بنفسج

كيف ننجو من عزلة الأمهات؟

السبت 13 يونيو

لا شك عندي أن غالبية – إن لم يكن كل – الأمهات الجديدات يعرفن كيف تكون الحياة وحيدة جداً بعد ولادة الطفل الأول. أقول الطفل الأول لأن هذه النقلة النوعية في حياة المرأة لا تتكرر، فنحن أمهات للمرة الأولى مرة واحدة فقط. وهذا التغيير يأتي بالكثير من المشاعر والتحديات والتجارب التي لم نكن نتوقعها ولا متأهبين لخوضها. مهما قرأنا وحاولنا إعداد أنفسنا وأزواجنا فإن هناك حدوداً لما يمكننا أن نعرفه بلا تجربة حقيقية.

عزلة الأمهات هي واحدة من تلك الحقائق التي لا نتوقع أن نختبرها لأن الأم تقضي معظم وقتها مع طفلها الصغير أو بين الناس المحتفين بالقادم الجديد أو مع عائلتها. ولكن هذه العزلة تفرض نفسها في ليالي الرضاعة الطويلة، وفي تبديلات الحفاضات المتكررة، والمشاعر السلبية التي نضطر لإخفائها؛ حتى لا يقال بأننا غير مقدرين للنعم.

عندما بحثت عن هذه القضية على الإنترنت وجدت الأبحاث التي تؤكد بأن نسبة 52% من الأمهات الجدد يشعرن بالوحدة على الرغم من وجودهن ضمن جماعات طوال الوقت[1]. ثم الكثير من المقالات والتجارب التي تعبر عن تكرار هذه الحالة بين الأمهات. أذكر هنا فقط ترجمة لبعض العناوين: 

  • عذاب الوحدة في مراحل الأمومة الأولى
  •  عزيزتي الأم الجديدة: لن تشعري بهذه الوحدة إلى الأبد
  •  وحدة الأمهات الجدد غير المتوقعة
  •  لم أكن جاهزة للانعزال الاجتماعي الذي يصاحب الأمومة الجديدة
  •  وبحث في مجلة علمية بعنوان "التغلب على عزلة الأم الجديدة[2]وملايين من نتائج البحث المختلفة التي لا مكان لذكرها.

| عزلة موحشة

عزلة الأمهات هي واحدة من تلك الحقائق التي لا نتوقع أن نختبرها لأن الأم تقضي معظم وقتها مع طفلها الصغير أو بين الناس المحتفيين بالقادم الجديد أو مع عائلتها. ولكن هذه العزلة تفرض نفسها في ليالي الرضاعة الطويلة، وفي تبديلات الحفاضات المتكررة، والمشاعر السلبية التي نضطر لإخفائها؛ حتى لا يقال بأننا غير مقدرين للنعم.
عندما بحثت عن هذه القضية على الإنترنت وجدت الأبحاث التي تؤكد بأن نسبة 52% من الأمهات الجدد يشعرن بالوحدة.

عندما أقرأ تجارب أمهات أخريات أجد دائماً حديثاً عن هذا الشعور، ولكن الجدير بالذكر أن أغلب هذه التجارب كما هو الحال مع نتائج البحث متوفرة باللغة الإنجليزية. وليست القضية أن الأمهات العرب لا يمررن بهذه التجربة، بل إنهنّ لا يستطعن التعبير عنها بسبب الضغوطات النفسية والمجتمعية. وكثيراً ما يتم الخلط بين هذا الشعور واكتئاب ما بعد الولادة. في حين أنه ليس بالضرورة أن يكون الشعور بالعزلة علامة على الاكتئاب.

أذكر أنني عندما أنجبت ابنتي الأولى عشت فترة من الإحساس بالوحدة التامة على الرغم من وجود الناس حولي. والتي ساهم فيها عدم قدرتي على الحركة وحدي أو مع طفلتي، ولا وجود أمي وأخواتي تحديداً بالقرب مني. كانت أوقات الرضاعة الليلية من أشد الأوقات الصعوبة، لأنها تجمع بين قلة النوم والقيام بمهمة يومية متكررة، في عزلة تامة عن العالم.

في غرفة مظلمة، والناس نيام، وليس سواك وهذا الرضيع الذي مازال يعتقد بأنه في رحمك. ثم تواجهين العالم في اليوم التالي وغالبية من حولك لا يعرفون كيف قضيتِ ليلتك؛ ويتعاملون معك على أنك بشر في حالة طبيعية، وليس في وضع استثنائي.

ثم تأتي عزلة النهار التي تقضينها مع هذا الكائن المسؤول منك، والذي ما زلت تتعرفين عليه، ومازلت تحاولين فهمه. بين الإطعام والغناء والتنظيف، وشؤون المنزل الأخرى التي تتم بين كل هذا. حتى إذا ما انتهى النهار، كان أكبر إنجاز لك أن تأخذي حماماً سريعاً، ثم تسابقين الزمن حتى تنامي قليلاً قبل أن يصحو "الديناصور" الصغير. وهكذا تمر الأيام واحدا تلو الآخر، والأسابيع الأولى تتحول إلى ثقب أسود يلتهمنا حتى نظن أننا لن نخرج منه.

| بدّدي عزلتك

من المهم أن ندرك أن اختبار هذه المشاعر أمر طبيعي. ليس علامة على ضعف إيمان، ولا بطر على النعم، ولا هو مؤشر على خلل فيك كأم. بل هو مرحلة من مراحل رحلة الأمومة الطويلة، ووقت قصير نتخطاه.

