بنفسج

هدير شلبي: "فريزيانا" شمسي التي سطعت

الأحد 03 يناير

بلكنة مصرية هادئة، وبصوت واثق يغمره الطموح، وبحلم بدأ منذ زمن طويل، وبآراء من حولها تتهمها ب "الجنون"، فمن يترك وظيفته الثابتة براتبها الشهري، ويستقيل ليغوص في أعماق حلمه الذي لم تكن معالمه ظاهرة بعد، قد يبدو هذا ضربًا من الجنون للناظر، ولكنها أصرت وخططت ونفذت. بالرغم من الأصوات التي تزداد حولها، "يا بنتي حد يسيب وظيفة بالمرتب ده، ويفتح مشروعه الخاص، بلاش جنان".

المصرية هدير شلبي صاحبة مشروع "فريزيانا"، وهو أول موقع لتسويق الحرف اليدوية في مصر، يهدف إلى تمكين أصحاب الحرف اليدوية، وخصوصًا السيدات؛ اقتصاديًا وتكنولوجيًا عن طريق تسويق أشغالها اليدوية وتصويرها ثم شحنها وتطويرها لتناسب العصر والموضة الحالية. ولا يقتصر على ذلك فحسب، بل يعلم السيدات حرفة يدوية من الصفر ويظل معهن حتى يتقن عملهن جيدًا، ويفتتحن مشروعهن الخاص بدعم من "فريزيانا"، وحاضنات الأعمال الشريكة.

| بداية البذرة

48 (2).png

هدير التي عاشت في قرية بسيطة، كل سيداتها يعملن في مجال الحرف اليدوية ومصدر دخلهن الأساسي منها، ولكن تواجههن مشاكل عدة في آلية التسويق والترويج لمنتجاتهن، فكانت تفكر منذ سنواتها الأولى بتقديم المساعدة لهن ولكن السؤال كيف، تقول: "كنت أرى دائمًا شغف السيدات بالقطع التي يصنعنها سواء في الخياطة أو التطريز والإكسسوارات، إضافة للنقش على الفخار وغيرها العديد من المنتجات اليدوية، فأردت أن أساعدهن لتسويق أعمالهن في كافة المحافظات، فخطرت لي فكرة "فريزيانا" التي بالأساس كانت مشروع تخرجي، والذي ناقشت فيه كيفية ربط المرأة بالتكنولوجيا لتحقيق مصدر دخل ثابت لها".

بدأت هدير من قريتها ومنحت نساءها أول خدمات المشروع، ثم توسعت في المحافظات حتى وصلت إلى 25 محافظة، وأصبح لديهم العديد من المقرات التي يقابلن فيها السيدات اللواتي يريدن الانضمام لـ "فريزيانا"، تشرح، الموقع يوجد عليه كل المنتجات اليدوية، الخاصة بالنساء المشتركات، وكل منتج مرفق عليه سعره، الفكرة تكمن في التسويق للسيدة التي لا تعرف أسس الترويج لنفسها، إضافة لربطها بمؤسسات في مجالها لتقديم الخدمة لها سواء مالية أو إعطاءها دورات وورشات تعليمية".

" فريزيانا"، تعني "الحرية والجمال، حين بدأت لم يكن لديها معلومات تكفي لأن تفتتح مشروع كهذا، تقول: "بدأت أتعلم عن كل شيء، توجهت لمؤسسات مختصة بالنساء حكومية ودولية، لأصل لأكبر قدر من أسمائهن، وأنشأت صفحة عبر الفيس بوك قبل أن أطلق الموقع بشكل رسمي".

"فريزيانا" يساعد النساء المصريات على تطوير أنفسهن في العمل الذي يصنعنه، ومن تريد أن تتعلم حرفة يدوية وتشكيل مصدر دخل ثابت لها، يتم منحها وتعلميها ما تريد وتمكينها اقتصاديًا. ساعد الآلاف من النساء اللواتي كن تحت خط الفقر، وعزز المنتج اليدوي المصري وحماه من الاندثار"، تقول هدير.

السيدة التي لم تحلم يومًا أن تكون مديرًا تنفيذيًا لشركة، حلمها كان فقط يكمن في مساعدة أهل قريتها المهمشة، والمناطق الأقصى فقرًا واحتياجًا، لقد ولدت بين هؤلاء الناس، عايشت معاناتهم عن قرب، رأت كمية الجمال الذي يصنعونه بأيديهم، والشغف والطاقة في عيونهم، لم ترد أكثر من أن تُعرف الناس بهم وبأعمالهم، وتترك أثرًا ملموسًا بتوليد مصدر دخل لأسرة، ويصبح لكل سيدة لديها موهبة مشروعها الخاص.

لم يكن إنشاء اسم "فريزيانا" في بدايته سهلًا، قدمت هدير في حاضنات الأعمال، منهم حاضنة تابعة لوزارة الاتصالات المصرية، وتم توفير أشخاص ذو خبرة للمساعدة بالمشروع، ومكان للعمل والبدء بشكل فعلي.

