بنفسج

حكايا الأمومة: بين دفتي زوج محب وأب شكور

الإثنين 08 مارس

في الجزء الأول تحدثنا عن الباحثة والكاتبة الفلسطينية أحلام مصطفى، عن دراستها وتحويلها من كلية الطب إلى الإعلام، وهنا نخوض رحلة جديدة مع حديثينا مع أحلام، ماذا عن الله في حياة أحلام! إن الإنسان يبحث عن أي صورة للعدل تتحقق أمام عينيه، ولكن كما هي حالنا دائمًا، فنحن كبشر نفضل القريب المنظور على البعيد الغائب، لذلك كان هذا محط الاختبار.

| حين عرفت الله

أعتقد أنني أجدّ الله أكثر فأكثر كلما مرّ بي الوقت واختلفت طبيعة الاختبارات التي أخوضها.  كل يوم يمر عليّ وأنا ألاحظ عن قرب تكون نفس بشرية من العدم إلى الحياة الكاملة، ثم تغير الأفكار والعادات يدفعني أكثر وأكثر باتجاه الله، كل عام يمر من هذه الحياة وأنا قادرة على أن أرى سببًا للحياة فوق كل الموت والظلم، أجدني أعرف الله أكثر من العام الذي مضى.
 
بعضنا قد يعيش ويموت دون أن يعرف الله، حتى وإن صلّى وصام وقام بكل ما عليه القيام به من طقوس، يموت دون أن يعرف الله في أكلة شهية أكلها بعد فترة طويلة من اشتهائها، ودون أن يعرف الله في حب استثنائي كان سيخسره لولا توفيق عجيب لا يد له فيه، في شربة ماء بارد بعد يوم شاق.

أعتقد أنني أجدّ الله أكثر فأكثر كلما مرّ بي الوقت واختلفت طبيعة الاختبارات التي أخوضها.  كل يوم يمر عليّ وأنا ألاحظ عن قرب تكون نفس بشرية من العدم إلى الحياة الكاملة، ثم تغير الأفكار والعادات يدفعني أكثر وأكثر باتجاه الله، مصدر كل شيء ومكوّن كل تفصيلة، كل عام يمر من هذه الحياة وأنا قادرة على أن أرى سببًا للحياة فوق كل الموت والظلم، أجدني أعرف الله أكثر من العام الذي مضى، لا أعتقد أننا نفقد إيماننا أو أننا يمكن أن نوقن بأنه لا إله في هذا العالم، أعتقد أننا فقط نفقد قدرتنا على رؤيته، تأخذنا غمرة الحياة بعيدًا عن وجوده وشيئًا فشيئًا يغيب تمامًا من أمام بصائرنا.

لقد أخطؤوا كثيرًا وجعلونا نحس أن الله فوق رؤوسنا يتتبع أخطاءنا ويسجل لنا الملاحظات حول مدى جودة أدائنا، لقد اختزلوه في قائمة من الأعمال اليومية التي تلغيها من على لائحة واجباتك تباعًا، لقد جلعوا الله قابعًا في خلفية أيامنا، ننجز ما علينا حتى نحس بالراحة لأننا صلينا وصمنا، ثم نلتفت إلى جوانب الحياة الأخرى التي لا دخل له فيها. لا نعرف الله فيما نرى من حولنا من بشر، ولا فيما نمشي عليه من أرض، ولا فيما نتطلع إليه من سماء، نعرف الله فقط في خيوط ملونة على سجادة صلاة، وحبات مسبحة قديمة.

ح11.png
لا أعرف متى تحديدًا، ولكن في وقت من الأوقات لم أعد أفكر في الموت بالقدر الذي أفكر فيما بعده، ولا أعني هنا يوم القيامة أو الحساب، ولكن ذلك الموقف العظيم عندما تلاقي "الله"، وأفكر في احتمالية أنه لن يحدثني غضبًا، أو أنني سأدخل الجنة ولكنني لن أتمكن من رؤيته، فتصبح الفكرة خطبًا جللًا، ويصيبك ذعر رهيب، وتفقد تركيزك وكأنك سمعت أسوأ ما كنت تخشاه، وتكرر في نفسك: كيف لا أراه؟! وتستعيد شريط حياتك، وفجأة تلتفت إلى كل تلك الأمور التي غابت ولم تعرف الله فيها، وحتى المصائب التي تدفعك إلى السقوط راجيًا على قدميك، باكيًا نائحًا، تعيد: كيف لا أراه؟! وقد فاق وجوده في حياتك كل وجود، وعرفته دون أن تعرفه كما لم تعرف شيئًا في هذا الكون، تسبح بعدها في حالة من التسليم، من الحزن، ومن الرجاء، أن يا إلهي لا تحرمني كما حرمتُ نفسي، فلا تمُت دون أن تعرف الله.

