بنفسج

أحمر الشفاه.. عن أمي التي علمتني

الخميس 11 مارس

عندما كنت دون الخامسة من عمري، كنت شغوفة بمستحضرات التجميل، كنت أتابع جميلات الشاشة بشغف، وأحب تقليدهن. كنت أحب الحُلي، وأدوات التجميل، وأحفظ قنوات التلفزة، ومواعيد البرامج والأفلام عن ظهر قلب. وكنت أختلس اللحظات التي تغط فيها جدتي في نوم عميق، بينما والدتي في عملها، واقتحم غرفتها لأجرب كل العطور، وأضع من كل مساحيق التجميل بالأدراج والدواليب.

 لا أترك شيئًا حتى أجربه، ثم أرصّ أشياء أمي وأعيدها لحالها، "أو هكذا هُيئ إليّ"، أن أمي لن تعلم أبدًا ما فعلت. أما إن لاحظت أمي أن ترتيب الأشياء ليس كما اعتادت، فأتعلم من خطأي في المرة التي تليها، وأدرس شكل الغرفة جيدًا، وطريقة ترتيب الحاجيات على الأرفف قبل أن أستخدمها حتى لا أغير مكان شيء دون قصد.

أشارت إليّ أمي بالخروج من الغرفة، وأمرتني بانتظارها في غرفة المعيشة، وفعلت وأنا أرتعد من الخوف من العقاب، تُرى بم ستعاقبني؟ هل ستخبر أبي؟ هل ستحرمني من المصروف ومشاهدة التلفاز؟ هل ستمنعني من اللعب مع بنات الجيران؟

وفي كل مرة، تكتشف أمي وتسأل، وأنكر أني فعلت، حتى أتي ذاك اليوم الذي عادت فيه أمي مبكرًا من عملها، بعد أن استأذنت لظرف طارئ، وكنت في غرفتها أجرب العطور والمساحيق والإكسسوارات، ومن فرط الصدمة، تسمرت قدماي، ولم أقوَ على الحراك حتي خطت أمي نحو باب الغرفة النصف مفتوح ونصف مغلق، لتجدني أقف بجوار مرآتها وقد خضبت وجهي بالمساحيق، وشفتاي بخليط لا لون له من أحمر الشفاه، وعقصت شعر رأسي بالعشرات من دبابيس الشعر في كل زاوية من دماغي، وبالطبع لم أتمكن من فك أي شيء، أو إعادة أي شيء إلى مكانه، ببساطة، لم يكن هناك متسع من الوقت.

أشارت إليّ أمي بالخروج من الغرفة، وأمرتني بانتظارها في غرفة المعيشة، وفعلت وأنا أرتعد من الخوف من العقاب، تُرى بم ستعاقبني؟ هل ستخبر أبي؟ هل ستحرمني من المصروف ومشاهدة التلفاز؟ هل ستمنعني من اللعب مع بنات الجيران؟ بعد دقائق، أتت إليّ أمي، وجدتها مبتسمة علي غير ما توقعت، ربتت علي كتفي، ثم ناولتني أغلى أحمر شفاه لديها، نوعي المفضل الذي كنت أجربه دومًا في خلسة.

عديني ألا تدخلي غرفتي أبدًا دون إذني، وعديني أن تخبريني قبل أن تضعي من أحمر الشفاه، لا تضعيه قبل أن تخبريني أولًا، وها هو أحمر الشفاه المفضل لديك، خذيه لك، علمت أنه المفضل لديك لأنه الوحيد الذي قصر طوله عن باقي الأقلام"، ثم غمزتني بعينها.

 وقالت: "لا تظني أبدًا أني لا أعلم، أنا أعلم أنك تدخلين غرفتي، في كل مرة كنت أرى المناشف الملطخة بأحمر الشفاه ملقاة بسلة المهملات، وكنت أعلم في كل مرة عندما أرى حاجياتي، وقد استقام ما كان موضوعًا باعوجاج، وما كان قلمًا طويلًا فقصر طوله، وعلبة دبابيس الشعر، أنا أعرف عدد الدبابيس فيها ووجدت اثنين منها تحت وسادتك بينما كنت أرتب غرفتك، وعلمت وقتها أنك كنت تختلسين الدخول إلي غرفتي دون إذني، لا داع للكذب لأني لن أسألك، فقط سأطلب منك طلبين".

سألتها في ذهول: "ما طلبك يا أمي؟". قالت: "عديني ألا تدخلي غرفتي أبدًا دون إذني، وعديني أن تخبريني قبل أن تضعي من أحمر الشفاه، لا تضعيه قبل أن تخبريني أولًا، وها هو أحمر الشفاه المفضل لديك، خذيه لك، علمت أنه المفضل لديك لأنه الوحيد الذي قصر طوله عن باقي الأقلام"، ثم غمزتني بعينها.

ابتسمت في خجل وقلت: "أعدك يا أمي، ولكن لقد أصبح أحمر الشفاه ملكي الآن، هلا أخبرتني لمَ عليّ الاستئذان منك قبل أن أضع منه؟". فابتسمت وقالت: "لأنك صغيرة، وهذا المساحيق والألوان مصنوعة من ألوان غير طبيعية، ومواد كيماوية ضارة بالبشرة، هي تبرز الجمال مرة، لكن تضر بالنضارة مرات ومرات، مستحضرات التجميل أسهل طرق إبراز الجمال وأسهل طرق المشيب أيضًا. وظل أحمر الشفاه في درجي، لم أستعمله أبدًا، ولم أسترق شيئًا أبدًا من غرفة أمي أبدًا من بعدها. إن أفضل ما يعطيه المرء لفلذات كبده وأحبته أن يمنحهم ثقته.