" فريزيانا"، تعني "الحرية والجمال، حين بدأت لم يكن لديها معلومات تكفي لأن تفتتح مشروع كهذا، تقول: "بدأت أتعلم عن كل شيء، توجهت لمؤسسات مختصة بالنساء حكومية ودولية، لأصل لأكبر قدر من أسمائهن، وأنشأت صفحة عبر الفيس بوك قبل أن أطلق الموقع بشكل رسمي، وكنت أدفع للإعلانات الممولة من مالي الخاص، ووصلت خلال وقت قياسي إلى عشرة آلاف مشترك".

لم يكن إنشاء اسم "فريزيانا" في بدايته سهلًا، قدمت هدير في حاضنات الأعمال، منهم حاضنة تابعة لوزارة الاتصالات المصرية، وتم توفير أشخاص ذو خبرة للمساعدة بالمشروع، ومكان للعمل والبدء بشكل فعلي. في مرحلة التخطيط عملت في شركات كبيرة لتكسب خبرة ومعارف وعلاقات واسعة، إضافة أنها بدأت تدخر من راتبها حتى تستطيع فيما بعد تحقيق حلمها وحلم الآلاف.

طريق فريزيانا

49 (2).png

أما فريق عمل "الحرية والجمال"، تختاره المدير التنفيذي لــ "فريزيانا" بعناية، تنتقي الشغوفين الطموحين المحترفين في مجالهم، يغلب على الفريق السيدات، وتوجد نسبة قليلة من الرجال، ولكنهم يضرب بهم المثل في التعاون والاجتهاد، كل فكرة وخطوة تسهم لتطوير المشروع يناقشونها سويًا، وشعارهم لا تقدم بدون عملنا الجماعي.

وعن الآلية المتبعة لاختيار المشاريع التي سيروج لها في "فريزيانا، وطريقة التقديم، تشرح هدير: "أول خطوة نرى المنتج لو يمكن عرضه أو لا من ناحية الجودة والشكل، إن كان ليس موافقًا لشروطنا فيتم تحويل السيدة لورشات تدريبية وتعليمية حتى تتقن عملها تمامًا، يتم التقديم عبر صفحتنا على الفيس بوك، ومن ثم نختار السيدات اللواتي سنعقد معهم مقابلة لفهم ماهية مشروعها وكيف يمكن تقديم الخدمة لها، ونقابل في الأسبوع حوالي 50 سيدة".

ينشر فريق " فريزيانا" على صفحته عبر فيس بوك، إبداعات العديد من النساء والرجال، ويرفق صور أعمالهم ووسيلة التواصل معهم، في مبادرة حيوية لدعمهم والتسويق لهم بشكل أوسع. إضافة إلى أنه يستقبل السيدات في مقراته الموزعة في محافظات مصر، وعقد ورشات عمل لهم، ودورات تدريبية بالاشتراك في مؤسسات حكومية ودولية، وعمل برامج توعوية للسيدات اللواتي لديهن مشاريع أو تعلمن حرفة يدوية في إحدى الدورات التي عُقدت في المركز في كيفية التعامل مع التكنولوجيا والترويج لأنفسهن بمفردهن على وسائل التواصل الاجتماعي، وأيضًا للتعامل مع موقع "فريزيانا" ذاته، وخصوصًا السيدات الكبار بالسن.

وعن الشراكات التي تعقدها هدير وفريقها للنهوض بمشروعهم، تقول لــ" بنفسج": "لدينا ارتباطات وشراكات مع مؤسسات مصرية عديدة، من المهتمين بالتمكين الاقتصادي للمرأة، إضافة لتعاون وثيق مع مؤسسات دولية معنية بالمرأة كاليونسيف مثلًا، كان لدينا مشروع سويًا للترويج للحرف اليدوية المندثرة، كما أن مشروعنا لكل الوطن العربي وليس فقط مصر، ونسعى لتسجيل الشركة خارج مصر، وقريبًا سيتم التعاون مع دول من أفريقيا خصوصًا أنها غنية بالمنتجات التراثية، ويوجد لديهم سيدات مبدعات، يحتجن للتوجيه والإرشاد".

أما عن زوار موقع "فريزيانا" هم من مختلف الأعمار والجنسيات، ولديه حضور قوي خارج مصر، حيث لديه زبائن من دول عدة مثلًا فرنسا، أميركا، دبي، ودول الخليج العربي. ويوجد إشادة به وبفكرته من العديد من الشخصيات الرائدة والعاملة في المجال النسوي بشكل عام، والتمكين الاقتصادي للمرأة.

| رفيق العمل والحياة

47 (2).png

هدير التي تخاف الارتباط، خوفًا من رجل يهدم أحلامها وطموحاتها فوق رأسها، منحها الله بزوج كلما يئست وقف خلفها كجبل لا يميل، تستند عليه في كل أمورها. يتفقان سويًا على آلية عملهم، يتحول منزلهم أحيانًا لمكتب عمل فوري إن جد شيء طارئ. تطرح الفكرة فيقومها أمجد ويضع نقاطها الرئيسية على ورقة عريضة لينفذاها لاحقًا.