ح12.png

بعضنا قد يعيش ويموت دون أن يعرف الله، حتى وإن صلّى وصام وقام بكل ما عليه القيام به من طقوس، يموت دون أن يعرف الله في أكلة شهية أكلها بعد فترة طويلة من اشتهائها، ودون أن يعرف الله في حب استثنائي كان سيخسره لولا توفيق عجيب لا يد له فيه، في شربة ماء بارد بعد يوم شاق، في ساعة من اليوم يقضيها هانئًا مرتاح البال في بيته الدافئ ومقعده الوثير وبجانبه فنجان الشاي وقطعة من الحلوى. نحن لا نعرف الله إلا في النوازل والمآسي، ولا نراه إلا في كل ما يصيبنا من محن، وكأننا مازلنا نكرر نفس العبارات التي نسمعها ونحن صغار.

| عن حكايا الأمومة

تقول أحلام: "أرفض أن أضع أطفالي في الحضانات بسبب القراءات والأبحاث المتعلقة بالطفولة المبكرة، أنا قررت أن أخطط لحياتي حول أطفالي وليس العكس، واحدة من الاشياء المغلوطة التي تحيطنا هي عدم النظر إلى فكرة الأمومة إنها إنجاز، بل ارتبط مفهوم الإنجاز بفكرة العمل وتحقيق الذات، أنا أرى أن حياتي لا تقف على عمل لكي أحقق ذاتي فيه، بل إن أربي إنسانًا وأعطيه من وقتي هي أولوية تتقدم على العمل".
 
المرأة لم تفقد جزءًا من واجبتها وتأخذ بدلًا منها واجبات أخرى، بل هي قائمة طالت وطالت حتى أضحت معجزة لكثير من النساء، فأضحى الحل الوحيد هو في الاختيار بين هذه الحياة أو تلك. ولأننا في مجتمع وعصر تغزو حياتنا فيه المظاهر والماديات، فإن المرئي والملموس هو الأهم والأكثر تأثيرًا من المعنوي والمحسوس.

أما في الحديث عن الأمومة في مثاليتها وواقعيتها، وكيف تقوم أحلام بكل هذه الأعمال والدراسة بينما هي أم لأربع بنات؟ أحلام ليست ممن يؤيدون موضوع تأخير الإنجاب بسبب وجود عامل بيولوجي لا نستطيع التغافل عنه وإهماله، ففرص الحمل والإنجاب تقل عند المرأة بعد بلوغها سن الخامسة والثلاثين، فقد كانت لديها تجربة الحمل والإنجاب في أواسط العشرينيات وأواسط الثلاثينيات والفرق بينهما واضح.

تقول أحلام: "أرفض أن أضع أطفالي في الحضانات بسبب القراءات والأبحاث المتعلقة بالطفولة المبكرة، وقصص كنت قد سمعتها فيما يتعلق بهذا الشأن، فأنا قررت أن أخطط لحياتي حول أطفالي وليس العكس. واحدة من الاشياء المغلوطة التي تحيطنا هي عدم النظر إلى فكرة الأمومة إنها إنجاز، بل ارتبط مفهوم الإنجاز بفكرة العمل وتحقيق الذات والعلاقات الكثيرة، أنا أرى أن حياتي لا تقف على عمل لكي أحقق ذاتي فيه، بل إن أربي إنسانًا وأعطيه من وقتي هي أولوية تتقدم على العمل في حال توافرت الجاهزية النفسية والجسدية للإنجاب.

تمر علي كثيرًا هذه الأيام تدوينات ومقالات لأمهات يشاركن حقيقة أن تكون المرأة أمًا، أو زوجة، عاملة، أو دارسة، أو ربة منزل، ويعرضن تجاربهن في الحمل والولادة والتربية، أو يعبرن عن الصعوبات التي يواجهنها، وعدم مراعاة الناس لمتطلبات الحياة والتدخل في اختياراتهن، أو يصفن حقيقة الزواج والأمومة للحالمين والحالمات دون ترهيب أو مبالغة، وعن نفسي أجد في هذه العادة المستجدة التي تكسر حاجز الرغبة في الظهور بمظهر مثالي وتتخلى عن التصورات الخيالية للأمهات التي تقوم بصورة أساسية على توقعات مجتمع يرى في المرأة آلة وماكينة أكثر منها إنسانًا.

