نسبة 51 % من النساء للعنف المنزلي وهذا في غزة وحدها. كل هذه الاحصائيات في تزايد رهيب مستمر، بسبب عدم وجود قوانين صارمة ورادعة اتجاه الجناة، وبسبب التساهل معهم وإطلاق سراحهم في أغلب الأحيان بعد سنوات قليلة. ماذا قبل شيماء وماذا بعدها؟

إنها امتداد حتميّ للمئات اللّواتي سبقنها، من مشرق الوطن العربيّ إلى مغربه، ومن إسراء غريب بفلسطين، إلى أحلام بالأردن، ثمّ أفنان التي أدينت لأنّ والدها تحرّش بها. تجري الآن حملات كثيرة على وسائل التواصل الاجتماعي، لتطالب بالقصاص وتنفيذ حكم الإعدام في حق قاتل شيماء، وكل القتلة الذين سبقوه، وإن لم تتمّ المصادقة على قوانين زاجرة مثل هذه، والاستمرار في منح زمام الأمور لقانون العرف والقبيلة، فإن الأمور ستنتقل من سيّء إلى أسوأ، لأن شيماء لم تكن الأولى، ولن تكون بذلك الأخيرة! "أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا. 32: المائدة.