تكمل هدير حديثها بعذوبة وبلطف عن شريكها المؤسس وزوجها أمجد، هذا الرجل الداعم بكل ما أوتي من حب، كان بداية لقائهما لعمل فقط في "فريزيانا"، ولكن لم يكونا يعلمان أن القدر سيأخذهما لمنحنى آخر، في بداية عملهما سويًا، بدا أمجد متفهمًا دافعًا بكل قوة للمشروع، يعرض الأفكار والاقتراحات التي ستسهم في بزوغ اسمه أكثر، تقول هدير ل"بنفسج": "أول ما بدأ أمجد بالعمل معي كان إضافة قوية للمشروع، بخبرته الكبيرة، حيث أنه كان يعمل في شركات كبرى خارج مصر في مجال المشاريع الصغيرة والتمكين الاقتصادي للمرأة، بعد مدة تزوجنا، وأصبح شريكي في العمل والبيت، إنني محظوظة بأمجد بدعمه لي، يدفعني أن أطور من نفسي أكثر، يرسل لي دورات متنوعة لألتحق بها، هذا الرجل المتفهم يحب أن يراني ناجحة وفي أعلى مكانة في المجتمع".

أكبر عائق وقف في وجه هدير في بداياتها، حين افتتحت مشروعها؛ عدم اكتمال المبلغ لافتتاحه، إضافة إلى أنها اضطرت مرغمة للانتقال من قريتها إلى القاهرة لإدارة عملها، تقول: "فكرت كتير أني أتراجع، وخصوصًا الكل بيقلي أنتِ بنت هتسيبي وظيفتك الثابتة وتروحي تفتحي مشروعك، وتعيشي لوحدك في القاهرة، كل ما كانت فكرة التراجع بتجيني كانت بتيجي ست بتدعيلي على المساعدة اللي قدمتها ليها بتشجع أكتر وبفضل مكاني وبطور من مشروعي أكتر".

أن تكون صاحب مشروع خاص يعني أن يظل عقلك يعمل حتى في لحظات استراحتك، تضيف هدير: "غالبًا يظل عقلي مشغولًا، أخاف أن تحدث مشكلة في مشروعي، أريد أن أصل لأكبر قدر من السيدات المهمشات ومساعدتهن، دائمًا أفكر وبشكل كبير جدًا في آلية التطوير".

| شركة عابرة للحدود

50 (2).png

القصص المؤثرة للسيدات في المناطق الأكثر احتياجًا خلال رحلة هدير في العمل في مجال التمكين الاقتصادي للمرأة وربطها بالتكنولوجيا عديدة، تقول ل بنفسج عن أكثر قصة أثرت بها: "كانت هناك فتاة صغيرة في العمر، تعمل خادمة في المنازل وكانت تتعرض للإهانات بشكل دائم، فعلمت عن مشروعنا والتحقت بتدريب لتعليم حرفة يدوية، فجاءت وتعلمت وكانت من أكثر النساء الملتحقات بالتدريب التزمًا وإنجازًا، وأصبح لها بعد تعلمها الحرفة عمل آخر ومصدر دخل شهري دون الحاجة لأحد، وفيما بعد أعجبت بعملها إحدى الشركات المختصة، فبدأت بالعمل ضمن فريق هذه الشركة، هذا أسعدني جدًا وجعلني أكثر إصرارًا على مساعدة أكبر قدر ممكن".

تقدم هدير خلاصة تجربة الثلاث سنوات من "فريزيانا"، للسيدات صاحبات المشاريع الجديدة، وتقول لهن: "حددي هدفك بشكل ممتاز، واسألي نفسك دائمًا أنتِ ماذا تريدين، لأنه إن عرفتي ما تريدين ستصلين بشكل أسرع، أما صاحبة المشروع المشتتة صعب جدًا أن تصل لهدفها، أتقني عمل واحد وطوري من نفسك باستمرار، ثم ابدأي التسويق لنفسك عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تكلمي عن بدايتك وعن قصتك باستمرار، الناس تحب الحكايات ومعرفة ما وراء الكواليس، وأهم شيء قومي بتصوير منتجك الخاص بطريقة جذابة، وابني علاقات جيدة مع الجميع".

تكمل صاحبة الشركة بلكنة مصرية صارمة: "لازم تعرفي أن في حاجات بتيجي على أساس حاجات، واتعلمي تفصلي بين حياتك الشخصية والعملية الموازنة مهمة، ولازم تبقي مقتنعة بمشروعك مليون المية، وتكوني عاملة خطة محكمة لمشروعك، عشان متحسيش أنك ارتميتي في البحر وأنتِ ما بتعرفيش تعومي".

لقد ساهمت الشركة الرائدة في خلق مصدر دخل للعديد من السيدات المصريات المهمشات منذ انطلاقه وحتى اللحظة، يطمح فريق "فريزيانا" أن يصبح المشروع الأول الذي يسهم في القضاء على ظاهرة البطالة في مصر، وأن يساعد كل سيدة مصرية أن تجد لنفسها مصدر دخل مستقل، إضافة إلى أن يتوسع ويصبح له وجود وأثر في إفريقيا والوطن العربي.

هدير التي تخاف الارتباط، خوفًا من رجل يهدم أحلامها