ح14.png

تلك الأم التي تلد وتقوم لتحصد الزرع، أو التي تعمل في الخارج وتعود لتعمل في الداخل وهي "على سنجة 10"، ثم تنجب وتكثر الإنجاب حتى يقال إنها ولود صاحبة عزوة. الآن أضيفت إلى هذه القائمة ضرورة أن تكون هذه المرأة ناجحة صاحبة "كارير" أو على أقل تقدير عليها أن تحقق نجاحًا عمليًا في مجال ما، لا يهم، أي شيء سيفي بالغرض طالما أنها ليست ربة منزل.

الذي حدث يا أصدقاء أن المرأة لم تفقد جزءًا من واجبتها وتأخذ بدلًا منها واجبات أخرى، بل هي قائمة طالت وطالت حتى أضحت معجزة لكثير من النساء، فأضحى الحل الوحيد هو في الاختيار بين هذه الحياة أو تلك. ولأننا في مجتمع وعصر تغزو حياتنا فيه المظاهر والماديات، فإن المرئي والملموس هو الأهم والأكثر تأثيرًا من المعنوي والمحسوس.

لهذا نجد الكثير من الدعوات والأحاديث من الجنسين ذكورًا وإناثًا تتغنى بالاستقلالية المطلقة وعدم الحاجة للزواج أو الإنجاب، ولماذا نكدر على أنفسنا، ولماذا نعيش في هم وغمّ ومحاولات للتفاهم مع كائنات أخرى مادام ممكنًا أن نعيش حياة لطيفة خفيفة ليس فيها سوى العمل، ثم التمتع بعائد العمل، وانتهى الأمر.

أطفال أحلام.jpg
أطفال أحلام

أذكر في يوم، أثناء ممارستي الكتابة؛ بدأت الحفلة الراقصة وخرجت الصغيرتان، ثم عادت الرضيعة طالبة وجبة سريعة في حضن "ماما"، استجبت لها بينما أتابع الطباعة بيد واحدة، انتهت، وخرجت من جديد لتجلس مع والدها وأختها، ثم جاءت الكبرى وهي تعاني من انهيار عصبي لأنها لا تريد تلك القصة بل واحدة أخرى، فخرجت وتفاهمت معها، واتفقت أن تترك لي بعض الوقت حتى أنهي هذا العمل ثم أعود إليها. لا أتابع دائمًا الكتابة أو القراءة أو البحث أو أيًا كانت المهمة التي أقوم بها، كثيرًا ما أحس بالضغط وأضعف وأترك عملي، ما يجعلني أعود في كل مرة ويدفعني إلى تجاهل انعدام التركيز، وكثرة المشتتات، وصعوبة التفرغ هو أنني أريد أن أنجز هذه الواجبات من أجل بناتي أولًا، قبل كل شيء، لأنني أعرف أنني سأحس بالتقصير إن لم أحقق هذه الأمور الأخرى إلى جانب أمومتي، هذه نظرتي لنفسي وهذا ما خططته منذ البداية.

ح15.png

أردت أن أكون أمًا جيدة، وأن أكون أمًا جيدة بالنسبة لي يتضمن أن أنهي دراستي وعملي البحثي، وأن أنتج كتابيًا ما ينفع النّاس. أن أكون أمًا جيدة يقتضي أن لا يقتصر نشاطي العقلي على أعمال المنزل، والاهتمام بالصغار حتى لا يعتري رأسي الصدأ ويجتاحني الملل الذي يوصل الناس إلى نتائج مفادها أن الأمهات تعيسات، مملات، حياتهن فارغة.

