بنفسج

الحنين للرسائل الورقيّة.. روان بيبرس في مهمة خاصة

الخميس 04 مارس

رسالة ورقيّة مطويّة بعناية، معطّرة بالشوق، مِدادها المشاعر، مكتوبة بدمع انتظار أو نبض حبٍ، أو همسة عتبٍ رقيقة، وهذا كلّه يغلّفه ظرف مزركش مطبوع عليه قبلة وبصمة يد طال بعدها عن مصافحة من تُحب. رسائل تتبادل بين أمّ وابنها البعيد، أو صديق وصديقه المغترب، وبين كل متحابَين حالت المسافات والظروف دون لقائهما.

هكذا كان زمن الرسائل الورقيّة الجميل، أما اليوم في عصر الحداثة والتكنولوجيا، فقدنا كلّ هذه المعاني الرقيقة وبات يسيطر علينا رسائل إلكترونيّة باردة وسريعة نتبادلها على مواقع التواصل الاجتماعيّ. لكن، وسط هذا كلّه، كانت "روان"، فتاة من الأردن، أخذها الحنين إلى زمن الرسائل الورقيّة، فأخذت على عاتقها مهمّة إعادة إحياء التواصل البريدي. وكان هذا حواري معها:

 
روان"، فتاة من الأردن، أخذها الحنين إلى زمن الرسائل الورقيّة، فأخذت على عاتقها مهمّة إعادة إحياء التواصل البريدي.
 
والدتها هي من أوحت لها بالفكرة، فالرسائل المكتوبة بخط اليد تستهويها، فقد كانت ترسل لصديقاتها في البلدان الأخرى رسائل مكتوبة عن طريق البريد.
 
بدأت روان بتنفيذ فكرتها عندما اقترحت عليها صديقتها المقيمة في أمريكا بتبادل الرسائل الورقية، وعندما خاضت التجربة أعجبت بها وأرادت تعميمها. فلجأت لحسابها عبر "الإنستجرام" وسألت المتابعين  "هل ترغب باستلام بطاقة بريديّة من الأردن؟". وكان التفاعل كبيرًا جدًا، فتشجّعت لتوسيع نطاق المبادرة قدر الإمكان.
 

| كيف خطرت لك فكرة إعادة إحياء التراسل البريدي؟

ربما يعود الفضل لأمّي التي أوّحت لي بالفكرة، والتي ما زلت أستخدم صندوقها البريديّ حتى اليوم. كانت المراسلة البريديّة هوايتها منذ أن كانت في المدرسة، حيث كان لجدي عمارة سكنية يؤجّرها لزوّار يأتون للأردن من مصر والكويت وغيرها من الدول العربيّة لقضاء إجازة الصيف هنا، وكانت أميّ تتعرّف على البنات في تلك العائلات، ويلعبنّ معًا طوال الصيف، وتنشأ بينهن صداقة، وبعد أن يسافرن، ويعدن إلى بلادهن، يبقين على تواصل من خلال المراسلات البريديّة.  بالإضافة إلى التواصل مع الأهل والأقارب ممن يعيشون خارج البلاد. كان حديث أمي عن تجربتها والمشاعر التي تغمرها عند رؤية الرسائل المكتوبة بخط اليد يفتح لي باب عالم بديع أردت دائمًا دخوله وعيش تفاصيله.

| كيف بدأتي بتنفيذ فكرة التواصل البريدي على أرض الواقع؟ وكيف بدأتي بنشر الفكرة؟

بدأت بتنفيذها عندما اقترحت صديقتي المقيمة في الولايات المتّحدة أن نتبادل الرسائل، بعد أن تحدّثنا سابقًا عن ذلك النوع من التواصل المرتبط بالحنين إلى الماضي، وإلى زمن الرسائل الورقيّة. وعندما خضت التجربة راقت لي كثيرًا وأردت تعميمها، أردت أن أتبادل الرسائل مع المزيد من الأصدقاء حول العالم، لذلك لجأت إلى مدوّنتي الإلكترونية أولًا، ثم إلى حسابي على إنستجرام، وقمت بمشاركة منشور مع سؤال للمتابعين: "هل ترغب باستلام بطاقة بريديّة من الأردن؟". وكان التفاعل كبيرًا جدًا، وعندما رأيت ذلك التفاعل، وأثر المراسلات البريدية على الآخرين، تشجّعت لتوسيع نطاق المبادرة قدر الإمكان.