ونتعلم منه كيف نتأقلم مع دورنا الجديد. كيف نرى حقيقة أن هذا مؤقت، وأن الطفل الصغير سوف يبدأ في الابتسام والتفاعل معنا قريباً، وستصبح عزلتنا أقل صعوبة كلما بدأت الحياة من حولنا تنتظم شيئاً فشيئاً. 

إنّ المريح في الأمر هو أن هناك طرق يمكننا من خلالها أن نتجاوز هذه الأسابيع والشهور بسلام وبأقل الخسائر. منها:

| مرحلة مؤقتة: أن نتذكر دائماً بأن هذه المرحلة مؤقتة، ومهما طالت فسوف تنتهي، وسوف نخرج معاً -نحن وأطفالنا- من هذه القوقعة.

| فرصة للتعرف: إن الوقت الذي نمضيه مع أطفالنا على صعوبته في المراحل الأولى هو فرصة للتعرف على صغيرنا، ولتجهيز أنفسنا لمرحلة الأمومة الجيدة هذه.

| استغلال وقت الرضاعة:  كثير من الأمهات يستثمرن وقتهن أثناء الرضاعة بصورة ما، سواءً التفكير والتخطيط لأمور يحتجن فعلها، أو لقراءة معلومات يحتجنها، أو غيره من الأنشطة التي تخفف من وطأة عبء الرضاعة.

| للتغلب على العزلة: لقد ذكرت بأن الأمهات يشعرن بالوحدة على الرغم من أنهن لسن وحيدات. لكن من أفضل الأمور التي تساهم في التغلب على العزلة هو أن تعثري على أم جديدة في مثل وضعك.

| حرية في الحديث عن المشاعر: وجود هذه الشخصية في حياتك سيجعلك أكثر قدرة على مشاركة تجاربك الخاصة كأم حديثة، ويعطيك حرية في الحديث عن مشاعرك بصورة قليلاً ما تتسنى للأمهات الجدد؛ إن كان محيطهن لا يتكون من نساء في نفس الوضع (أمهات لأبناء كبار، أو غير أمهات، أو سيدات متقدمات في السن). فكل إنسان يهتم بالتجارب التي تشبه ما يعيشه هو، ومن المتوقع ألا تجدي توافقاً بين اهتماماتك كأم لأول مرة، واهتمامات غيرك ممن هم في مرحلة مختلفة من الحياة.

| تشكيل مجموعات من الأمهات: ابحثي عن مجموعات الأمهات للقراءة أو للغناء، أو شكلي مجموعة خاصة مع أمهات أخريات. عدم القدرة على الخروج من المنزل بسهولة مع الطفل حديث الولادة من أكثر مسببات العزلة، لذلك فإن تشكيل مجموعة من الأمهات يلتقين مرة أسبوعياً مع أطفالهن للقراءة للأطفال أو الغناء لهم أمر يوفر هذه الفرصة دون قلق.

| تخصيص وقت خاص: حاولي أن تعطي أولوية لنفسك عندما يتوفر لك أي وقت يكون الصغير فيه لا يحتاج رعايتك المباشرة. ولو لمدة ساعتين أسبوعياً. شاهدي فيلماً، أو طالعي كتاباً، مارسي هواية، أو حرفة. مهما صغرت هذه الأفعال، فإنها تؤثر على مزاجك وتمنحك الطاقة التي تحتاجينها لأداء المهام المتوقعة منك.

التأمل في الطفل حديث الولادة: جربي أن تري في طفلك الصغير ما هو خلف كل أوقات الرضاعة، والحفاضات المتسخة، وانتفاخات المعدة، والبكاء غير المنقطع. يكون من الصعب أن نلتفت لمدى الإعجاز في هذا الكائن الصغير بين ركام هذه الواجبات وننسى أننا حملناه في أحشائنا وخرج إلى هذا العالم من خلالنا. وكم هو مذهل أن نرى العالم في طفل صغير حديث الولادة.

أرجو أن لا تعتقدي بأنك وحدك من تبذلين جهداً كبيراً حتى تكوني أماً لطفل صغير. لستِ وحدك من تشعرين بالضياع أو بالخوف من كل شيء وأي شي. لكنك وحدك أم هذا الطفل الصغير، فلا تنسي ذلك.

وأخيرًا، من المهم أن ندرك أن اختبار هذه المشاعر أمر طبيعي. ليس علامة على ضعف إيمان، ولا بطر على النعم، ولا هو مؤشر على خلل فيك كأم. بل هو مرحلة من مراحل رحلة الأمومة الطويلة، ووقت قصير نتخطاه، ونتعلم منه كيف نتأقلم مع دورنا الجديد. كيف نرى حقيقة أن هذا مؤقت، وأن الطفل الصغير سوف يبدأ في الابتسام والتفاعل معنا قريباً، وستصبح عزلتنا أقل صعوبة كلما بدأت الحياة من حولنا تنتظم شيئاً فشيئاً.

إن الأمومة ليست فطرة بالمعنى المنتشر بين الناس. هي فطرة لأنها غريزة تدعمها طبيعتنا البيولوجية التي تعيننا على توفير الطعام لأطفالنا، وتعيننا على آداء المهام المتعلقة بهم. ولكن الأمومة التي يكون مجالها السلوك والمشاعر هي أمومة نكتسبها بالتعلم، وبتهذيب النفس، والكثير من التأمل في حياتنا وتجاربنا، وكيف يؤثر كل ما مررنا به على طريقة تربيتنا لأطفالنا. لذلك أرجو أن لا تعتقدي بأنك وحدك من تبذلين جهداً كبيراً حتى تكوني أماً لطفل صغير. لستِ وحدك من تشعرين بالضياع أو بالخوف من كل شيء وأي شي. لكنك وحدك أم هذا الطفل الصغير، فلا تنسي ذلك.