بنفسج

ما أهجر إلا اسمك !

الخميس 18 يونيو

استوقفتني هذه العبارة المقتبَسة من حديث للنّبي -صلّى الله عليه وسلّم-، الذي أَخبر فيه عائشة -رضي الله عنها- عن كونه يعرف متى تكون غَضبى ومتى تكون راضية.

فجاء عنه، "إذا كانت غَضبى رضي الله عنها، تقول: وربّ إبراهيم، بينما إذا كانت راضيةً، تقول: وربّ محمّد". فأجابته بكلّ حب وَرِقّة: "أجل، واللّه ما أهجر إلاّ اسمك يا رسول الله". قلتُ في نفسي: ما أحوجنا إلى حُبٍّ لا يتعدى الهَجرُ فيه للاسمِ إلى أشياءَ أكبر في المعنى والسّلوك. حُبُّ الوعي والإدارك، حُبُّ التوازن بين العقل والعاطفة.

ذلك الحُب، الذي يُضفي على مشاعرنا وأفكارنا الكثير من الاطمئنان والسّلام النفسيّ. نغار، نغضب، نحزن وننكسر. لكن، بدون تغييب وعيينا الكامل، والاستسلام لعواطفنا الهوجاء التي غالبًا ما تكون خدّاعة، مُضَخِّمةً للأمور، وهذا أحد أدوارها في الحقيقة.

حُبٌّ لا يَهجر الطرف المُنكسِر فيه سِوى اسم حبيبه، فيُحافظ على مكانته في قلبه كما هي، وإن ألمّت بهما مشاكل قد تكون، أحيانًا، تمحيصًا للقلوب وللمشاعر المكوِّنة لها، ومدى درجة صدق وثبات ذلك الحُب في كِلا القَلْبَيْن. ليس لإنهاءِ العلاقة وكَسر طرفٍ دون الآخر. هي بمعنى آخر، محطة من محطات التطهير القَلْبيّ التي تُسمّى "بالتصفية".

إلا اسمك، سأغضب وأثور حسب درجة توازني التي أملَت عليّ ألاّ أُسمّيكَ وأنا غاضبةٌ منك. ثم سأحاول ملء وعيي معالجة المشكلة بيني وبين نفسي، وأن أَسُدّ عن الشيطان كل الثغرات كي لا أُسعِده بنزاعنا. ثم سأراجع مفهومي الخاص بالأنوثة وسِيماتها، فأتذكر الرِّقّة والحياء، فأعود أدراجَ تفكيري في كلّ ما راوَد عقلي وأنا في لحظة غضبٍ منك، أعفو وأصفح الصّفح الجميل، لا ضعفًا مني، بل مودّةً ورحمة.

نحن بحاجة إلى حُبّ تغلب فيه كفّة الرحمة جميع كفّات ميزان مصادر الحب الأخرى. أن نَرى بعضنا البعض بعين الرّحمة، فنتذكر بأن الحياة قاسيةً علينا جميعًا وعلى كلّ واحد منا بدرجةٍ قد تفوق الآخر.

فنُحسِن الظن مِن هُنا، ونَرحَم بعضنا من هناك، بينما نعفو ونغفِر زلاّت بعضنا البعض إيمانًا منّا بأن الخطيئة هي أصلُ الإنسان، وأنّ الإنسان مخلوق ضعيف مهما بَدا قاسيًا مُتجبّرًا، فأصله الهشاشة والوَهَن.