تمرُّ بي فترات أكون فيها سريعة الغضب، قليلة الصبر، لا طاقة لي بالمحايلة والمسايرة. أستعيض عن قراءة قصة بمشاهدة قصة، وأستبدل وقت اللعب بنزهة حول المنزل حتى لا أضطر لافتعال المتعة والحماس، وأستمتع بالتمشي مع البنات ونتبادل الحديث، نتغدى بيضًا وفولًا لأنني لا أطيق الطهي في ذلك اليوم، وغيرها الكثير من الأمور التي تضيق بها النفس في أحيان. ثم أنفرد بها في آخر الليل فأعاتبها على ما أراه تقصيرًا، وأقول غدًا سنذهب للحديقة مثلًا، أو غدًا سنأخذ حصة غناء ورقص، أو غدًا سأعد لهن عجينة للعب، ألتزم أو لا ألتزم بما عزمت عليه، ولكنني أحاول أن يكون الحد الأدنى هو ألا أفقد أعصابي ولا أظهر نفاد صبري، خصوصًا في الأوقات التي تختار فيها طفلاتي أن توحدن مجهوداتهن للقضاء على آخر بقايا صبري.

أحلام2.jpg
أحلام مصطفى مع زوجها وأطفالها

ليس سهلًا على الأم والأب أن يبقيا في حالة من الهدوء والسلام النفسي مع أبنائهم طوال الوقت، وليس واقعيًا أن نطلب منهم أن يستمتعوا بالكثير مما يجب عليهم فعله مع أطفالهم ببساطة لأنهم ليسوا أطفال، ولكنهم يدركون واجباتهم ويحاولون قدر المستطاع أن يوائموا بين حياتهم وأعمارهم وحياة أطفالهم واهتماماتهم وما يستحقون. وهذا أحد الأسباب التي تجعلني أنتقد تأخير أعمار الزواج، ولكن ليس هذا موضوعنا الآن فلن أخوض فيه.

ح17.png
أذكر أنني مرة كتبت حالة على صفحتي على الفيسبوك أقول فيها بأنه ليس على الأمهات أن يقمن بكل شيء، فإن أرادت المرأة أن تكون أمًا فقط دون البحث عن عمل خارج البيت أو نشاط ما، فهذا من حقها، وليس لأحد أن ينتقص منها بسبب هذا الاختيار. عندها تعرضت لموجة من الانتقادات لأنني حسب قول الكثيرين أدعو دعوات رجعية متخلفة، تريد للمرأة أن تكون خادمة في بيت زوجها. والحقيقة أنني عنيت أن أحرر المرأة الأم تحديدًا من كومة المسؤوليات التي تقذف بها كل يوم، بينما يقف الرجال أنصارها الذين يريدون تحريرها ليحاسبوها على كل ما تفعل ويقيموا أداءها.

ح15.png
أنظر إلى طفلاتي وأجد فيهن عالمًا كاملًا، أجد فيهما سببًا يجعلني إنسانة أفضل، سببًا يدفعني إلى أن أقدم على أمور لم أكن لأفكر فيها لولا أمومتي لهن. شاء الله أن أبدأ الدكتوراه وأنا في الثامنة والعشرين في ظروف مختلفة تمامًا وفق الله سعيها، بدأتها بعد أن أنجبت طفلة وكنت حاملًا في أخرى، وبعد زواج وسفر وعمل عام وقراءات وتجارب غيرت في الكثير، وأوصلتني إلى نتيجة لم أكن لأحلم بها من وضوح الرؤية وتقدير الأمور حق قدرها.

ولكنني في كل ذلك مازلت أسابق الزمن، أسابقه حتى أحسن تربية بناتي، وحتى أحسن رفقة زوجي، وحتى أقدم على الإنجاز قد الاستطاعة، أتلقى فرص العمل بيدين مفتوحتين، لأنني لا أعرف أيها سيفتح لي الأبواب يوم الحساب، أسابق الزمن بمزاحمته بكثرة الأشغال، وكثرة الأفكار، فتتضاعف الأعوام.

| الزوج المحب والأب الشكور

راقبت أحلام زوجها وهو يتعامل مع مواقف لم تكن تخطر بباله ربما، ويبلي أفضل البلاء، يربت على رأسها وأنا تلد طفلتهم الأولى، ويلعب دور رفيق الولادة أثناء ولادة الثانية، ويحب هو أن يقول إنه من ولدها لا القابلة.
 
حاول كثيرًا أن يكون الأب الذي يشارك رعاية أطفاله ويخفف عن أمهم، وغيّر الكثير مما يراه المجتمع طبيعيًا، إلى ما رآه هو حقًا.
 
