بنفسج

"عصا المربي": هل يُصلح الضرب أطفالنا؟

الأحد 28 فبراير

هل السلوك السيء سبب للضرب من أجل التأديب، أم أن الضرب هو الذي يسبب السلوك السيء؟ سؤال قديم جديد، أشبه بسؤال البيضة والدجاجة، أيهما أولًا؟ نطرحه على كل أم تأتي مستسلمة أمام انزعاج أطفالها، والغضب الشديد جراء سلوكهم، لتخبرك بأنها لم تعد تتحمل وملّت.

لا شك أن كل أم تحلم بهذا الطفل المطيع، المهذب الذي يسمع الكلام، ولا يعرضها لمواقف محرجة في الطرقات، أو أمام الناس في أي مكان، ليخبرها الجميع بانبهار، وأعين نافذة أنها: "عرفت تربي"! لكن هيهات فالطريق طويل، والصبر قليل، والزمن مربك، والحال مهلك. إن تربية الأبناء رحلة حياة، مشقتها من مشقة تربية النفس البشرية على مر العصور. يولد الأبناء وفي عقل آبائهم مئات الأسئلة التي تبحث عن إجابات، وقلوبهم ملآى بمشاعر مرتبكة، تحتاج إلى طمأنينة تحتويهم عند الزلل، والسقوط في فخ العجز أمام سلوكيات الأبناء.

 على الآباء أن يدركوا حقيقة أن كل طفل هو عالم، وحالة متفردة، مهما تشابهت التجارب، أو حاولت الاستعانة بطلب النصح، الطفل سيظل حالة، حتى بين الإخوة في الأسرة الواحدة، كل منهم حالة خاصة، ونجاحك هو فهم هذا التفرد والاختلافات بين الأطفال.

فيلجأ كل منهم إلى أسرع وسيلة، يطلبون نصيحة كل من حولهم، ليُحدثوا فارق السلوك الذي يسعون إليه، وهي "العقاب التأديبي". وتبدأ الرحلة بضربة خفيفة على أكف الصغير، وتنتهي بعدم القدرة على الثبات الانفعالي، وإدارة الغضب أمام سلوكهم، فيصل الأمر إلى العصا، والضرب المبرح الذي يفتقد لأبسط قواعد العقاب، وهو ألا يكون بدافع التشفي والغيظ، أو يترك ضررًا نفسيًا أو بدنيًا، ونتيجة لذلك، كثيرًا ما يأتي العقاب غير متناسب مع السلوك أبدًا، فتصرخ الأم وتنزعج على أمور عادية يمكن أن تتجاوزها بفنيات سهلة، لكنها تحتاج إلى التمرن عليها، والصبر، والاهتداء.

وعلى صعيد آخر، يظن البعض أن القسوة بالضرب، أو بالإهانة، والصراخ هو الأسلوب الأمثل للتأديب في هذا الزمن لصلابة عودهم، وتنشئتهم تنشئة سليمة تواجه أحداث العمر وأحزانه، لأن الواقع أصبح مفسدًا للأبناء، "يظن الآباء أن بصفعاتهم يؤهلونا لعالم قاس لن يربت على ظهورنا، لا يدرون أن ربتاتهم الغائبة هي ما كانت ستؤهلنا لقسوته، وأن صفعاتهم لم تصنع فينا سوى أن منحت الخوف وطنًا داخل نفوسنا..."*.

على الآباء أن يدركوا حقيقة أن كل طفل هو عالم، وحالة متفردة، مهما تشابهت التجارب، أو حاولت الاستعانة بطلب النصح، الطفل سيظل حالة، حتى بين الإخوة في الأسرة الواحدة، كل منهم حالة خاصة، ونجاحك هو فهم هذا التفرد والاختلافات بين الأطفال. إن أسمى قيمة يمكن تربية الطفل عليها، هي الحرية، تحرير النفس من أجل اكتساب الفضائل والشعور بالكرامة، وتحرير العقل من كل ما يفسد تطوره، أو يكبله عن استخدام قدراته الذهنية، وتحرير الإرادة من أجل أن ينهض كلما أثقلته الخطى، وأعجزته في دروب الحياة، والصبر على الأقدار.

بحث صغير لمعرفة أثر الضرب والإهانة والصراخ على عمل دماغ الطفل وذكائه، سيخبرك بأن آثاره طويلة المدى قد تستمر مع طفلك طوال حياته، فتضمحل نفسه، ويفسد عقله، وتكبل إرادته، ويفاجئك الزمن بما كنت تحسبه هينًا. الأمر يحتاج إلى نظرة متعمقة لما تريد أن تربي طفلك عليه، وقدرة على مواجهة الذات، وعدم الاستسلام للغضب الذي يعمي البصر والبصيرة.

لا أدري منشأ فكرة الضرب والإهانة والقسوة لتعديل سلوك الأطفال، إلا من مرضى غير أسوياء، حاولوا توظيف سلوكهم غير السوي في التربية، فألبسوه ثوبًا غير ثوبه، واستبدلوه كمرادف للعقاب من أجل التأديب. ولا أدري أمرًا يهتدي به الناس لضبط انفعالاتهم أمام سلوك الأبناء غير المحاولات الجادة للتأسي بالرسول -صلى الله عليه وسلم- في معاملته معهم، والتوقف للعبرة أمام أساليبه في التعليم، والمواقف التي إن صنعها طفلك أو حتى حين يبلغ الشباب**، لسقط أرضًا من شدة صفعاتك لتأديبه على ما يقول ويفعل.

أعظم الجهاد، جهاد النفس وتربيتها، من أجل تربية أطفال أسوياء أحرارًا، بدلًا من أن تدمر الوطن الذي يتفتح قلبه وعقله، والحياة بأسرها أمام عينيك وبين يديك. اجتهد أن تحفظ أمانة الله التي رزقك إياها، بالإحسان في تأديبها، مع حفظ الكرامة والإنسانية، دون إهانة أو إساءة، سيعيش العمر كله يحصد ما بذرته في نفسه يومًا.

*عماد رشاد عثمان، "أبي الذي أكره"، ص١٦.

** انظر حديث الشاب الذي أتى يستأذن أفضل الخلق في الزنى، وكيف استعمل (صلى الله عليه وسلم) أسلوب الرفق والمحادثة والموازنة العقلية في تأديبه، ثم دعا له.