بنفسج

وأخيرًا سأعيش ربيع الأمهات

الأربعاء 16 سبتمبر

بداية أعرفكم بنفسي أنا ريم كمال سأروي لكم حكايتي مع مريم. "ست الحبايب يا حبيبة، يا أغلى من روحي ودمي، "لسبعة أعوامٍ كنت كلما سمعت هذه الأغنية في "عيد الأم" أشعر بفراغ يفوق ألم الغصة، وكأن الخريف قد حضر للتو. الغريب في الأمر، أن مشاعري البائسة تلك رافقها أمل يكبر في قلبي يومًا بعد يوم، أن الله سيرزقني يومًا بابنة جميلة أُسميها مريم، تقطف لي وردة جورية من حديقة البيت، وتضمني بحنان وهي تقول: "يا أحلى ماما أنت أحلى من الوردة". من يصدّق أنني هذا العام وأخيرًا سأشارك في "ربيع الأمهات".

عايشتُ الكثير من الآلام والأحزان من أجل لحظةٍ أضع فيها أصبعي داخل يدها الصغيرة الناعمة، فتغلقها علي فأضحك. حين تكبرين يا مريمتي، وتصبحين أمًا مثلي ستدركين كل شيء. تأخر الحمل بعد زواجي بأبيكِ، فذهبتُ للطبيب من باب الاطمئنان. مر عام ولم يحدث ما ننتظره، فقط كانت المشاكل تتفاقم و"الزن" لا يهدأ. صارت عيادات العقم وجهة لنا، وكان الأمل ضعيفًا، وأخبرنا الأطباء أن لا مفر من زراعة الأنابيب.

| أول ركلة!

أول ركلة لها في بطني لا يمكنني وصفها، أخذت أتحسسّها برقة وأتحدث إليها: "هيا يا حبيبتي أنا بانتظارك". وأمسكت دفترًا أسميته "يوميات مريم"، دّونت فيها أصغر التفاصيل، حتى تقرأه حين تكبر.

احتفظت بكل أشرطة الحبوب الفارغة، وزجاجات الأدوية والحقن التي تناولتها أثناء العلاج، كنت حين ألقي ببعضها في سلة المهملات يجمعها زوجي ويخبئها.

وفي اليوم الذي جاءت فيه "مريمتي" إلى العالم، أي قبل خمسة أشهر، طلبتُ من الطبيب أن يكون تخدير الولادة جزيئًا حتى أكون واعية لحظةً خروجها من رحمي، احتضنتها بين ذراعيّ، ورأيتُ في وجهها نور الكون يشع.

 

لا أحب ادعاء القوة أبدًا، فقد تسللّ اليأس إلى قلبي، لقد فعل ما هو أكثر حين شلّني. استجمعتُ نفسي بصعوبة واتخذت مع زوجي أحمد قرار الزراعة، ومهما كلفنا الثمن لنبدأ الرحلة من جديد. ومع الأسف فشلت "الزراعة"، إلا أن يقيني بأن الله لا يرد عبدًا دعاه لم يهتز، قد تبدو الصورة فيها شيء من التناقض حين اعترف. يـــاه كم كنت أشعر بالضياع في تلك الأيام، وكأنني كسلحفاة ضلت طريقها ولن تعود.

لم تكن عقارب الساعة تدور حول نفسها فحسب، أنا أيضًا كنت أدور في دوامة لا تنتهي، لمحت نظرات الشفقة في عيون الناس تزداد، ومع كل همز ولمز يشتد الوجع، توترت علاقتي بزوجي في لحظات ضعفنا. وذات مرة، أشار عليّ بالانفصال، لكني سرعات ما وضعتُ يدي على فمه، ولم أدعه يكمل كلامه، فرباط المودة والرحمة كان أقوى من أي محنة، ذلك أن صحبة رجل مثل "أحمد" جعلتني أؤمن بالمثل الشعبي: "العيشة الهنية بتنّسي الذرية".

"سأكون صريحًا معكِ، نسبة الأمل في حملك لا تتجاوز 15% فقط، ولو توجهتم لأطباء العالم فما من فائدة ترجى". هذا ما قاله الطبيب الشهير لي في مرحلة متأخرة من العلاج، لقد حطّمني بقسوته وكأن الأرض تهاوت من تحتي لحظتها، كان بكائي مرًا حتى أني لم أعد قادرة على النطق من هول الصدمة، لم أكن مهزومة بل عاجزة.

أخبرت زوجي "أننا انتهينا"، فابتسم برفق وجعلني ألملم شتاتي، تعاهدنا على الاستغفار، وقررنا المحاولة من جديد بزراعة للمرة الثانية. كنت على استعداد أن أبيع ما فوقي وما تحتي. وفي تلك الأثناء، كلما وقعت عيني على قطعة للمواليد البنات اشتريها بلا تردد، تفاءلوا! هذه المرة نجحنا والحمد لله، وفي اللحظة التي أُبلغنا بنتيجة التحليل، سجدتُ سجدة شكر طويلة، فقد بتُ أحمل في أحشائي جنين، ومقدار دموع فرحي كان بحجم بحر.

أول ركلة لها في بطني لا يمكنني وصفها، أخذت أتحسسّها برقة وأتحدث إليها: "هيا يا حبيبتي أنا بانتظارك". وأمسكت دفترًا أسميته "يوميات مريم"، دّونت فيها أصغر التفاصيل حتى تقرأه حين تكبر، احتفظت بكل أشرطة الحبوب الفارغة، وزجاجات الأدوية والحقن التي تناولتها أثناء العلاج، كنت حين ألقي ببعضها في سلة المهملات يجمعها زوجي ويخبئها، ولذلك التقطتُ لها هذه الصورة بعد ولادتها.

وفي اليوم الذي جاءت فيه "مريمتي" إلى العالم، أي قبل خمسة أشهر، طلبتُ من الطبيب أن يكون تخدير الولادة جزيئًا حتى أكون واعية لحظةً خروجها من رحمي، احتضنتها بين ذراعيّ، ورأيتُ في وجهها نور الكون يشع. عندئذٍ، نسيت كل تعب الدنيا ونطقت بالدرس الأول "يا مَلاكي: إياك أن تنسي إن الله إذا أعطى أدهش".