يقر عينيها بنظرة الرضى التي يلقيها عليها عندما تكتب شيئًا قيّمًا، أو تنجز مشروعًا جديدًا، ويرفض أن يريحها ويجيب عن سؤالها المتكرر: ماذا تريد أن تأكل اليوم؟

ماذا عن شريكك في كل هذا يا أحلام، تبدين امرأة استثنائية، قوية، جسورة! لا بد من داعم وميسر، هل تخبريننا عن زوجك أو كما أسميته في إحدى مدوناتك "أبو العيال"، تجيب أحلام بحياء المحبين: "لقد راقبت زوجي وهو يتحول من شاب أعزب، أحببت فيه تفكيره وعقله، إلى زوج مُحِب يستكشف طبيعة الحياة الجديدة، ثم إلى أب شكور يغمره الانبهار بالأطفال والطفولة. لقد راقبته وهو يتعامل مع مواقف لم تكن تخطر بباله ربما، ويبلي أفضل البلاء، يربت على رأسي وأنا ألد طفلتنا الأولى، ويلعب دور رفيق الولادة أثناء ولادة الثانية، ويحب هو أن يقول إنه من ولدّني لا القابلة. قرأ وتعلم عن الأشياء التي كان يجهلها، وتعوّد السؤال عن الأشياء الغريبة عليه. حاول كثيرًا أن يكون الأب الذي يشارك رعاية أطفاله ويخفف عن أمهم، وغيّر الكثير مما يراه المجتمع طبيعيًا، إلى ما رآه هو حقًا.

ح16.png
إنه يجعل أمومتي سببًا لسعادتي، ويرى فيها سببًا للبهجة ومهمة تعبها وحده كافٍ لكي أحس بالفخر الذي يدفعني دفعًا حتى لا أظلم نفسي، ولا أسرف في تقديم رغبات العيال العشوائية على راحتي وصحتي. والذي يقر عيني بنظرة الرضى التي يلقيها عليّ عندما أكتب شيئًا قيّمًا، أو أنجز مشروعًا جديدًا، والذي يرفض أن يريحني ويجيب عن سؤالي المتكرر: ماذا تريد أن تأكل اليوم؟

ح18.png
واجهنا معًا تحديات كثيرة في أول خمس سنوات أمضيناها في هذه الرحلة. نجونا من سنة الزواج الأولى، وأنجبنا طفلتين، وتنقلنا بين الوظائف والمشاريع والدرجات العلمية والدول والبيوت، الكثير من البيوت. راقبته ونحن نبدأ معًا من جديد في بلد غريب، فكنا الملجأ لبعضنا والمستراح. ونحن نتعلم كيف تكون الحياة خارج قوقعة المقر الواحد والروتين اليومي والعمل والوظيفة والراتب والسلسلة الطويلة من المهام المتوقعة.

لم تكن كل تلك التغيرات سهلة، ولم تخل من تعقيدات ولا مشاكل، لا ليست الصورة وردية كما ترسمها الأفلام وقصص الحب والغرام، ولا حتى كما تشاهدونا في تلك المسلسلات التركية والسلاسل الكورية. وليس من المنطقي أن يتوقع الزوجان أنها ستكون كذلك! تعودنا أن نقدر هذه الحقيقة، وأن تكون سياستنا أن ننقض عليها لا على بعضنا البعض، فنحن جزء من الحل لا المشكلة.

أحلام3.jpg
أحلام مصطفى مع زوجها

كلما جاءتني إحداهن تسألني في أمر يتعلق بالزواج أو اختيار شريك الحياة، ينتظر مني الجميع حديثًا عن أرواح تتلاقى من النظرة الأولى، ومشاعر فياضة، وانجذاب جارف، ولكن الزواج الحقيقي المبني على تشارك الخبرات علمني خلاف ذلك. وُجِدَت تلك العوامل أو لم توجد، وُجِد التلاقي الروحي أو الانجذاب الجارف أو لم يوجد.

 الأمر في النهاية يعود إلى قرار تتخذه أنت وتتخذينه أنتِ بالالتزام، ببذل الجهد، وبتجاوز النفس، فأنت لم تعد مركز كونك الخاص، وليست مهمة الطرف الآخر أن يسعدك، بل مهمتكما معًا أن تخففا عن بعضكما صعوبة الحياة، وأن تسعدا بجمال ما يجمعكما، لا بما قد يوفره أحدكما للآخر ماديًا أو معنويًا. أنني أحمد الله كثيرًا وأحاول شكر نعمته أن وفق بيننا، ثم أن أعاننا على ما يتطلبه الأمر من عمل، وأن حفظنا وبارك في اجتماعنا. سأقول بأنني أسأله أن يشملنا برعايته وعينه التي لا تنام.