روان1.jpg

| برأيك ما الشيء الذي تمنحه الرسائل الورقية، ولا يتوفر في الرسائل الإلكترونية اليوم على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة؟

تُكتب الرسائل على مهل، وبقصديّة أكبر من رسائل الواتساب السريعة، أو غيرها من رسائل تطبيقات مواقع التواصل الاجتماعي، من يكتب لك رسالة هذه الأيام يهديك شيئًا قيّمًا جدًا وهو "وقته"، كما أنّه نوع من التواصل "الملموس"، ولا تضيع في الأثير، حيث يمكن الاحتفاظ بالرسالة ومرفقاتها من الصور والبطاقات البريدية وأوراق الشجر المجففة وغيرها.

| هل فعلًا مازال هناك من يتواصل بريديًا؟

نعم، قد يتفاجأ كثيرون من ذلك، لكن هناك عدد لا بأس به من هواة المراسلة في الكثير من بلدان العالم. ولا يقتصر الأمر على الأوروبييّن والأمريكييّن الذين يرسلون بطاقات بريدية وكروت معايدة لأجدادهم وأقاربهم الكبار في السن، بل يمتدّ ذلك لعدد كبير من الهواة من مختلف الأعمار والجنسيّات.

| ما هي الدول التي تم إرسال واستقبال الرسائل منها، وما عدد الرسائل المرسلة والمستقبلة إلى الآن؟

لا أستطيع أن أحصي رقمًا دقيقًا للبريد الوارد والصادر، لكنّي أذكر أنني أرسلت عام 2018 مئة مراسلة بريديّة لعدد من الدول، لكنّ، في المقابل، أستلم أقل من هذا العدد بكثير، أي، يمكننا القول بأنّ البريد الصادر أكبر من البريد الوارد.

روان2.jpg

| هل يوجد إقبال على مكاتب البريد في الأردن؟

إلى حد ما، تشترك العديد من الشركات في البريد لاستلام الوصولات البنكيّة على سبيل المثال، وبالإضافة للحالمين من هواة المراسلة البريديّة، ولاحظت أن هناك أشخاصًا مهتمين بالتسوّق الإلكتروني، والذين تصلهم طلباتهم على عناوينهم البريدية.

| ما محتوى الرسائل التي ترسليها والتي تصلك؟ خاصّة أنك تراسلين أشخاصًا لم تقابليهم يومًا؟

تبدأ الرسالة في العادة بأحاديث عامة، يتعرّف فيها الطرفين (المرسل والمرسل إليه) على بعضهما، ومع استمرار المراسلات تنشأ الألفة ويصبح من الأسهل مشاركة الأخبار والقصص، من المثير للاهتمام مشاركة قصص فيها بُعد ثقافيّ كشرح عن عادة معيّنة في موسم ما أو تقليد في الأعياد، بالإضافة إلى توصيّات من الكتب والموسيقى والبودكاست.

| ما أكثر الدول التي تقومين بمراسلتها ورقيًّا؟

هناك عدد من المراسلات الداخلية (داخل الأردن)، والهند، وألمانيا، وماليزيا، والإمارات.

روان3.jpg

| كيف تقومين بإعداد البطاقات البريديّة؟

أقوم بوضع الشرائط والملصقات الملوّنة المبهجة، ثم أكتب تحية للمرسل إليه، بالإضافة إلى اقتباس صادفته حديثًا وأعجبني ورأيت أنه قد يكون ملمًا ومحفزًا على التفكير بالنسبة للطرف الآخر.

| شعارك "مُهِمّة لإعادة إحياء التراسل البريديّ"، حدثينا هل نجحت في هذه المُهِمّة؟ وما تطلعاتك لمستقبل الرسائل الورقية؟

لا أستطيع أن أجزم إن كنت نجحت أم لا، أعرف أنّها رحلة طويلة تحتاج للمثابرة، وليس من الضروري أن أرى نتائجها في المدى القصير، لكنّي سعيدة برؤية تفاعل كبير من مستخدمي الإنستجرام مع هذا الموضوع وأتابع بفرح المشاركات على وسم #هيّا_نتراسل وأتخيّل أن هناك اهتمام متزايد، والناس يتمتّعون بالتجربة، لذلك لدي تفاؤل بألّا "ينقرض" البريد، على خلاف ما تروّج له بعض المقالات والاستطلاعات.

هكذا تقوم روان من منصتّها الإلكترونية بالدعوة لإعادة التراسل الورقي لما له من قيمة وأثر جميل في النفس، وحقًا من يكتب لك رسالة ورقيّة في هذا الزمن المتسارع يكون قد أهداك شيئًا من قلبه ووقته، في ظلّ كل هذه الحداثة والماديات والعصر التكنولوجي الالكتروني ما أحوجنا لنعيد إحياء التراسل الورقيّ، والذي بدوره سيحيّ بداخلنا الكثير من الحب والبهجة والذكريات .